محمد رضا اللواتي
“في ظل هذا المنهج، يتم تفسير حقيقة الوجود بصورة متميزة؛ بحيث تُحفظ وحدته رغم تمتعه بالكثرات من قبيل الشدة والضعف، والزيادة والقلة، والعلو والدنو؛ فتشبه من هذه الجهة حقيقة الضوء.
وكما أنَّ الظاهرة الطبيعية تنمو وتظفر بالتكامل من دون أن تفقد هويتها الخارجية؛ فكذا حقيقة الوجود فهي واحد خارجي شخصي يمكن أن ينتشر في جميع مراحله المختلفة، ويتمتَّع بألوان الكثرة، كالسبق واللحوق والشدة والضعف، دون أن تلحق هذه الكثرات -وإن كانت غير متناهية- أيَّ ضرر بوحدته وهويته الشخصية الخارجية”(1).
ثانيًا: لم يعُد مَبْحث الحركة -بناءً على هذه النظرية- من الطبيعيات؛ إذ نقله صدر الدين إلى الماورائيات، وعدها بحثًا ميتافيزيقيًّا. وبذلك فقد أرْجَع نَوْع التأمل فيه من المستند إلى التجربة بمعونة الحس إلى المستند إلى التأمل العقلي فحسب، وسد كل الطرق إلى بلوغ حقيقة الحركة باستثناء طريق البحث الفلسفي. “فالحركة عنده كسائر المعقولات الميتافيزيقية التي يحصل عليها الذهن عبر تحليل المدرك الحضوري”(2).
ثالثًا: أرْجَع صدر الدين الحركات الظاهرية -والتي تعصف بمتن العالم- إلى حركة في عُمق العالم وكيانه، وعدَّ حركة الأعراض دُوْن حركة الجوهر مستحيلة فلسفيًّا؛ لأنَّ الأعراض مُستندة إلى الجوهر وهي مرتبة من مراتب وجود الجوهر. وبسريان الحركة في عمق العالم، لن يعود العالم مكانًا للثبات على الإطلاق، بل سيغدو مجمعًا هائلًا لحركة لا نهاية لها ما دام العالم موجودًا.
رابعا: في خُطوة فريدة -يخطو بها فيلسوف لأول مرة في تاريخ الفكر الفلسفي- يُعلن صدر المتألهين أنَّ العالمَ بحركته لا يحتاج إلى عِلَّة تُوجِد له حركته، بل يحتاج إلى عِلَّة تُوجِد وجوده وتمنحه التحقق؛ ذلك لأنَّ حركته ليست قد تمَّ ربطه بها ربطًا توليفيًّا؛ فالأمر ليس أنَّ الله أوْجَد العالم أولًا، ثم مَنَحه حركته، كلا ليس ذلك بتصوُّر صحيح.
إنَّ التصوُّر الصحيح هو أنْ نقول بأنَّ العالم عمَّق هُويته، وبنيانه الحركة. لقد وُجد العالم بإيجاد واحد ليس بتوليفي، لقد وُجِد سيالًا، وهذه حقيقته. حقيقة العالم لا تعدو أن تكون أكثر من كيان سيال، ليس بثابت ولا قار إطلاقًا.
هنالك كلمة تُنسب إلى الرئيس ابن سينا مفادها أنَّه “لم يجعل الله المشمش مشمشًا، وإنما أوجده مشمشًا”، تنطبق كثيرًا على ما نحن فيه الآن. ثمَّة إيجاد واحد مُنح لموجود غير قار تحققًا. لم يجعل الله المتحرك متحركًا، وإنما أوجده مُتحركًا(3).
وبالكشف عن كيفية تعلق الحادث بالقديم، تتضح أيضًا علاقة الفاني بالباقي، والجديد بالأزلي، والأرض بالسماء، والعالم بالله. هذه الأزمة التي تحوَّلت إلى أُحجية، وسبَّبت ذهولًا، عمل جمع من الفلاسفة في فترات مختلفة من التاريخ الفلسفي لأجل حلها، وبذلوا جهودًا حثيثة لفك شفرتها دون جدوى.
خامسًا: حلت الحركة الجوهرية الغموض الذي يكتنف علاقة المادة بالمجرد، والجسم بالروح. ورسمتْ خارطة لسير المادي إلى عالم التجرد والروحانيات من خلال الحركة الجوهرية. فمنذ أن ألغى الشيرازي الفواصل بين مراتب الوجود باستثناء فواصل الشدة والضعف، ما عاد ثمة موجودان أحدهما من الأعلى يُعرف بالروح، والآخر من الأسفل يُعرف بالبدن، التقيا من غير ميعاد مسبق، ليعيشا غربة غريبة فيما بينهما، إلى أن يفترقا عند مفرق الموت. كلا.. وإنما هنالك كائن واحد، ذو شخصية واحدة، يمضي في طريق التكامل من أسفل العوالم إلى أعلاها وجودًا. كائن “جسماني الحدوث روحاني البقاء”(4).
ومعنى ذلك أنَّ الكائنَ المادي “يتحوَّل إلى روح في سيره التكاملي، وليست الروح شيئًا آخر يحلُّ في البدن حال وجوده، ويغادره حال موته. تبدأ الحركة التكاملية الجوهرية للنفس من أدنى مراتبها المادية الجسمانية، حتى تبلغ أعلى مراتبها العقلية التامة؛ حيث يكون لها تعلُّق بالعقل المفارق؛ فالحركة الجوهرية ترى العالم صيرورة متواصلة، وترى النفس جوهرًا متسعًا باستمرار، وبأنَّ المعرفة هي شأن وجودي مَحْض.. وعليه؛ فالتراكم المعرفي الوجودي للنفس هو حصيلة التغيير الجوهري فيها؛ لأنَّ هذه الإضافات المعرفية ليست إضافات عارضة، بل هي ذاتية؛ بناءً على أصالة الوجود. فالمعرفة صيرورة الأنا وتطوُّر الوجود، فهي كالوجود، بل هي عين الوجود، إنَّ الهدفَ من الصيرورة الوجودية هذه هي بلوغ النفس لنشأتها العقلية التامة بعد تقلبها في الأطوار قربًا وبُعدًا”(5).
ننقلُ هذه النتائج المذهلة بلسان مطهري -أحد كبار أساتذة الحكمة المتعالية- يقول: “الرُّوح نفسها نتاج لقانون الحركة، وهذا القانون مبدأ لتكوُّن المادة نفسها، والمادة قادرة على أن تربِّي في حجرها موجودًا يضاهي ما وراء الطبيعة، ولا يوجد في الحقيقة حائل يحول بين المادة وما وراء الطبيعة، ولا مانع من أن تتحوَّل المادة بعد اجتيازها لمراحل الرُّقي والتكامل إلى موجود غير مادي”(6).
ولا عَجَب بعد ذلك أنْ تغدو هذه المدرسة هي “الشاخص الذي يُمثِّل الفلسفة الإسلامية اليوم”(ـ7).
—————————
1. اليزدي، مهدي الحائري: هرم الوجود دراسة تحليلية لمبادئ علم الوجود المقارن. ص ترجمة : محمد عبد المنعم الخاقاني. دار الروضة للطباعة والنشر. بيروت، ط1 ، 1990.
2. حلباوي، علي أسعد: أصالة الوجود عند صدر الدين الشيرازي ص156
3. الديناني، غلام حسين الابراهيمي: القواعد الفلسفية العامة في الفلسفة الاسلامية ج2ص
4. الشيرازي، محمد بن إبراهيم: الحكمة المتعالية في الاسفار العقلية الاربعة ج8ص
5. لزيق، كمال اسماعيل: مراتب المعرفة وهرم الوجود عند ملا صدرا. دراسة مقارنة. ص389، مركز الحضارة لتنمية الفكر الاسلامي. بيروت، ط1، 2014
6. مطهري، مرتضى: أصالة الروح، ترجمة: محسن علي. ص18
7. عبوديت، عبد الرسول: ترجمة: محمد حسن زراقط: مجلة المحجة العدد نقلا عن المصمم الأعظم للدكتور حسن أحمد جواد، تعليق محمد رضا اللواتي. ص248، الدار العربية للعلوم ناشرون، بيروت، ط1، 2014.
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عباس نور الدين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع
لا يدرك الخير إلّا بالجدّ
الوصول إلى حالة الانغماس وقياس مستواها
هل يمكن إثبات المعجزة علميًّا؟ (2)
أزمة العلمانية مع الإسلام