الدعوة الإسلاميّة لحياة سلميّة
تعاليمنا الإسلاميّة تؤكّد على ضرورة أن يعيش المسلمون مع أقرانهم المسلمين ومع أتباع سائر الأديان السماويّة وغيرهم بأمنٍ وسلامٍ وأن يتعاملوا بعدلٍ، وهذا ما نلمسه جليًّا في القرآن الكريم وقد تمّ تطبيقه في رحاب الحكم الإسلاميّ، والآيات الدالّة على هذا الموضوع نستنتج منها ما يلي:
1) يجب على المؤمنين والمؤمنات أن يتعايشوا مع بعضهم بأخوّةٍ وسلمٍ، فقد قال تعالى في كتابه الكريم: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُم).[8] فحوى هذه الآية هي أنّ المؤمنين إخوةٌ في الدين، لذا لا بدّ من الإصلاح بينهم.
2) يجب على المؤمنين والمؤمنات أن يتعاملوا بسلمٍ مع الموحّدين الذين يعيشون تحت مظلّة الحكومة الإسلاميّة مثل اليهود والنصارى الذين يؤمنون بالله ونبوّة الأنبياء، لأنّهم موحّدون من جهةٍ معيّنةٍ باستثناء الذين يعتقدون عامدين بالتثليث أو التشبيه.
3) يجب على المؤمنين والمؤمنات أن يتعاملوا بسلمٍ مع الكفّار والملحدين الذين استحوذ عليهم الفكر المادّيّ الإلحاديّ وحالَ دون توحيدهم واعتقادهم بالمبدأ والمعاد، شريطة أن لا يكونوا متآمرين للإطاحة بالحكومة الإسلاميّة، وأن يكون لديهم الاستعداد للتعايش مع المسلمين بأمنٍ وسلامٍ؛ ولو حاولوا الإطاحة بالحكومة الإسلاميّة فلا بدّ حينئذٍ من التصدّي لهم وفق تعاليمنا الإسلاميّة.
قال تعالى في سورة الممتحنة بهذا الخصوص: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ * إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون).[9] استنادًا إلى هاتين الآيتين، يجب التعامل بقسطٍ وعدلٍ مع الكفّار الذين لم يكن ماضيهم إجراميًّا تجاه المسلمين ولا حاضرهم إجراميّ، أي أولئك الكفّار الذين لم يلحقوا الضرر بالمسلمين ودينهم قبل انتصار الإسلام ولا بعد انتصاره.
نستنتج من هذا الكلام أنّ التعايش بسلامٍ واجبٌ مع الذين لم يؤذوا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حينما كان مضطهدًا في مكّة، ولم يتعرّضوا له ولدينه ولسائر المسلمين بعد أن هاجر إلى المدينة وأسّس فيها حكومةً إسلاميّةً. كذلك يمكن التعايش بسلامٍ مع الكفّار المحايدين الذين لا يحاربون الإسلام ولا يعينون من يحاربه ولا يحاولون فعل شيءٍ ينصبّ في ضرره من مختلف النواحي الفكريّة والماليّة والعسكريّة والسياسيّة، بحيث يتمسّكون بهذا الحياد بشكل دائم؛ لذا يجب التعامل معهم بأسلوب إنسانيّ، أي لا يقتصر الواجب على عدم ظلمهم فقط، بل لا بدّ من معاملتهم بقسطٍ وعدلٍ وإحسانٍ؛ لأنّ هذه السلوكات تعكس الخصال الحميدة للإنسان المسلم حتّى إذا طبّقها مع كافرٍ؛ وفي الوقت ذاته يستقبح لكلّ مسلم التعامل بجور وظلم حتّى مع الكافر.
إذن، العيش بسلامٍ مع أتباع سائر الأديان والمذاهب أمرٌ مقبول حسب التعاليم القرآنيّة، وأمّا مسألة عاقبة البشر في الحياة الآخرة من حيث النجاة والعذاب، فهي بحثٌ آخر.
الجدير بالذكر هنا أنّ القاصرين - غير المقصّرين - معذورون، وأمرهم موكولٌ إلى الله عزّ وجلّ.
رفض التسامح في الدين
التعايش بسلامٍ مع الآخرين يختلف عن التسامح، فقد أمر الله تعالى المسلمين بأن يتعايشوا مع الكفّار والمشركين بسلامٍ وفق شروط خاصّة وفي ظروف معيّنة لكن لم يأمرهم بالتسامح على الإطلاق، إذ لم يقل لهم تعاملوا معهم بتساهل وتسامح، بل الركيزة الأساسيّة في القرآن الكريم هي عدم مهادنة الباطل وأتباعه، فقد قال تعالى: (فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُون)،[10] لا تطع المكذّبين، إنّهم يرغبون في أن تتساهل بأحكام دينك كي يتساهلوا معك، لكن هذا التساهل فيه انحراف عن الحقّ. إذن، هذه الآية تدلّ على أنّ الله عزّ وجلّ حذّر النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) من إبداء أدنى مرونة أمام اقتراح المشركين الباطل، وأمره أن لا يداهنهم.
أهل الحقّ لديهم أهداف مقدّسة راسخة بحيث لا يساومون عليها مطلقًا ولا يهادنون أحدًا بخصوصها بأيّ شكلٍ كان، ولا يمنحون الطرف المقابل امتيازًا لا يستحقّه، فقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): «ولَعمري، ما عليَّ من قتال مَن خالف الحقَّ وخابط الغيّ من إدهانٍ وإيهانٍ»[11].
المتديّن لا يبدي أيّ ضعفٍ أو ليونةٍ من الناحيتين العمليّة والاعتقاديّة أمام الأعداء وأهل الباطل، فهو لا يتراجع مطلقًا عن مبادئه الأيديولوجيّة والاعتقاديّة، ولا يتخلّى عن مواقفه الأصيلة في كلّ سلوكاته.
الأحاديث المباركة وصفت الإسلام بأنّه دين الشريعة السمحة السهلة، ولم تعتبره دينًا متسامحًا متساهلًا، وهذا يعني أنّه دين يتناغم مع الفطرة الإنسانيّة السليمة، وهذا التناغم الفطريّ سببه يعود إلى سهوله الأحكام الشرعيّة الإسلاميّة، بحيث يمكن للإنسان والمجتمع تحمّلها، فالإسلام لم يشرّع أحكامًا شاقّةً لا تتناغم مع القابليّات الفرديّة والاجتماعيّة للبشر.
روى الشيخ محمد بن يعقوب الكلينيّ (رحمه الله) في كتاب الكافي عن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام): «جاءت امرأة عثمان بن مظعون إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالت: يا رسول الله، إنّ عثمان يصوم النهار ويقوم الليل؛ فخرج رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مغضبًا يحمل نعليه حتّى جاء إلى عثمان فوجده يصلّي، فانصرف عثمان حين رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال له: يا عثمان، لم يرسلني الله تعالى بالرهبانيّة، ولكن بعثني بالحنيفة السهلة السمحة، أصوم وأُصلّي وألمس أهلي، فمن أحبّ فطرتي فليستنّ بسنّتي، ومن سنّتي النكاح»[12].
كذلك روى عنه: «إنّ الله تبارك وتعالى أعطى محمّدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) شرائع نوح وإبراهيم وموسى وعيسى (عليه السلام): التوحيد والإخلاص وخلع الأنداد والفطرة الحنيفيّة السمحة ولا رهبانيّة ولا سياحة؛ أحلّ فيها الطيبات وحرّم فيها الخبائث ووضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم»[13] .
وقد أكّد الله عزّ وجلّ على يُسر الذكر في كتابه الحكيم قائلًا: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ)[14].
تتضمّن معارف القرآن الكريم أحكامًا يسيرةً يطيقها الناس كافّةً، لذلك وصفه الله عزّ وجلّ بالكتاب ميسّر الذكر، وإلى جانب ذلك وصفه بالقول الثقيل، ممّا يعني أنّه رغم يسره لكنّه ليس فارغًا - خفيفًا - عديم المضمون، بل ذو مضمون عظيمٍ - ثقيل - لذا فالسهولة في هذا المضمار يقصد منها الجهة المقابلة للصعوبة والمشقّة، لأنّ مواضيع الكتاب الحكيم سهلة وأداؤها يسير ليس فيه مشقّة، لكنّها مع ذلك ثقيلة كما قال تعالى: (إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا)[17]. المقصود من الكلام الثقيل في هذه الآية الثري والعميق والمتعالي في مضمونه، لذا فالقرآن الكريم بداعي اتّصافه بهذه الميزة، لا يعدّ خفيفًا أو موهومًا أو ظنّيًّا أو فارغًا من المضمون، بل هو كتابٌ أعلى شأنًا من عرف عامّة الناس رغم إمكانيّة التنزّل بمعارفه السامية إلى مستوى فهمهم وإدراكهم على ضوء بيانه لهم بأسلوبٍ سلسٍ وبسيطٍ.
الإسلام بناءً على ما ذُكر دين سهل يسير، لكن ليس فيه تسامح؛ لأنّ التسامح من صفات البشر، وهو مذمومٌ في القرآن الكريم الذي وصفه بالمداهنة، وإنّما الممدوح في الدين هو السماحة والسهولة؛ كذلك وصف الله عزّ وجلّ القرآن بالثقيل، وهذا الوصف ممدوحٌ بالنسبة إلى القرآن نفسه؛ لأنّ التثاقل وصفٌ مذمومٌ للإنسان كما قال تعالى: (مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْض)[15].
التسامح في أدلّة السنن
أدلّة السنن فيها تسامح، لكنّه لا يعني التساهل في العمل، بل المقصود منه هو أنّ السنن والمستحبّات كافّة يجب أن تستند إلى مرتكز علميّ يقينيّ تكون حجّيّته ذاتيةً باعتبار أنّ كلّ أمرٍ عرضيّ لا بدّ وأن ينتهي بشكل حتميّ إلى أمرٍ ذاتيّ؛ لذا بما أنّ الأدلّة القطعيّة اليقينيّة هي الركيزة الأساس للأحاديث التي نستخلص منها المستحبّات، فالضرورة تقتضي استقصاء أسانيد بعضها بدّقة متناهية.
الجدير بالذكر هنا أنّ علم أصول الفقه المبارك هو الذي يتطرّق إلى بيان تفاصيل هذا الموضوع، إذ بواسطته يتعرّف الباحث على ما إن كانت أحاديث «مَن بلغَ...» تثبت استحباب مضمون الروايات الضعيفة أو أنّها تثبت الثواب الذي يتحقّق من الانقياد لها فحسب أو تثبت شيئًا آخر.
استنادًا إلى ذلك ليس هناك ارتباط بين مسألتي التسامح في أدلّة السنن والتسامح إزاء سلوك الآخرين، فالإسلام في واقعه دين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لذا من خصائص الأمّة الإسلاميّة أن يدعو أبناؤها بعضهم إلى عمل الخير والمعروف والتحذير من كلّ عملٍ غير لائقٍ، فقد رُوي عن أمير المؤمنين (عليه السلام): (وَمِنْهُمْ تَارِكٌ لِإِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَيَدِهِ فَذَلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ).[16] من يتسامح إزاء القبيح من سلوك الناس هو في الحقيقة ميّت في قالبٍ متحرّكٍ، أي أنّه جنازةٌ واقفةٌ بشكلٍ عموديّ، فهو حيٌّ في رحاب حياةٍ حيوانيّةٍ نباتيّةٍ ولا ينعم بنصيبٍ من الحياة الإنسانيّة.
احترام آراء الآخرين
من المستحسن للإنسان أن يفسح المجال للآخرين كي يعربوا عن آرائهم ويطرحوا أفكارهم وبدوره يجب أن يستمع لهم ويتعرّف على طبيعة فكرهم، وهذا التنوّع الفكريّ في الواقع محدود في نطاق التفاهم وتبادل وجهات النظر، ولا يدلّ على وجود تعدّديّة فكريّة حقيقيّة، لأنّ الحقيقة واحدة لا أكثر ويجب على كلّ إنسانٍ بذل ما بوسعه لمعرفتها.
الواجب على كلّ إنسانٍ أن يؤمن بضرورة السعي الحثيث بغية معرفة الحقيقة، وفي هذا المضمار بإمكانه الاستعانة بآراء الآخرين كي يُتاح له استكشاف الحقيقة الأصيلة، فلربّما كانت عقيدته متقوّمة بمبادئ خاطئة وعقيدة الآخرين قوامها حقٌّ، لذا من المفترض به الاستفادة من آرائهم.
نستشفّ ممّا ذكر أنّ التعدّديّة الحقّة هي التي تعني السماح للآخرين في أن يطرحوا آراءهم على الصعيد الفكريّ؛ إذ ثمّة العديد من الأساليب - السبُل - التي يمكن للإنسان اتّباعها من أجل معرفة الحقيقة الأصيلة التي لا وجود لغيرها، ومن هذه الأساليب ما هو صائبٌ يقود من يتّبعه إلى الهدف المنشود، ومنها ما هو سقيمٌ وخاطئٌ لا يكشف الواقع لمن يتّبعه على الإطلاق؛ لذا إن أراد الإنسان معرفة الحقيقة، فينبغي له الاستماع إلى آراء الآخرين ثمّ يختار منها النظر الصائب، أي القول الأحسن حسب التعبير القرآنيّ، فقد قال تعالى: (فَبَشِّرْ عِبَادِ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَه).[20] إضافةً إلى المعنى الظاهر من نصّ الآية، فهي تستبطن أيضًا معنىً لطيفًا آخر فحواه أنّ الإسلام يتضمّن الكثير من الأحكام، وكلّ هذه الأحكام تمتاز بالـحُسن المطلوب، إلا أنّ فيها ما هو أحسن. من يستقصي المعارف الإسلاميّة بكلّ جزئيّاتها وأنواعها ثمّ يختار ما هو أحسن منها فهو يستحقّ الجنّة والبشرى.
التعدّديّة التشكيكيّة أو نسبيّة الأديان
حينما نستقصي مختلف الأديان نلاحظ أن تعدّدها كائن على نحو التشكيك، أي أنّها لا تنوب عن بعضها، فهي تشترك في الكثير من المبادئ الاعتقاديّة والفقهيّة والأخلاقيّة والقانونيّة، لكنّها على درجات متباينة؛ إذ منها ما هو كامل ومنها ما هو أكمل.
وبيان ذلك أنّ البحث في هذا المجال يتمحور حول موضوعين أساسيَّين، أحدهما وجود تشكيك على صعيد الحقائق الخارجيّة والمعارف البشريّة، والآخر عدم نسبيّة هذه الحقائق والمعارف.
نسبيّة الشيء بمعنى عدم استقلاله بذاتٍ معيّنةٍ، بل عبارة عن أمرٍ يتبنّاه الإنسان عن طريق المقارنة أو الحساب أو الاعتبار، حيث يعتقد بمختلف أنواع القضايا على هذا الأساس، مثل القرب والبُعد، والأمام والخلف، واليمين واليسار، وما إلى ذلك من قضايا مشابهة، فهي نسبيّةٌ ولا تتّسم بأيّ معنى ما لم يقارنها الإنسان بقضايا أخرى، ناهيك عن أنّها عرضة للتغيير والتحوّل تناسبًا مع التغييرات والتحوّلات التي تطرأ حولها، كالشجرة التي توصف بكونها قريبةً من هذا الشيء وبعيدةً عن ذلك الشيء.
هذا النوع من النسبيّة لا يصدق على الحقائق الخارجيّة، لأنّها موجودة بذاتها - بواقعها - في عالم الخارج، فما هو في حقيقته مجرّد يبقى دائمًا في تجرّده وما هو مادّيٌ يبقى دائمًا في مادّيّته؛ لذا لا يتغيّر بالمقارنة أو الحساب أو الاعتبار؛ كما أنّ المعارف البشريّة ليست نسبيّةً، فهي صائبةٌ إن تطابقت مع الواقع، وإن لم تنطبق معه تعدّ باطلةً، وبالتالي لا تتغيّر عن طريق المقارنة؛ وعلى هذا الأساس لا يمكن ادّعاء أنّ الحقائق الخارجيّة أو المعارف البشريّة نسبيّةٌ بهذا النحو؛ لكن التشكيك - اختلاف الدرجات - واردٌ على الأمرين، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ كلّ شيء له مقامه الخاصّ به، فبعض الأشياء تعدّ عللًا وبعضها معلولات، ومنها ما هو أفضل، كذلك منها ما هو فاضل.
توجد أربعة عناصر معتبرة في التعدّديّة التشكيكيّة، وهي كالتالي:
1) تعدّديّة حقيقيّة
2) وحدة حقيقيّة
3) تعدّديّة تعود في أساسها إلى وحدة حقيقيّة
4) وحدة تسري إلى تعدّديّة حقيقيّة
تجدر الإشارة هنا إلى أنّ التعدّديّة التي تعود في أساسها إلى وحدة حقيقيّة تعتبر أمرًا حقيقيًّا من الناحية التشكيكيّة وليست مجازًا.
نستشفّ ممّا ذكر أنّ الحقائق الخارجيّة تنتظم على هيئة تشكيك، والمعارف البشريّة هي الأخرى ذات درجات تشكيكيّة؛ إذ لو انطبقت هذه المعارف على الواقع، فهي تتمتّع بحظٍّ من الوجود وتعدّ حقًّا وصوابًا، لكنّها إن لم تنطبق فهي باطلةٌ كاذبةٌ.
الحقّ هو الآخر ذو درجاتٍ، إذ قد يتمكّن أحد العرفاء في عصرٍ ما من تحصيل معرفة شهوديّة تنطبق مع الواقع، أو قد تكون الواقع بذاته، ثمّ يأتي بعده عارف آخر يدرك هذا الواقع على ضوء معرفة شهوديّة أكثر دقّةً وعمقًا؛ لذا يعتبر شهوده أحقّ من شهود الذي سبقه. من المؤكّد أنّ كِلا العارفين حدث لهما شهود صادق هو عين الحقّ، لكنّ شهود الثاني أحقّ من شهود الأوّل؛ وكذا هو الحال بالنسبة إلى العلم الحصوليّ.
التعدّديّة الموجودة على صعيد الأديان والشرائع السماوية تعدّ نسبيّةً في واقع الحال، وهذه النسبيّة ليست حقيقيّةً ولا معرفيّةً، بل تشكيكيّة، فهي عبارة عن تشكيك على صعيد الحقائق الخارجية والمعارف البشريّة، لأنّ كلّ شريعة سماويّة تتناسب مع متطلّبات العصر التي أقرّها الله تعالى له؛ لذا على الرغم من اشتراكها إلا أنّها تحتوي على الكثير من التشريعات والقوانين التي تتنوّع بتنوّع الزمان ويمكن تشبيهها بالدواء المتنوّع الذي يصفه الطبيب البارع للمريض، حيث يأمره في كلّ مرحلة بتناول نوعٍ معيّنٍ من الدواء على أساس أنّ الفائدة تتحقّق في كلّ مرحلةٍ من أحد الأنواع؛ وهذا الأمر يدلّ بكلّ تأكيد على أنّها كلّها مفيدة ولا يدلّ مطلقًا على فائدة بعضها وعدم فائدة بعضها الآخر.
إذن، الاختلاف في الشرائع السماويّة ناشئ من التشكيك الكائن على صعيد الحقيقة، وكذا هو الحال بالنسبة إلى المعارف البشريّة؛ إذ بما أنّ إدراك الناس للواقع ذو درجات متباينة، فهي ذات طابع تشكيكيّ، وهذا هو السبب في الاختلاف بين الفقهاء والمفسّرين على صعيد بعض المسائل.
ــــــــــــــــــــــــــــ
[8]- سورة الحجرات، الآية 10.
[9]- سورة الممتحنة، الآيتان 8 - 9.
[10]- سورة القلم، الآيتان 8 - 9.
[11]- الشريف الرضي، نهج البلاغة، الخطبة رقم 24.
[12]- محمد بن يعقوب الكليني، الكافي، ج 5، ص 494، الحديث رقم 1.
[13]- المصدر السابق، ج 2، ص 417، الحديث رقم 1.
[14]- سورة القمر، الآية 17.
[15]- سورة المزّمل، الآية 5.
[16]- سورة التوبة، الآية 38.
[17]- الشريف الرضي، نهج البلاغة، الحكمة رقم 374.
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
الإسلام وميول الإنسان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة