علمٌ وفكر

هل الإرادة فعل أم غير فعل؟



أبي منصور أحمد الطبرسي
روي عن الحسن بن محمد النّوفلي، أنه كان يقول: قدم سليمان المروزي متكلّم خراسان على المأمون، فأكرمه ووصله، ثم قال له: إنّ ابن عمي عليّ بن موسى الرّضا قدم عليّ من الحجاز - يحب الكلام - وأصحابه، فعليك أن تصير إلينا يوم التروية لمناظرته...
قال الرضا (عليه السلام) لسليمان: ألا تخبرني عن الإرادة فعل هي أم غير فعل؟
قال: بلى، هي فعل.
قال: فهي محدثة، لأنّ الفعل كلّه محدث!
قال: ليست بفعل.
قال: فمعه غيره لم يزل؟
قال سليمان: إنّ الإرادة هي الأشياء.


قال: يا سليمان، هذا الذي عبتموه على ضرار وأصحابه من قولهم: (أن كلّ ما خلق الله عزّ وجلّ في سماء أو أرض أو بحر أو برّ، من: كلب أو خنزير أو قرد أو إنسان أو دابّة، إرادة الله، وأنّ إرادة الله تحيا وتموت، وتذهب، وتأكل وتشرب، وتنكح، وتلد، وتظلم، وتفعل الفواحش، وتكفر، وتشرك، فتبرأ منها وتعاديها وهذا حدّها.(
قال سليمان: إنها كالسّمع والبصر والعلم .
قال الرّضا (عليه السلام): قد رجعت إلى هذا ثانية! فأخبرني عن السّمع والعلم أمصنوع؟
قال سليمان: لا. قال الرّضا (عليه السلام): فكيف نفيتموه؟ فمرّة قلتم لم يرد، ومرة قلتم أراد، وليس بمفعول له.
قال سليمان: إنما ذلك كقولنا مرّة علم ومرّة لم يعلم.
قال الرضا (عليه السلام): ليس ذلك سواء، لأنّ نفي المعلوم ليس ينفي العلم، ونفي المراد نفي الإرادة أن تكون، لأنَّ الشّيء إذا لم يرد لم تكن إرادة، وقد يكون العلم ثابتاً، وإن لم يكن المعلوم، بمنزلة البصر، فقد يكون الإنسان بصيراً وإن لم يكن المبصر، ويكون العلم ثابتاً وإن لم يكن المعلوم.


فلايزال سليمان يردّد المسألة وينقطع فيها ويستأنف، وينكر ما كان أقرّ به، ويقرّ بما أنكر، وينتقل من شيء إلى شيء، والرضا (صلوات الله عليه) ينقض عليه ذلك، حتى طال الكلام بينهما، وظهر لكلّ أحد انقطاعه مرات كثيرة، تركنا إيراد ذلك مخافة التّطويل، فآل الأمر إلى أن قال سليمان: إنّ الإرادة هي القدرة.
قال الرّضا (عليه السلام): وهو عزّ وجلّ يقدر على ما لا يريد أبد الآبدين من ذلك، لأنه قال تبارك وتعالى: {وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ}[الإسراء: 86]، فلو كانت الإرادة هي القدرة، كان قد أراد أن يذهب به لقدرته.
فانقطع سليمان، وترك الكلام عند هذا الانقطاع، ثم تفرَّق القوم.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد