السيد منير الخباز
المحور الثالث: ما هي مساحة العقل في التشريعات الإسلامية؟
صاحب المقاله يقول: المساحة الكبرى من التشريعات الإسلامية هي تعبد الغيب لا يوجد شئ واضح، كيف يأتي الإسلام وهو يتعامل معهم بالغيبيات وبالتعبديات، هل فعلاً مساحة التعبد في التشريعات الإسلامية هي المساحة الكبرى أم لا؟ للإيضاح:
الوجه الأول: التشريع الإسلامي ينقسم إلى ثلاثة أقسام؟
• الأحكام الفردية: هي أحكام العبادات «الصلا، الحج، الصوم، الطاهرة، النجاسة في الصلاة».
• الأحكام الاجتماعية: البيع، التجارة، الطلاق، النكاح، الرضاع.
• الأحكام التنظيمية: لتنظيم المجتمع، مثل: القضاء وأحكامه، الحدود، الديات.
أين التعبد وأين الغيبية؟ فقط في القسم الأول: وهو أحكام العبادات وهي أحكام غيبية، معنى قول الإسلام بأن صلاة الظهر أربع ركعات... لماذا؟ العدد مختلف في الصلوات هذا أمر غيبي لم تصل لنا حكمته، هذا قسم تعبدي.
القسم الثاني: وهو الأحكام الاجتماعية، أحكام معللة وذُكرت أسماؤها.
القسم الثالث: الأحكام التنظيمية، أحكام معللة وللرجوع إلى كتاب الشيخ الصدوق «علل الشرائع» بمعنى ما ورد من الأئمة الطاهرين في بيان الأسباب والعلل في التشريعات الصادرة عن الأئمة وعن النبي محمد .
ورد في بعض الروايات ”إن دين الله لا يصاب عقول ليس أبعد من دين الله من عقول الرجال“ هذا في قسم الأحكام التعبدية الغيبية لماذا هذا القسم أصبح غيبي؟
من أجل تربية روح الخضوع والإطواعية لدى الإنسان المسلم، لاحظوا الجندي عندما ينتسب إلى الجيش عليه أن يخضع إلى تدريبات عسكرية فترة من الزمن، ما هو الهدف من هذه التدريبات؟ الهدف منها هو تربيته على الخضوع والإطاعة، عندما يقف الجندي ويمارس حركات امتثالا للمدرب هدفها الخضوع والإطاعة حتى يكون جندياً مضحياً، وكذلك الإسلام في قسم العبادات يقول طف بالكعبة سبعاً لا أكثر ولا أقل، أرم سبع حصيات وثلاث جمرات، لماذا هذه الأعداد؟ هذا لتربية المسلم على روح الخضوع والإطاعة لأنه يطبق أحكام لا يفهم عللها ولا يدرك أسبابها فعندما يطبقها تتنام لديه روح الخضوع والإطاعة لله تعالى.
الوجه الثاني: كيف يقال إن الدين يتعارض مع العقل؟ والحال بأن العقل هو أحد مصادر الاستنباط، في الفقه الإسلامي مصادر الاستنباط: القرآن الكريم - والسنة «تشمل سنة النبي وسنة أهل البيت» - والإجماع «اتفاق العلماء» - والعقل.
العقل هو القضايا التي اتفق عليها المجتمع العقلائي، يوجد في علم أصول الفقه باب حجية العقل يقسم فيه القضايا العقلية إلى: قضايا مستقلة وقضايا غير مستقلة.
القضايا المستقلة: هي التي يحكم بها العقل من دون استناد إلى الدين، مثل: حكم العقل بقبح الظلم والكذب والخيانة وقبح الكفران بالنعمة، لأنها يستقل بها العقل تعتبر مصدر من مصادر الاستنباط.
القضايا غير المستقلة: هي جزء من الدين وجزء من العقل، هذه القضايا قسمين:
قسم برهاني: مثال: يقولون العقل يحكم أن مقدمة الواجب واجبه، كيف ذلك؟ القرآن يقول: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ الحج يتوقف عليه مقدمات، إذا كان أجنبي كيف يكون ذلك؟ أولاً: يجب إخراج فيزة الحج ويجب أن يكون لديه جواز السفر... هذه المقدمات واجبة عقلاً، هنا العلماء يقولون بأن المقدمات بما يمشي مع العقل واجبه فهي واجبه.
قسم تطبيقي: وهو ما يعبر عنه باب تزاحم العقل: إذا تزاحم واجبان العقل يقول: يُقدم الأهم على المهم، مثلاً: الصلاة كما ورد عن أمير المؤمنين: ”إن قبلت قُبل ماسواها وإن ردت رد ما سواها“ لو صار تزاحم بين الصلاة وبين إنقاذ الغريق، فإذا أصلي لا أستطيع إنقاذه وإذا أنقذته خرج وقت الصلاة، هنا إنقاذ الغريق مقدم وهي إنقاذ النفس المحترمة فالعقل يقدم ذلك مع أن الصلاة عامود الدين، هذا من الأحكام العقلية التي تؤخذ مصدراً من الاستنباط.
مثال: كشف المرأة عورتها للرجل حرام وهي من أغلظ المحرمات، لو افترضنا علاج المرأة منوط برجل طبيب كولادة المرأة ولادة سليمة إلا بطبيب رجل هنا العلاج يُقدم، إذن بالنتيجة العقل يحكم بتقديم الأهم على المهم وهذه قاعدة عقلية يقرها الشرع، فكيف يقال أن التشريعات الإسلامية تتنافى مع العقل.
الوجه الثالث: يوجد قاعدة في علم الأصول قاعدة الملازمة: كل ما حكم به العقل حكم به الشرع وكل ما حكم به الشرع حكم به العقل، لماذا؟ لأن مصدر العقل والشرع هو واحد فمن خلق العقل هو الذي أسس الشرع وهو الله عزوجل فبما أن الجاعل واحد فلا يُعقل أن يكون بينهما تعارض وتناف.
شئ يحكم به العقل يجب الشرع يحكم بها، عندما يحكم العقل بأن الأهم يُقدم على المهم عند التزاحم هذه قاعدة يحكم بها العقل والشرع، عندما يحكم العقل بأن الظلم قبيح الشرع أيضاً يحكم به العقل.
يعبر عنها بعض العلماء الأحكام السمعية لطفٌ في الأحكام العقلية، ما معنى هذا؟ بما أن الإنسان المسلم يعتقد بحكمة الله مُقتضى الإيمان بحكمة الله أن التشريعات الصادرة من الله واقعة في محلها وغير منافية هذا معنى ما حكم به الشرع حكم به العقل، لأن المشرع حكيم تبارك وتعالى فمقتضى حكمته أن لا يصدر منه تشريع يتنافى مع العقل، العقل لا يقدر على اكتشاف الحكمة لقصور استيعابه لكن العقل يؤمن بقضية عامة ما يصدر من الحكيم تعالى فهو على طبق الحكمة وإن عجز العقل عن إدراك حكمته، وهذا ما ورد عن الإمام أمير المؤمنين قوله: ”فبعث فيهم رُسله وواتر إليهم أنبيائه ليستأدوهم ميثاق فطرته ويذكروهم منسيه نعمته وليثيروا لهم دفائن العقول“ يريد القول بأن الدين موجود في فطرة الإنسان إنما الأنبياء نبهُ الإنسان على ما يوجد في فطرته وكامنٌ فيه، فعقلك توجد فيه قضايا كثيرة ونتيجة انشغالك بالقضايا المادية لا تلتفت على ما في عقلك.
مثلاً: تشريح جثة الميت المسلم حرام، لماذا؟ لأن التشريح تصرف في جسده ورد عن النبي : ”إن حرمة المؤمن ميتاً كحرمته حياً“ كما لا يجوز التصرف في جسده وهو حي لا يجوز لك التصرف وهو ميت، لكن لو فرضنا أن اكتشاف الجريمة يتوقف على تشريح الجسد، هنا يشرح الجسد وذلك لأن اكتشاف المجرم وإثبات الحقوق أهم من حرمة جسد المؤمن.
لو افترضنا أن هناك وباء منتشرًا لا نستطيع اكتشاف الوباء إلا بتشريح جثة المريض الذي مات بالوباء، هنا يجب تشريح جثته فتحول الحكم من حرام إلى وجوب، لما؟ لأن حفظ أنفس المجتمع أهم من حرمة هذا الجسد، إذن الجسد له حرمة بالعنوان الأول لكن قد نخرج بعناوين أخرى.
جسد المسلم له حرمة لا يجوز التمثيل به ولا التصرف فيه كرامة المؤمن ميتاً ككرامته حياً، ولم يخالف هذا الحكم إلا العصابة الأموية، أول رأس رُفع في الإسلام رأس عَمر ابن الحمق الخزاعي، قتله معاوية ورفع رأسه على خشبه فكان أول رأس رفع في الإسلام وبعدها حجر بن عدي وأصحابه السبعة.
وبدأ المشوار الأموي وهو منهج القتل والإبادة مستمر إلى أن وقعت المجزرة العظمة يوم كربلاء وفي ذرية رسول الله وبقيت الأجساد صرعى تظللها الطيور من حرارة الشمس.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (3)
تقييم العلمانية في العالم الإسلامي
ضرورة الإمامة
دلالة آية «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ»
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع