علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

العلم الإلهي (3)

حديث اللوحين

أحدهما: لوح المحو والإثبات، وفيه الزيادة والنقصان، والتغيير والتبديل.

والثاني: اللوح المحفوظ المكنون عند اللّه لا يعلمه أحد غيره تعالى، وليس ذلك سوى علمه تعالى بالأمور، إما علماً ذاتياً أزلياً لا يتغير مع الأبد، أو علماً فعلياً حادثاً مع حدوث الأشياء. وهذا اصطلاح في التعبير، تشبيهاً لأمر غير محسوس بأمر محسوس، ولا ضير فيه بعد أن كان تقريباً للأذهان.

أخرج الطبري بعدة أسانيد إلى عكرمة عن ابن عباس في آية المحو والإثبات قال: "الكتاب كتابان، كتاب يمحو اللّه ما يشاء ويثبت، وعنده أم الكتاب".

وروى ابن كثير وغيره بالإسناد إلى ابن عباس أنه سأل كعباً عن أم الكتاب، فقال: "عَلم اللّه ما هو خالق وما خلقُه عاملون، ثم قال لعلمه: كن كتاباً، فكان كتاباً".

ورووا عن كعب أنه قال لعمر بن الخطاب: "يا أمير المؤمنين، لولا آية في كتاب اللّه لأنبأتك بما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: وما هي؟ قا: قول اللّه تعالى: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء ...﴾.

وعن ابن زيد: "يمحو اللّه ما يشاء ويثبت ممّا ينزل على الأنبياء، وعنده أم الكتاب لا يغيَّر ولا يبدَّل".

وروى الكليني بإسناده الصحيح إلى أبي بصير عن أبي عبد اللّه الصادق (عليه السَّلام) قال: "إن للّه علمي : علم مكنون مخزون لا يعلمه إلاّ هو، من ذلك يكون البداء، وعلم علّمه ملائكته وأنبياءه، فنحن نعلمه".

وروى الطبرسي صاحب الاحتجاج عن أمير المؤمنين (عليه السَّلام) قال: "لولا آية في كتاب اللّه لأخبرتكم بما كان وبما يكون وبما هو كائن إلى يوم القيامة، وهي هذه الآية: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.

وروى الحميري في قرب الإسناد عن طريق البزنطي عن مولانا الرضا (عليه السَّلام) قال: إن الأئمة قبله (الصادق والباقر والسجاد والسبطين وأمير المؤمنين "عليهم السلام") كلهم قالوا: "واللّه لولا آية في كتاب اللّه لحدثناكم بما يكون إلى أن تقوم الساعة: ﴿يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.

والبداء يحصل في لوح المحو والإثبات، ومنشأه علم اللّه الأزلي المثبت في اللوح المحفوظ. ولشيخنا العلامة المجلسي هنا تحقيق أنيق حول مسألة اللوحين، وتوجيه مسألة البداء، وبيان الحكمة في مثل هذه التعابير، وهي تعابير كنائية لا غير.

وأيضاً سيأتي أن القضاء المحتوم إنّما يقع علمه على الأئمة في كل سنة في ليلة القدر، وهو الذي لا تغيير فيه ولا تبديل. وبذلك ينحل ما أشكل على بعضهم من فهم تعابير الروايات بشأن البداء، من أنه هل يحصل فيما وصل علمه إلى الأنبياء والأئمة، أو لا ؟  فعلمهم العام هو الذي يحصل فيه البداء، أما الذي يصل إليهم في ليلة القدر، فلا بداء فيه.

 

في علمه تعالى ومشيئته في خلقه

وقد تلخّص مما مهّدناه هنا ـ بصدد معرفة ذات علمه تعالى ـ أن العلم ذو إضافة قائمة بمتضايفين، يتقابلان ليس بينهما حجاب، وهو أمر اعتباري انتزاعي ينتزعه العقل عند لحاظه هذا التضايف الخاص، فإذا كان من أحدهما الصلاحية لأن يُدرِك، ومن الآخر أن يُدرَك، حصل الإدراك لا محالة.

وهذا التأثر والتأثير في غيره تعالى إنما يتحقق بارتسام صور الأشياء في صفحة الذهن، سواء أكانت صور الأعيان أم صور المعاني.

أما فيه تعالى فالارتسام إنما يقع في عرصات صفحة الوجود، وكان الارتسام بذوات الأعيان والمعاني، لا بصورها ونقوشها، ومن ثم كان علمه تعالى بالأشياء هو نفس وجوداتها التي هي عين حضورها بمحضر القدس تعالى، حيث العالم كله كان رهن الحضور لديه تعالى، لا يعزب عنه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء.

وكل ما يوجد فهو حاضر علمه تعالى، وأصبح متعلق علمه الفعلي بهذا الوجود الخاص، وقد كان متعلق علمه الذاتي الأزلي بوصف أنه سيوجد.

وهذا الاختلاف في نوعية العلم إنما هو بالنظر إلى أحد طرفي المتضايفين (المعلوم)، لا بالنظر إلى الطرف الآخر (العالم)، ومن ثم لم يحصل تغيير في ذات علمه تعالى، وإنما حصل في تعلقاته وإضافاته.

وأما مشيئته تعالى فهي تابعة لعلمه الفعلي المتعلق بالمصالح المتجدّدة، حسب اختلاف الشرائط والأحوال، فإذا ما تجدّدت مصلحة أي بدت على صفحة الوجود، تحقق علمه تعالى الفعلي، أي تعلق بها، الأمر الذي يوجب تغيير مشيئته في الخلق والإيجاد.

فالبداء إنما يحصل في المشيئة التابعة لعلمه الفعلي الحاصل فيما لا يزال، وهو لوح المحو والإثبات. أمّا علمه الذاتي الثابت في الأزل، المعبر عنه باللوح المحفوظ، وبأم الكتاب، فلا تجديد فيه ولا تغيير.

وهذا هو معنى قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ * يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد