علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

في معالم الإيمان والكفر

 

الشيخ جعفر السبحاني .. 
إنّ حدَّ «الاإيمان» و «الكُفر» من المباحث الكلاميّة والاعتقادية الهامّة جدّاً.
فالإيمان في اللُّغة يعني التّصديق و «الكُفر» يعني السَتر، ولهذا يُقال للزارع «كافر» لأنّه يستر الحبَّةَ بالتراب، ولكن المقصود من «الإيمان» في المصطلَح الدينيّ (وفي علم الكلام والعقيدة) هو الاِعتقاد بوحدانيَّة الله تعالى، والآخرة ورسالة النبي الخاتم محمّد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم.
على أنَّ الإيمان برسالة النبيّ الخاتِم يشمُلُ الإيمانَ بِنبوّة الأنبياء السابقين عليه، والكتب السّماوية السابقة، وما أتى به نبيُّ الإسلام من تعاليم وأحكام إسلاميّة للبشر من جانب الله أيضاً.
إنّ المكان الواقعي والحقيقي للإيمان هو قلب الإنسان وفؤادُه كما يقول القرآن:
{أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ} [المجادلة: 22] .
كما أنّه يقول لسُكّان البَوادي الذِين استسْلَمُوا لِلحاكميّة الإسلامية وسلطتها من دون أن يَدخلَ الإيمانُ في أفئدتِهِم: {وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14].
ولكنّ الحكمَ بإيمان الشخص مشروطٌ بأن يعبّر عن ذلك بِلسانه وإقرارِهِ اللفظي أو يُظهِرَه بطريقٍ آخر، أو لا يُنكر اعتقادَه به على الأقل، وذلك لأنّ في غير هذه الصورة لا يُحكم بإيمانِهِ كما قال:
 {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل: 14] .
في ضوءِ هذا يكونُ قد تبيَّنَ معنى «الكفر» وحدّه أيضاً، فإذا أنكر شخصٌ وحدانيّةَ الحقِّ تعالى، أو أنكرَ يومَ القيامة، أو رسالة النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم حُكِمَ بكفره حتماً، كما أنّ إنكار أحد مسلّمات الدين المحمديّ وضروريّاته التي يكون إنكارها مستلزِماً لإنكار رسالةِ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بشكلٍ واضحٍ يجعلُ الإنسانَ محكوماً بالكفر أيضاً.
فعندما أعطى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم الراية لعلي عليه السلام لفتحِ قِلاعِ خيبر، وأخبرَ الناسَ بأن حاملَ هذه الراية سيفتح خيبراً، في هذه اللحظة قال الإمامُ عليٌ عليه السلام لرسول اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم : يا رسولَ الله علامَ أُقاتلهُمْ؟؟
فقال النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم: «قاتِلْهُمْ حَتّى يَشهَدُوا أنْ لا إِلَه إلاّ اللهُ وأنّ محمداً رسولُ الله، فإذا فَعَلُوا ذلك فقد مَنَعوا مِنْكَ دِماءَهُمْ وأموالَهم إلاّ بحقها، وحسابُهم على الله».(1) وسَأَلَ شخصٌ الإمامَ الصادق عليه السلام فقال: ما أدنى ما يكونُ به العَبدُ مُؤمِناً؟
قالَ عليه السلام: «يَشْهَد أن لا إلَه إلاّ الله، وأنّ مُحمداً عبدُهُ ورسولهُ، ويُقرّ بالطّاعَةِ، ويعرف إمامَ زمانِهِ، فإذا فَعل ذلكَ فَهُو مؤمِنٌ».(2)
الإيمان مشروط بالالتزام بالعمل الصالح :
إنّ حقيقةَ الإيمان وإن كانت هي الاِعتقاد القلبي (المشروط بالإظهار أو عدم الاِنكار على الأقلّ) ولكن يجب أن لا يُظَنَّ أنّ هذا القَدَر من الإيمان كافٍ في فلاحِ الإنسانِ، بل يجب على الشَخْصِ أن يَلتَزِمَ بلوازم الإيمان وآثاره العَمَليّة أيضاً.
ولهذا فقد وُصِف المؤمنُ الواقعي وعُرّف في كثير من الآيات والرّوايات بأنه الملتزم بآثار الإيمان، والمؤدّي للفرائض الإلَهيّة.
فقد اعتبر القرآنُ الكريمُ في سورة «العصر» كلّ الناس في خسر إلاّ من اتّصف بالصّفات التالية حيث قال:
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر: 3] .
وقد روى الإمامُ الباقر عليه السلام عن الإمام علي عليه السلام أن رجلاً قال له: من شهد أن لا إلَه إلاّ اللهُ وأنّ محمّداً رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم كانَ مؤمناً؟ قال: «فأينَ فرائضُ الله»؟(3) ، وَقال عليه السلام أيضاً: «لو كانَ الإيمان كلاماً، لم ينزلْ فيه صومٌ، ولا صلاةٌ، ولا حلالٌ، ولا حرام».(4)
فيُستنتَج من البَيان السابق أنّ الاِيمان ذو مراتب ودَرَجات، وأنّ لكلِ مرتبة أثراً خاصّاً بها، وأن الاعتقاد إذا اقترن بالإظهار أو عدم الإنكار على الأقل، كان أضعف مراتب الإيمان وأدونها، وتترتّب عليه سلسلةٌ من الآثار الدِينيّة، والدنيويّة، في حين أن المرتبة الأخرى للإيمان التي توجب فلاحَ الإنسان في الدنيا والآخرة رهنٌ للاِلتزام بآثاره العمليّة.
والنقطة الجديرةُ بالِذّكر هي أنّ بعضَ الروايات اعتبرت العَمَلَ بالفرائض الدينيّة ركناً من أركان الإيمان، فقد روى الإمامُ الرضا عليه السلام عن رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «الإيمان معرفة بالقلب وإقرارٌ باللسان وعملٌ بالأركان»(5( ؟.
وفي بعضِ الرّوايات جُعِلَت أُمور، مثل إقامة الفرائض، وأداء الزكاة والحج، وصومِ شهرِ رمَضَان، إلى جانب الشهادتين أيضاً.(6)

إنّ هذه الروايات إمّا هي ناظرةٌ إلى أنّه يمكن تمييز المسلم عن غير المسلم بواسطة هذهِ الأعمال، أو أنّ ذكرَ الشهادتين إنّما يكونُ سبباً للنجاة وموجباً للفلاح إذا اقترنَت وانضمّت إلى أعمالٍ شرعيةٍ أهمُّها وأبرزُها: الصلاةُ، والزكاةُ، والحجُ، والصوم.
بالنَظَر إلى هذين الأصلين يجب أن لا تُكَفِّرَ أيَّةُ فِرقة من فِرَقِ المسلمين الفرقةَ الإسلامية الأخرى التي تخالفُها في بعض الفرُوع، لأنّ ملاكَ «الكُفر» هو أنْ ينكرَ الشخصُ أحدَ الأصول الثلاثة، أو إنكار ما يلزَمُ من إنكاره إنكار أحَدِ الأصول الثلاثة المذكورَة، وهذه الملازمة إنّما تتحقَّق إذا كان حكمُ ذلك الشيء بديهيّاً من وجهة نظرِ الشَرع، وواضحاً جِدّاً إلى درجة أنّه لا يستطيع أنْ يجمعَ بين إنكاره والاعترافِ بالأصول الثلاثة.
وعلى هذا الأساس ينبغي للمسلمين أن يحفظوا في جميع المراحل أُخوَّتَهم الإسلاميَّة، ولا يَسْمَحُوا بأنْ يَصيرَ الاختلافُ في الأمور المتعلّقة بالأصول سبباً للنزاع، وربّما لتفسيقِ أو تكفير فرقةٍ لأخرى، وأن يكتفوا في الاختلافات الفكريّة والعقيديّة بالحوار العلميّ والمناقشة الموضوعيّة، ويتجنَّبوا إقحام التعصُّب غير المنطقيّ، والاِتهام والتحريف في هذا المجال إبقاءً على الصّفاء والمودّة بين المسلمين.
_______________
(1) صحيح البخاري: كتاب الاِيمان، 10 ؛ صحيح مسلم: ج 7، باب فضائل علي، 121.
(2) بحار الأنوار: 69 | 16، كتاب الاِيمان والكفر، نقلاً عن معاني الاَخبار للشيخ الصدوق، وسند الحديث صحيح.
(3) الكافي : 2 | 33 .
(4) الكافي: 2 | 33 ، الحديث 2.
(5) عيون أخبار الرضا: 1 | 226 .
(6) صحيح البخاري: 1 | 16، كتاب الإيمان شهادة أن لا إلَه إلاّ الله وأنّ محمّداً رسولُ الله، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، والحجّ ، وصوم رمضان.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد