السيد منير الخباز
نتحدث حول الدين والعقل، قد يُقال بأن مساحة التعبد والتفسيرات الغيبية هي المساحة الكبرى في الإسلام فمتى ما سأل إنسانٌ عن العلة أو الفلسفة لحكم معين يقال له إن هذا أمر تعبدي من الله عزوجل، وهذه الصفة وهي كون الأحكام الشرعية أحكاماً تعبدية لا يمكن فلسفتها ولا تعليلها تُفقد الإسلام جاذبيته للملل الأخرى ولغير المسلمين، بل أن بعض الأحكام الإسلامية تتصادم مع العقل كبعض أحكام المرأة عندما يحكم الإسلام بأن للمرأة نصف سهمٍ من الميراث بينما يُعطي الرجل سهماً كاملاً، فمثل هذه الأحكام تتنافى مع العقل فهذا ما يوجب فقدان الإسلام لجاذبيته حتى لأبنائه فضلاً عن أبناء الملل الأخرى.
هذه المقاله نسلط الضوء عليها في محاور ثلاثة:
المحور الأول: نسبية الحقيقة وعدمها.
هل الحقيقة نسبية أم أن الحقيقة مُطلقة، هنا اتجاهان؟
الاتجاه الإسلامي يقول: بأنه لا نسبية في الحقيقة وإنما النسبية في الإدراك، بمعنى أن هناك فرق بين نسبية الحقيقية ونسبية الإدراك، من أجل أن نشرح ذلك نأتي إلى الحقيقة أولاً، الحقيقة على نوعين؟
النوع الأول: يدور أمره بين الوجود وعدمه، بين الثبوت وعدمه وليس قابلاً للتفاوت والترقي مثلاً: عندما نبحث هل أن الله موجود أم لا، هذا أمر لا يقبل النسبية، لماذا؟ لأنه مفهوم يدور بين الثبوت وعدمه.
إما أن الله موجود أو غير موجود، هنا لا معنى أن يقال الحقيقة نسبية، هذه القضية دائرة بين الثبوت وعدمه ولا معنى للنسبية، إما أن يحكم العقل بأنها ثابتة أو يحكم العقل بأنها غير ثابتة ولا يُتصور في هذا النوع من الحقائق أن يكون نسبياً.
النوع الثاني: الحقائق التي لها درجات متفاوته ونتيجة هذا التفاوت قد يدرك العقل بعض درجاتها وتخفى عليه الدرجات الأخرى، مثلاً: عندما نتكلم عن حقيقة النبوة، النبوة لها درجات:
• الدرجة الأولى: اتصال عالم المادة بعالم الغيب، لأن النبي واسطة بين العالمين. النبوة عبارة عن الحجية.
• الدرجة الثانية: أن النبي حجة على خلقه وحجة على الناس قوله وفعله وتقريره حجة.
• الدرجة الثالثة: القيادة العامة للمجتمع الإنساني المعبر عنها بالولاية.
النبوة لها درجات يمكن العقل يدرك درجة وتخفى عليها درجتان مخفيان، فيقال الحقيقة نسبية، هي في الواقع ليست نسبية هي لها درجات أدرك العقل بعضها ولم يدرك الدرجات الأخرى.
أما ما يتعلق بالإدراك: العقل لمحدوديته وعدم قدرته على الإحاطه بكل الأمور وكل القضايا فنتيجة قصوره ومحدوديته قد لا يدرك الواقع على ماهو عليه وهذا ما يعبر عنه بالنسبية، فالنسبية هي ليست في الواقع فهو لا يتغير، إدراك العقل هو النسبي، فالعقل لقصوره ومحدوديته لا يستطيع إدراك الواقع بعضها يدركها لكن البعض لا يدركها.
مثلاً: عندما نأتي إلى الله عزوجل الله العقل لا يستطيع أن يدرك الله، فهو يعرف أن هناك خالقاً واحداً، له صفات وأسماء لكن ماهي حقيقته؟ لأن العقل محدود لا يستطيع إدراك اللامحدود، إذن النسبية في إدراك العقل وليست المسبية في حقيقة الذات الإلهية، ولذلك ورد عن الإمام علي : ”لا تتفكروا في ذات الله فتهلكوا وإنما تفكروا في أسمائه وصفاته“، نفس الذات حقيقة الذات لا يمكن للعقل المحدود الإحاطة بها.
فهناك فرق بين نسبية الحقيقة ونسبية الإدراك فنحن نقول بنسبية الإدراك وليس الحقيقة.
الاتجاه الثاني: المادي، فهو يقول بنسبية الحقيقة، ولأجل أن الحقيقة نسبية لا يمكن لإنسان نيل الحقيقة كلها لأن الحقيقة في ذاتها نسبية.
مثال: أن الإسلام أعطى المرأة نصف سهم من الميراث قوله عزوجل: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ ۖ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ﴾ للرجل سهم كامل من الميراث والمرأة لها نصف سهم، يأتي إنسان ويقول أنه يتنافى مع العقل هذا ظلم للمرأة.
الجواب: إذا كان العقل لا يدرك الحقيقة وإدراكه نسبي، إذا كانت الحقيقة بحسب الاتجاه الثاني حقيقة نسبية إذن كيف حكمتم بأن هذا الحكم يتنافى مع العقل، لا يمكن أن نحكم أن هذا التشريع يتنافى مع العقل إلا إذا أدرك العقل التشريع بتمامه، وإذا كانت الحقيقة نسبية كيف تحكم بأنه يتنافى مع العقل؟ هنا نوع من المغالطة من جهة نقول أن الحقيقة نسبية ولا يوجد من ينالها ومن جهة أخرى نقول بعض تشريعات الإسلام يتنافى مع العقل هذا تناقض. بما أن العقل لا يدرك الحقيقة كلها وإنما يُدرك بعض منها إذن لا يستطيع أن يحكم بأن التشريعات الإسلامية تتنافى مع العقل.
المثال نفسه: القرآن في الوقت الذي أعطى الرجل سهماً كاملاً حمّل الرجل مسؤولية الإنفاق وليس المرأة فهو ينفق على أسرته ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ فهو أعطاه سهمًا كاملًا ولكن من جهة أخرى أخذ من أمواله لأنه جعل عليه مسؤولية الإنفاق، لذلك نفقة الزوجة دين في ذمة الزوج لا يسقط منه وحتى لو الزوجة أغنى الأغنياء، ولو نفترض مثلاً أن الزوج مات ولم ينفق على زوجته سنة وأكثر.. يُؤخذ نفقة السنة من تَرِكته لأنها دينٌ في ذمته ولا ميراث إلا بعد الدين من بعد وصية يوصي بها أو دين، إذن أين الظلم للمرأة.
فإذن لأن العقل إدراكه نسبي أدرك قانون وأغفل قانون آخر ولم يجمع بينهما ليعرف التشريع الإسلامي على واقعه وحقيقته.
بما أن إدراك العقل نسبي على الاتجاه الأول أو أن الحقيقة نسبية على الاتجاه الثاني إذن لا يستطيع أحد أن يقرر أن الأحكام الشرعية تتنافى مع العقل ما دامت القضية نسبية.
المحور الثاني:
نفترض أن الحقائق مطلقة وليست نسبية وأن العقل يمكنه أن يُدرك الحقائق إدراكاً تاماً هل هناك تصادم بين الدين والعقل أم هناك انسجام بينهما أم تصادم؟
هي علاقة انسجام، لماذا؟ نحن حتى نقول أن العقل يتعارض مع الدين لذا يجب تحديد الدين والعقل، ما هو الدين وما هو العقل؟
الدين: هو النص الثابت الواضح الدلاله، إذا كان لديك نص من القرآن ومن السنة واضح ودلالته ثابته تستطيع أن تقول هذا النص يمثل الدين، أما إذا كنت تأخذ نصوص غير واضحه أو دلالته غير ثابته تقول هذا يمثل الدين وهذا يتنافى مع العقل ويتنافى مع الموضوعية والمنهج العلمي.
مثال: ورد عن أمير المؤمنين : ”لا تُزوجوا الأكراد فإنهم حي من الجن كُشف عنهم الغطاء“ فمن يقرأ هذا النص يقول هذا الدين يتنافى مع العقل، فالعقل يرى أن بني آدم متساوون في الكرامة والإنسانية فما هو فضل العرب على الأكراد؟ نقول له هل هذا النص ثابت فهو يكون ممثلاً للدين إذا كان ثابت، إنما هذا النص لم يُحرز ثبوته، لذلك جُملة من علمائنا رفضوا العمل بهذه الرواية مثل السيد الشهيد محمد باقر الصدر «قدس»، إذن لم يثبت صدوره فيُحاكم الدين على أساس صدوره، وأحياناً يوجد نص ثابت لكن دلالته غير واضحه فهنا كيف يحاكم الدين على أساسه ودلالته غير واضحه، قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَٰذَا﴾ تقول أن القرآن يقول أن المشركين أنجاس وهذا يتنافى مع العقل فما الفرق بين جسم المشرك وجسم المسلم كلاهما جسم له خلايا وأجهزة معينة، نقول أنت اعتبرت ما فهمته من الآية اعتبرته الدين وعلى أساسه حكمة أن الدين يتنافى مع العقل، بينما الدلالة غير واضحه فدلالتها مُجملة، هناك من يرى أن معنى النجاسه هي النجاسة المادية والآخر يرى أن معناها القذارة المعنوية، إذن دلالة الآية غير واضحة حتى يُعد ممثلاً للدين، الممثل هو نصٌ ثابتٌ واضح الدلالة.
مثلاً: قوله عزوجل: ﴿إِنّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرّبَا وَأَحَلّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرّمَ الرّبَا﴾ هو نص ثابت وواضح الدلالة، هنا يقال الدين الإسلامي من خلال القرآن يُحرم الربا.
ما هو العقل؟ العقل الذي له القيمة وعلى أساسه تُحاكم الأشياء، هو ما اتفق عليه العقلاءُ كلهم، هذا يسمى العقل الجمعي.
القضايا التي إتفق عليها العقلاء جميعاً وعلى أساسها يُحاكم الدين ليس كل قضية نقول بأنها مخالفة للعقل، مثلاً: العقلاء اتفقوا على أن الظُلم قبيح، العقلاء اتفقوا على أن قتل النفس الإنسانية بدون حق ظلم والظلم قبيح وهذا حكم عليه الدين، ﴿مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا﴾ العقل يقرر أن الظلم قبيح لأن البشرية اتفقت عليه، الإسلام لا يخالف هذا حتى تقول أن الدين يخالف العقل.
المثال نفسه: القرآن دل على حرمة الربا، هل حرمة الربا تتنافى مع العقل؟ هل تتنافى مع قضية اتفق العقلاء عليها؟ ربما يقول الإنسان صاحب المال له حقٌ في اشتراط الفائدة، مثلا البنك يقول إذا أقرضتك مائة ألف ريال أنا أقدمت على المخاطرة فمن المحتمل بأن هذا المبلغ لا يعود مرة أخرى، في مقابل عنصر المخاطرة أأخذ منك 10،000 ريال. أو مثلاً: مقابل التجميد 100،000 ريال لمدة سنتين من دون استثمار ومقابل تجميد الأموال تأخذ فائدة 10،000 ريال. إذن اشتراط الفائدة الربوية للفرد حق للإنسان فإذا منعه الإسلام فقد سلب الإنسان حقه وسلب ذي الحق حقه ظلم، هذا الحكم يتنافى مع العقل نقول لا يتنافى، لماذا؟
هناك فرق بين حق الاستثمار وبين حق اشتراط الفائدة، لك الحق في استثمار أموالك لكن هل من حقك أن تشترط الفائدة في القرض؟ لا، لماذا؟ لأنك تستطيع استثمار أموالك بطرق أخرى، مثلاً: البنك عندما يريد إقراضك 100،000 يسألك لماذا تريد هذا المبلغ؟ بأنك تريد شراء سيارة، رد عليك قائلاً بأن البنك سيشتري السيارة بهذا المبلغ وأبيعك إياها أقساطاً بمئة وعشرة آلاف هذا الأمر صحيح وشرعي لا يوجد إشكال فنحن انتقلنا من القرض إلى البيع فأنت استطعت استثمار أموالك من دون قرض ومن دون شرط ربوي، لك حق استثمار أمولك لكنه لا ينحصر في أن تشترط الفائدة الربوية ضمن القرض، يمكن التحويل إلى معاملات أخرى ففرق بين الكلمتين.
إذن الدين عندما يقول عند الاستثمار يوجد معاملات أما في الإقراض ليس فيه شرط للفائدة، لما؟ لأن القرض تضحية، والدين من أجل ترسيخ روح التضحية والعطاء في نفس المؤمن يقول له لا تشترط الفائدة.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع