علمٌ وفكر

هل تستطيع إصابة في الدماغ أن تغير من أنت؟


المترجم : أبو طه/ عدنان أحمد الحاجي

من نحن، وما الذي بجعل نحن  "نحن" كان موضوع جدل كثير عبر التاريخ. على المستوى الشخصي، المكونات للجوهر الفريد لشخص ما في الغالب تتكون من مفاهيم الشخصية. أشياؤك اللطف والحميمية والعداوانية والأنانية. وما هو أعمق من ذلك، على كل حال، هو كيف نتفاعل مع ما حولنا ونستجيب بشكل اجتماعي وما هو استدلالنا الأخلاقي، والقدرة على إدارة العواطف والسلوكيات.
عزا الفلاسفة، بما في ذلك أفلاطون وديكارت، هذه التجارب إلى كيانات غير مادية منفصلة تمامًا عن الدماغ.  "الأرواح ( انظر كتاب The Soul Hypothesis: Investigations Into the Existence of the Soul" ، التي وصفوها حيث تجري الممارسات البشرية. وفقًا لهذا الاعتقاد، الأرواح تضم شخصياتنا، وتجعل الاستدلال الأخلاقي ممكن الحدوث. هذه الفكرة لا تزال تتمتع بدعم كبير اليوم. يشعر الكثيرون بالارتياح من فكرة أن الروح لا تحتاج إلى دماغ، والحياة العقلية يمكن أن تستمر بعد الموت.
إذا نُسب من نحن إلى مادة غير طبيعية مستقلة عن الدماغ، يجب ألا يتسبب الضرر المادي لهذا العضو في تغيير الشخص. ولكن هناك كم هائل من الأدلة النفسية العصبية neuropsychological تشير إلى أن هذا، في الواقع، ليس ممكنًا فحسب، ولكنه شائع نسبيًّا.

المكان المثالي للبدء في تفسير هذا هو حالة فينيس غيج  Phineas Gage
في عام ١٨٤٨، كان غيج البالغ من العمر ٣٥ عامًا يعمل رئيسًا لأعمال البناء لشركة السكك الحديدية. خلال العمل، كانت هناك حاجة إلى متفجرات لتفجير الصخور. اشتمل هذا الإجراء المعقد على مسحوق متفجر وقضيب حديد مدبب. في لحظة من الغفلة، قام غيج بتفجير المسحوق وانفجرت الشحنة، مرسلةً القضيب عبر خده الأيسر. واخترق جمجمته، وثقب الجزء الأمامي من دماغه، ليخرج من رأسه بسرعة عالية. ومنذ ذلك الحين كشفت الطرق العصرية أن المكان المحتمل للضرر كان في أجزاء من قشرة الفص الجبهي.
وطُرح غيج  على الأرض مذهولاً، ولكن واعياً. في النهاية تعافى جسمه بشكل جيد، لكن تغيرات غيج في السلوك كانت غير عادية. في السابق، كان رجل أعمال ذكيًّا ومحترمًا، والآن أصبح غيج غير مسؤول وفظًّا وعدوانيًّا. وكان مهملًا وغير قادر على اتخاذ قرارات جيدة. وبعدها نُصحنت النساء بعدم البقاء لفترة طويلة في صحبته، وأصدقاؤه بالكاد عرفوه.
وهناك حالة مماثلة كانت للمصور الفوتوغرافي ورائد الصور المتحركة ايدويرد مويبريدج Eadweard Muybridge. في عام ١٨٦٠، تورط مويبدريدج في حادث تحطم عربة ركاب تجرها الخيول وأصيب بإصابة دماغ في القشرة الأمامية الحجاجية    orbitofrontal cortex ( جزء من القشرة أمام جبهية prefrontal cortex). لم يتذكر الصدمة، وطوّر سمات لم تكن مشابهة تمامًا لنفسه السابقة. أصبح عدوانيًّا وغير مستقر عاطفيًّا ومتهورًا  وغيورًا. في عام ١٨٧٤، عند اكتشاف خيانة زوجته، أطلق النار على الرجل المتورط وقتله. أقر محاميه بجنونه، بسبب مدى التغيرات الشخصية التي طرأت عليه بعد الحادث. أكدت شهادات المحلفين  أنه "يبدو وكأنه رجل مختلف".
ولعل المثال الأكثر إثارة للجدل هو لمدرس يبلغ من العمر ٤٠ عامًا، في عام ٢٠٠٠، كان لديه اهتمام قوي بالمواد الإباحية، لا سيما الإباحية المتعلقة بالأطفال. ذهب المريض إلى أبعد مدى لإخفاء هذا الاهتمام، والذي اعترف بأنه أمر غير مقبول. لكنه غير قادر على الامتناع عن هذه الإلحاحات، استمر في العمل في دوافعه الجنسية. عندما تردى في هذا العمل الجنسي تجاه ابنة زوجته الصغيرة، تم إبعاده عن المنزل بالطريق القانوني وشخص بأن لديه "ولع جنسي بالأطفال". في وقت لاحق، تم اكتشاف أنه كان لديه ورم في الدماغ متمكن من جزء من القشرة الجبهِية الحجاجية  orbitofrontal cortex، مما عطل وظيفتها. وتم معالجة الأعراض بإزالة الورم.

شخصيات مختلفة
كل هذه الحالات تشترك في شيء واحد: تلف مناطق القشرة أمام جبهية prefrontal cortex، ولا سيما القشرة الجبهية الحجاجية orbitofrontal cortex.  على الرغم من أنها قد تكون أمثلة متطرفة، إلا أن فكرة تلف هذه الأجزاء من الدماغ يؤدي إلى تغيرات شديدة في الشخصية أصبحت الآن راسخة. قشرة أمام جبهية prefrontal cortex لها دور في إدارة السلوكيات وتنظيم العواطف والاستجابة بشكل مناسب. لذلك من المنطقي أن يكون السلوك المنفلت وغير المناسب، والسايكوباثي، والسلوك الإجرامي، والاندفاع قد تم ربطها جميعًا بتلف في هذه المنطقة.
ومع ذلك، يمكن أن تكون التغييرات بعد الإصابة خفيفة جدًّا من تلك التي سبق وصفها. مثلاً حالة الشخص الذي عانى من إصابات خطيرة في الدماغ بعد سقوطه من سقف حين كان يشرف على بناء مبنى. تسبب سلوكه العدواني اللاحق والغيرة الغامضة على، ما يبدو، خيانة زوجته، في انهيار علاقتهما. وبالنسبة لها، لم يعد نفس الرجل بعد الحادث.

صعوبات إدارة العواطف مثل هذه ليست محزنة فحسب، بل هي تنبؤية على التكيف النفسي الضعيف والتغيرات الاجتماعية السلبية ومحنة مقدم الرعاية الكبرى. ويعاني العديد من الناجين من إصابات الدماغ أيضًا من الاكتئاب والقلق والعزلة الاجتماعية، بينما هم يكافحون للتأقلم مع حياة ما بعد الإصابة.
ولكن مع تزايد الاقتناع بأهمية التكيف العاطفي في إعادة التأهيل، تم تطوير علاجات للمساعدة في إدارة هذه التغييرات. في مختبرنا، قمنا بتطوير برنامج BISEP (  علاج إصابات الدماغ وبرنامج العواطف Brain Injury Solutions and Emotions Program ) ، وهو علاج  مجدٍ (من ناحية اقتصادية) يعتمد على التعليم الجماعي. هذا البرنامج يعالج العديد من الشكاوى الشائعة للناجين من إصابات الدماغ، ويركز بقوة على تنظيم العواطف. وهو يعلم  الحضور استراتيجيات يمكن استخدامها بشكل تكيفي ومستقل، للمساعدة في إدارة عواطفهم والسلوكيات المرتبطة بها. على الرغم من أن البرنامج في بواكير أيامه، إلا أننا حصلنا على بعض النتائج الأولية الإيجابية.
من منظور نفسي عصبي  neuropsychological، من الواضح أن من نحن  يعتمد على الدماغ، وليس على الروح soul.  يمكن أن يغير تلف القشرة أمام الجبهية  prefrontal cortex من نحن، وعلى الرغم من أن الناس قد أصبحوا ممن لا يمكن التعرف عليهم في الماضي، فإن الاستراتيجيات الجديدة ستحدث فرقًا كبيرًا في حياتهم. قد يكون الأوان قد فات بالنسبة إلى غيج Gage وميوبريدج Muybridge وغيرهم، لكن الناجين من إصابات الدماغ في المستقبل سيحصلون على المساعدة التي يحتاجون إليها للعودة إلى حياتهم كما كانوا كانوا من قبل.

المصدر الرئيسي للبحث :
https://www.google.com/amp/s/theconversation.com/amp/can-a-brain-injury-change-who-you-are-95081

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد