علمٌ وفكر

في صفات الله


الشيخ محمد رضا المظفر ..
عقيدتنا في الله تعالى
نعتقد: أنّ الله تعالى واحد أحد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، هو الأول والآخر، عليم، حكيم، عادل، حي، قادر، غني، سميع، بصير.
ولا يوصف بما توصف به المخلوقات، فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهراً ولا عرضاً، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه.
كما لا ندّ له، ولا شبه، ولا ضدّ، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم يكن له كفواً أحد، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
ومن قال بالتشبيه في خلقه ـ بأن صوّر له وجهاً ويداً وعيناً، أو أنّه ينزل إلى السماء الدنيا، أو أنّه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، أو نحو ذلك ـ فإنّه بمنزلة الكافر به، جاهل بحقيقة الخالق المنزّه عن النقص، بل كل ما ميّزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا، على حد تعبير الإمام الباقر عليه السلام1، وما أجلّه من تعبير حكيم، وما أبعده من مرمى علمي دقيق.
وكذلك يلحق بالكافر من قال إنّه يتراءى لخلقه يوم القيامة، وإن نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان، فإن أمثال هؤلاء المدّعين جمدوا على ظواهر الألفاظ في القرآن الكريم أو الحديث، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم، فلم يستطيعوا أن يتصرّفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.


عقيدتنا في صفاته تعالى
ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال ـ كالعلم، والقدرة، والغنى، والإرادة، والحياة ـ هي كلّها عين ذاته، ليست هي صفات زائدة عليها، وليس وجودها إلاّ وجود الذات، فقدرته من حيث الوجود حياته وحياته قدرته، بل هو قادر من حيث هو حي وحي من حيث هو قادر، لا إثنينيّة في صفاته ووجودها، وهكذا الحال في سائر صفاته الكماليّة.
نعم، هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها، لا في حقائقها ووجوداتها، لأنه لو كانت مختلفة في الوجود ـ وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة كالذات ـ للزم تعدّد واجب الوجود، ولانثلمت الوحدة الحقيقية، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد.
وأمّا الصفات الثبوتية الإضافية ـ كالخالقية، والرازقية، والتقدّم، والعلّية ـ فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية، وهي القيّومية لمخلوقاته، وهي صفة واحدة تنتزع منها عدّة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات.
وأمّا الصفات السلبية التي تسمّى بصفات الجلال، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الإمكان عنه، فإنّ سلب الإمكان لازمه ـ بل معناه ـ سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون والثقل والخفّة وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص.
ثمّ إنّ مرجع سلب الإمكان في الحقيقة إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الأمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية)، والله تعالى واحد من جميع الجهات، لا تكثّر في ذاته المقدّسة، ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد.
ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية، لمّا عزّ عليه أن يفهم كيف أنّ صفاته عين ذاته، فتخيّل أنّ الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب، ليطمئنّ إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثّرها، فوقع بما هو أسوأ، إذ جعل الذات التي هي عين الوجود ومحض الوجود والفاقدة لكلّ نقص وجهة إمكان، جعلها عين العدم ومحض السلب، أعاذنا الله من شطحات الأوهام وزلاّت الأقلام.
كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أنّ صفاته الثبوتية زائدة على ذاته، فقال بتعدّد القدماء ووجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه ـ تعالى عن ذلك ـ.
قال مولانا أمير المؤمنين وسيّد الموحّدين عليه السلام: "وكمالُ الإخلاص لهُ نفيُ الصِفاتِ عنهُ، لشهادةِ كلِّ صفة أنَّها غيرُ الموصوفِ، وشهادةِ كلِّ موصوف أنَّه غيرُ الصفةِ، فَمَن وَصَفَ الله سبحانه فَقد قرنَهُ، وَمَن قرنهُ فَقد ثنّاهُ، وَمَن ثنّاهُ فَقد جزّأَهُ، وَمَن جزّأَهُ فَقد جَهِلَهُ"2.

1- بحار الانوار 69/293، المحجة البيضاء 1/219.
2- نهج البلاغة: الخطبة الاولى، الاحتجاج 2/473.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد