المترجم: عدنان أحمد الحاجي
تخيّل أنك في مباراة كرة قدم، والنتيجة كانت تعادلَ للفريقين. سيبدأ كل فريق في تنفيذ ركلات الجزاء. المدرجات تهدر بأصوات الجمهور، ما إذا كان لدى فريقك الفرصة بالفوز بالمباراة يعتمد على قدرة لاعبيه على تسديد الركلات. وأنت تتخيل هذا المشهد، هل تستطيع تصور السيناريو بالألوان والتفاصيل؟
يبذل الباحثون قصارى جهدهم في محاولة فهم السبب الذي يجعل بعض الناس قادرين على تصور هذه الأنواع من السيناريوهات بسهولة أكثر مما يتصور الآخرون. حتى الشخص نفسه قد يختلف في قدرته على تصور الأشياء ذهنيًّا من وقت إلى آخر، حيث قد يكون تصوره الذهني لبعض الأشياء أفضل في وقت وقد يكون أسوأ في وقت آخر.
لكونِنا باحثَي علم أعصاب في مجالي العلاج الطبيعي وعلم النفس، فكّرنا في كيفية استخدام الناس الصور الذهنية (1). هذا ما يعرفه الباحثون حتى الآن عن تلك القدرة.
الدماغ والصور الذهنية
الصور الذهنية (2) هي القدرة على تصور الأشياء والسيناريوهات [تصورًا مجردًا] في الذهن (العقل)، دون الحاجة إلى وجود مدخلات حسيّة بالفعل.
على سبيل المثال، عندما تفكر في أفضل أصدقائك، قد تتخيل وجوههم تلقائيًّا في ذهنك دون أن تراهم أمامك رؤية فعلية. عندما تحلم بإجازة قادمة، قد ترى نفسك على شاطئ مشمس.
الذين يحلمون بتنفيذ ركلات الجزاء بعد التعادل، قد يتخيلون أنفسهم وكأنهم يشاهدون مقطع فيديو لهذه الركلات في أذهانهم. حتى أنهم قد يشمون رائحة عشب أرض الملعب الأخضر أو يسمعون أصوات المشجعين الهادرة.
يعتقد الباحثون أن القشرة البصرية (3، 4)، الواقعة في الجزء الخلفي من الدماغ، معنية بالتصور الداخلي [وهو التمثيل العقلي للواقع الخارجي] (6 ، 5). هذه المنطقة هي نفسها من الدماغ التي تعالج المعلومات المرئية التي تدخل عبر العين وتجعلك قادرًا على رؤية ما حولك.
وهناك منطقة دماغية أخرى (7)، تقع في الجزء الأمامي من الدماغ، لها دور أيضًا في التصوّر الذهني. هذه المنطقة، التي تسمى قشرة الفص ما قبل الجبهي (8)، مسؤولة عن الوظائف التنفيذية - والوظائف التنفيذية هي مجموعة من المهارات العقلية العليا التي تسمح بالتركيز، والتخطيط والتنظيم والتفكير.
وجد العلماء أن مثل هذه المهارات مرتبطة إلى حدّ ما على الأقل، بقدرة الفرد على التصوّر العقلي. إذا كان أحد الأشخاص جيدًا في الاحتفاظ بكميات كبيرة من المعلومات ومعالجتها في ذهنه، فبإمكان هذا الشخص اللّعب بأشياء كالأرقام أو الصور في ذهنه حتى وهو مشغول بأشياء أخرى.
التعرض والتذكر
تنشط معظم مناطق الدماغ نفسها أثناء التعرض لحدث (المرور بحدث) ما، وأيضًا عندما تتخيّله من ذاكرة في ذهنك. على سبيل المثال، عندما تشاهد جمال وادي غراند كانيون (اسم وادٍ عميق في أمريكا)، يكوِّن دماغك ذاكرة لهذه الصورة. لكن تلك الذاكرة لا تُخزن (لا يُحتفظ بها) ببساطة في موضع واحد في الدماغ. تتكون هذه الصورة عندما تنشط [عندما يحدث هناك فعل جهد لـ fireـ] آلاف خلايا الدماغ العصبية (العصبونات) معًا في مناطق مختلفة من الدماغ (9). لاحقًا، عندما تسمع صوتًا أو تشم رائحةً أو تشاهد صورةً لتلك التي حدثت لك في السابق، فمن شأنها أنها تثير الذاكرة من جديد، وتنشط شبكة عصبونات الدماغ مرة أخرى، وقد تتخيّل وادي غراند كانيون في ذهنك بوضوح تامّ كما لو أنك تشاهد هذا الوادي أمام ناظريك.
فوائد الصور الذهنية
القدرة على التصور الذهني قد يكون مفيدًا. لاحظ مظهر تركيز لاعب الجمباز على وجهه قبل البدء في المباراة. لاعب الجمباز نفسه كان حينها على الأرجح يتخيل أنه يقوم بتنفيذ حركات الحلقات بدقة (10) في ذهنه. يقوم هذا التصور بتنشيط مناطق الدماغ نفسها كما لو كان يقوم بأداءٍ بدني على حلقات الجمباز، ما يؤدي إلى توطيد ثقته وتهيئة دماغه لتحقيق فرص فوز أفضل.
باستطاعة الرياضيين توظيف التصور لمساعدتهم على اكتساب المهارات بسرعة أكثر، وبأقل قدر من التمزق في الأنسجة (11). باستطاعة المهندسين والميكانيكيين توظيف التصور الدهني لمساعدتهم على تصميم المعدات أو إصلاحها.
قد يساعد التصور الذهني أيضًا الناس على تعلم كيفية إعادة تحريك أطرافهم مرة أخرى بعد إصابة تعرضوا لها في الدماغ (12). بيد أنه حتى أولئك الذين لا يوظّفون التصور الذهني سوف يتعافون في نهاية المطاف حتى لو لم يوظّفوا التصور الذهني (13).
التأثير المتبادل بين الطبيعة والتنشئة
لن تفقد كل شيء لو واجهتك صعوبة في التصور الذهني. من الممكن أن تكون القدرة على التصور الذهني هي تأثير مركب من طريقة عمل دماغك وتجارب الحياة التي راكمتها.
على سبيل المثال، سائقو سيارات الأجرة في لندن يحتاجون إلى خارطة شوارع لندن المعقدة جدًّا في أذهانهم، وقد وجد الباحثون أنهم يتعرضون لتغييرات في أبنية أدمغتهم طوال حياتهم المهنية. وعلى وجه الخصوص، يزداد حجم منطقة الحصين في الدماغ، الحصين منطقة دماغية لها علاقة بالذاكرة. يعتقد الباحثون أن التدريب الذي خضع له سائقو سيارات الأجرة في لندن الذين اضطروا إلى تصوّر خريطة للشوارع المعقدة في لندن أثناء عملهم اليومي - جعلهم أفضل في التصور الذهني من خلال التغييرات التي طرأت على حجم منطقة الحُصين في أدمغتهم (14).
ومشاهدتك لشخص آخر يقوم بعمل بدني من شأنه أن ينشط مناطق الدماغ نفسها، وأنت تكوِّن صورك الذهنية الداخلية (التمثيل العقلي) (6). لو أردت أن تكون قادرًا على القيام بنشاط ما، مشاهدة مقطع فيديو لشخص آخر يقوم بالنشاط نفسه، قد يكون مفيدًا لك تمامًا كفائدة تصوّر نفسك ذهنيًّا وأنت تقوم به. لذلك، حتى لو واجهت صعوبات في قدرتك على التصور الذهني، فهناك أساليب أخرى يمكن من الاستفادة منها.
ــــــــــــــــــــــــــ
مصادر من داخل النص وخارجه
1- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/صورة_ذهنية
2- https://plato.stanford.edu/entries/mental-imagery/
3- https://ar.wikipedia.org/wiki/قشرة_بصرية
4- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK537247/
5- http://https://www.nature.com/articles/s41467-024-45065-w
6- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/تمثيل_عقلي
7- https://link.springer.com/article/10.3758/s13421-011-0143-7
9- https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/19847359/
10- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/حلق_(جمباز)
11- https://www.tandfonline.com/doi/abs/10.1080/00029157.1993.10403003
12- https://linkinghub.elsevier.com/retrieve/pii/S0003999304002709
13- http://https://academic.oup.com/brain/article-lookup/doi/10.1093/brain/awr077
14- http://https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1002/hipo.23395
15- https://www.sciencedirect.com/science/article/abs/pii/S0301008218301904?via=ihub
المصدر الرئيس
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان