علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

الكون في نظر الإسلام

 [أولًا]: الكون مخلوق لله  

 

الكون ـ أَيْ كل ما سِوَى الله ـ مخلوقٌ لله تعالى، وليس واقعُ الكونِ هذا سِوَى التعلّق، والرَّبط بالله تعالى، وليست الكائنات في غنىً عن الحقّ تعالى ولا لحظةً واحدة، ومعنى قولنا: إِنَّ الكون مخلوق لله، هو أَنَّ الكون خُلِقَ بإِرادة الله ومشيئته، وأنّ نسبته إلى الله ليس مِنْ نمطِ نسبة الوَلد إلى الوالد، فليست العَلاقة بين الكون وبين الله علاقة توْليد، وَولادةٍ، يقول سبحانه:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ } [الإخلاص: 3] .

 

[ثانيًا]: نظام الكون الحالي ليس أبديًّا

 

النِظام الحالي للكون ليس خالداً ولا أبديّاً، بل سينهدمُ ويندثر بعد زمانٍ يعلمه الله وحده على وجه التحديد، ويقوم مكانه نظامٌ آخر هو العالم الأخروي وما يسمّى بالمعاد، كما يقول تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم: 48] وفي قوله سبحانه: {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} [البقرة: 156] إِشارَة إلى هذه الحقيقة.

 

[ثالثًا] العلّة والمعلول

 

النِّظامُ الكوني الرّاهنُ قائمٌ على أَساس العلَّة والمعلول، وتقومُ بين ظواهرِهِ وأجزائه رابطةُ.

 

[رابعًا] العليّة والمعلوليّة

 

وتأثيرُ كلّ ظاهرة في ظاهرة أخرى متوقّف على الإذن الإلهي وَالمشيئة الإلَهيَّة، وقد تَعلَّقت المشيئة الإلَهيَّة الحكيمة بتحقيق فيّاضيّته غالباً عن طريق النِّظام السببيّ، وعَبْرَ الأسباب والمسبّبات. ومن الواضح أَنَّ الاعتقاد بتأثير الظّواهر بعضُها في بعض، لا يعني الاعتقاد بخالقيّتها قَطُّ، بل المقصود هو أنّ تلك الأسبابَ والعلل توفِّر ـ بإِذن الله ومشيئته ـ أرضيّة تحقّق ظواهر أخرى، وأَن أيّ نوع من أَنواع التأثير والتأثر مظهرٌ من مشيئة الله وإِرادته الكلّيّة.

 

وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى كلا المطلبين المذكورَين ونعني خضوع الظواهر الطّبيعية لقانون العليّة وكذا توقُّفَ تأثيرِ كلّ علّةٍ وسبب في الكون على الإذن الإلَهي الكلّي.

 

ففي المجال الأوّل نكتفي بذكر الآية التالية: {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ} [البقرة: 22]. وفي المَجالِ الثّاني نكتفي بالآيةِ التّالِيَة أَيْضاً: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} [الأعراف: 58](1).

 

[خامسًا] الوجود ليس مساوقاً للطبيعة المادية

 

الوجودُ ليس مساوِقاً للطبيعة المادّيّة، فهو لا ينحصرُ في المادّة وحدها بل هو أوسع من المادة ومن ما وراءَها الَّذي أَطلقَ عليه القرآنُ اسْمَ عالَمِ الغيبِ في مقابل عالَمِ الشَّهادةِ.

 

وكما أنّ الظواهر المادية يؤثر بعضُها في بعضٍ بإذن الله تعالى كذلك تؤثّر الموجوداتُ الغيبية في عالَم الطبيعة بالإذن الإلَهيّ. وبعبارة أُخرى: هي وسائط للفيض الإلهي.

 

ويتحدث القرآنُ الكريمُ عن تأثير مَلائكةِ الله وتسَبّبِها لحوادثِ العالَمِ الطبيعيّ إذ يقول : {فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا} [النازعات: 5] {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً } [الأنعام: 61].

 

نَستَنتجُ من الآيات الصَريحة السابقة

 

أنّ عالَمَ الخلق بقسمَيْه: الطبيعة وما وراء الطبيعة مع ما يسوده من النظام السببي قائمٌ برمَّته بمشيئة الله سبحانه ومرتبط به، بلا استثناءٍ.

 

[سادسًا] خضوع الكون لهداية خاصة

 

إنَّ الكونَ حقيقةٌ تخضع لهدايةٍ خاصّةٍ، وإنّ جميع ذرات العالم ـ كلٌّ في مرتبته ـ تتمتع بحسب ما هي عليها بنورِ الهداية. كما وإنّ مراتب هذه الهداية العامّة والشاملة تتكون من الهداية الطبيعية، والغريزية والتكوينية.

 

وَلقد ذكَّر القرآنُ الكريمُ في آيات عديدةٍ بهذه الهداية التكوينيّة والعامّة نأتي فيما يلي بواحدةٍ منها: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه: 50] .

 

[سابعًا] الكون نظام كامل

 

إنَّ نظامَ الخليقة الحاضر هو النظامُ الأكملُ والأحسنُ، وإنّ جهاز الوجود قد صُوِّر على أفضل صورة، فلا يمكن تصوّر ما هو أكمل وأفضل مما عليه الآن.

 

يقول القرآن الكريم: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [السجدة: 7] والدليلُ العقليُّ يدعمه، وذلك لأنّ فعلَ أيّ فاعل يتناسب ـ من حيث الكمال والنقص ـ مع ما عليه الفاعلُ من حيث الصفات والكمالات، فإذا كان الفاعلُ منزَّهاً عن أيّ نقص من حيث الصفات الوجوديّة، كان فعلهُ كذلك عارياً عن أيّ نوع من أنواع النقص والعيب.

 

وحيث إنّ الله تعالى يُوصف بكلّ الكمالات الوجوديّة على وجهها الأتمّ الأكمل يكون فعله أيضاً ـ وبطبيعة الحال ـ أكملَ فعلٍ وأفضلَه. هذا مضافاً إلى أنّ كونَ اللهِ حكيماً يقتضي ما دام خلقُ العالمِ الأحسنِ ممكناً، أن لا يوجِدَ غيره. والجدير بالذِكرِ أنّ ما في العالَم الطبيعيّ مما يسمّى بالشُّرور لا ينافي النظامَ الأحسنَ للوجود...

 

[ثامنًا] الحكمة في خلق الكون

 

حيث إنَّ العالَمَ مَخلوقٌ لله الّذي هو الحقُّ المطلَق وفعلهُ، فإنَّ مصنوعَه كذلك حقٌ ويتَّسم بالحِكمة، فلا مجالَ للعبثيّة واللاهدفيّة فيه. وقد أشار القرآنُ الكريمُ إلى هذا الموضوع في آياتٍ عديدةٍ نذكر واحدةً منها هنا: {مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} [الأحقاف: 3] على أنّ غايةَ هذا العالم والإنسان إنما تَتَحقّق عندما تقومُ القيامة، كما قال الإمام أمير المؤمنين علي: «فإنّ الغاية القِيامة».(2)

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) للتَّوسُّع ومَزيد الاطِّلاعِ في هذا المجال تُراجَع كتب التّفسير والكلام (العقائد) منها: تفسير الميزان: 1 | 74 طبعة بيروت، والإلهيّات: 2 | 51 ـ 54.

(2) نهج البلاغة، الخطبة 190 .

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد