علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عن الكاتب :
أحد مراجع التقليد الشيعة في إيران

الحركة الوضعية للأرض


الشيخ ناصر مكارم الشيرازي

هل أن الأرض كروية وتدور حول نفسها بسرعةٍ حقاً، كما يعتقد علماء الفلك والهيئة، وهل أن ذلك مسلّم من الناحية العلمية أم أنه ما زال في طور النظرية؟
وإن كانت الأرض في حالة حركةٍ حقًّا، ما الآثار العلمية والحسّية المترتبة على ذلك؟
ولماذا إذن يشاهد كوكب الجدي الذي يحدّد به اتجاه القبلة في موضعٍ واحدٍ؟
ثم هل هناك ما يؤيد ذلك في القرآن والسنة أم لا؟
إن كروية الأرض وحركتها باتت اليوم من الأمور العلمية المسلّمة، واستدلّ لها بمختلف الأدلة، وأوضح الأدلة وأجلاها على حركة الأرض هو استدلال (باندول)، وذلك بتعليق جسمٍ ثقيلٍ بحبلٍ في نقطةٍ مرتفعةٍ ليكون له مطلق الحرية في الحركة.
فلما يحرّك هذا الجسم يستمر في حركته إلى مدةٍ طويلةٍ، ثم إنه لو كانت الأرض غير متحركة لتعين على هذا الجسم الذهاب والإياب في حركته على خطٍّ ثابتٍ؛ لكنّ التجارب أثبتت خلاف ذلك وأن الجسم يأخذ بالانحراف عن الخط الأول شيئاً فشيئاً.
 إن هذه الحركة تؤكد أن الأرض في حال حركةٍ دائمةٍ، ويمكن تعيين جهة تلك الحركة من خلال هذه الخطوط (ولمزيدٍ من التوضيح حول هذا الاستدلال لا بأس بمراجعة الصور المختلفة لذلك في كتب علم الهيئة والفلك).
كما أن التجارب قد أثبتت أن الحجر الملقى من نقطةٍ مرتفعةٍ لا ينزل إلى الأرض على خطٍّ مستقيمٍ، بل يسقط منحرفاً إلى جهة المغرب، وهو ما يثبت أن الأرض تدور من الغرب إلى الشرق.
 أما عن سبب رؤيتنا لكوكب الجدي في نفس الموضع المعتاد فذلك يعود إلى أن هذا الكوكب يقع أمام محور الأرض تقريباً. ومن البديهي أننا لو أدرنا كرةً حول محورها تكون نقطة المحور ثابتةً دائماً كما لو أدخلنا أبرة الخياطة وسط تفاحة وشرعنا بتدويرها فرأس الأبرة يبقى ثابتاً في نفس المكان؛ ولهذا يبدو كوكب الجدي الذي هو من الكواكب القطبية ثابتاً.
 وحول وضع الأرض في النقطة المقابلة لنا (النقطة السفلى من الأرض) فلا بدّ من الالتفات إلى أن وضعنا بالنسبة للأرض لن يتغير حيثما حللنا فيها نتيجة كرويتها، فنرى السماء في الجزء العلوي والأرض في الجزء السفلي، وقوة الجاذبية تشدّنا إلى الأرض في كلّ الأحوال.
 ثم إن أغلب الكواكب التي تُرى في النصف الجنوبي للكرة الأرضية لا يمكن رؤيتها في النصف الشمالي وبالعكس، وكذلك السيارات المتحركة تارةً تشاهد من نقطةٍ معينةٍ وتارةً تشاهد من أكثر من نقطةٍ من الأرض. وباختصار فإن الوضع في النقطة المقابلة لنا من الكرة الأرضية هو نفس الوضع في النقطة التي نوجد فيها.

وفيما يلي نماذج من الآيات والروايات التي تؤيد نظرية حركة الأرض:
1- (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)(1). ربما يتوهم أن هذه الآية تتعلق بأحوال يوم القيامة، أي إن الإنسان يرى الجبال على هذه الصورة يوم القيامة؛ لكن قوله: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) يبطل هذا التوهم؛ لأن هذه العبارة لا تناسب يوم القيامة، فهو يوم تبدّل المنظومة الشمسية لا يوم إتقانها وإحكامها. وبعبارةٍ أوضح: ذيل الآية التي يؤكد فيها تعالى إتقان صنعه يناسب مرحلة الثبات والاستقرار لا مرحلة التحول والانقلاب.
 إن ظاهر الآية يكشف عن أن الجبال في حال حركةٍ مستمرةٍ وإن حسبناها ثابتةً وساكنةً. وربما يتبادر إلى الأذهان سؤال مفاده: لماذا تحدّث الله عن حركة الجبال لا الأرض، في حين أن حركة الجبال تابعة إلى حركة الأرض؟ أليس من الحريّ تسليط الضوء على حركة الأرض بدل بيان حركة الجبال؟
 إلا أن الجواب عن هذا السؤال واضح وهو أن حركة الجسم الكروي الذي يدور حول نفسه إنما يحسّ بها وتبرز أكثر من خلال التعرّجات والرسوم والألوان الموجودة على ذلك الجسم؛ مضافاً إلى ذلك فإن الجبل يمثل مظهر العظمة، ولهذا السبب تمّ ذكره، وبدهي أنه لا مفهوم ولا معنى لحركة الجبال من دون حركة الأرض.
 والطريف أن القرآن استعمل لفظ (الجمود) بدل (السكون) حيث إن الأول أبلغ من الثاني وأكثر وضوحاً لفكرة سكون الأرض التي يتوهمها الإنسان.
أما سبب تشبيه حركة الجبال بحركة السحاب فهو أن حركة الأرض مع سرعتها تبدو هادئة وسلسة كحركة السحاب تماماً.
 2- قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً)(2)، فقد شبّه القرآن الكريم الأرض بالمهد، ويمكن أن تكون إحدى علل هذا التشبيه هي أن الأرض تشبه المهد في حركتها الدائرية (ولمزيدٍ من الإيضاح والاطلاع على الروايات الإسلامية في هذا المجال فليرجع إلى كتاب "الإسلام وعلم الهيئة" ص191- 200).
____________________________________
1- النمل: 88
2- طه: 53

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد