علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

هناك أوجه قصور في التعليم الغذائي على جميع المستويات

كاتبا هذا المقال هما ناذنيال جونسون Nathaniel Johnson، الأستاذ المساعد في التغذية وعلم التغذية. وطالبة الطب الحاصلة على درجة الماجستير في التغذية مادلين كومو Madeline Comeau. كلاهما يعرف الدور القوي للطعام في الصحة وفي طول العمر [طول العمر هو متوسط عدد السنوات التي يعيشها الشخص]. قد يؤدي الغذاء غير الصحي إلى أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري والسمنة (1) وحتى الاضطرابات النفسية مثل الاكتئاب (2) والقلق.(3) الأمراض المرتبطة بالغذاء هي من بين الأسباب الرئيسة للوفيات في الولايات المتحدة (4)، والغذاء غير الصحي مسؤول عن الوفيات بشكل أكثر من التدخين (5).

هذه المشكلات الصحية ليست فقط مألوفة ومنهكة، بل إنها مكلفة أيضًا. يكلف علاج ارتفاع ضغط الدم والسكري وارتفاع نسبة الكولسترول حوالي 400 مليار دولار أمريكي سنويًّا. وفي غضون 25 عامًا، من المتوقع أن تتضاعف هذه التكاليف إلى ثلاث أضعاف، لتصل إلى 1.3 تريليون دولار (6).

هذه الحقائق تدعو إلى حاجة الأطباء إلى تقديم نصائح دقيقة عن الغذاء لمرضاهم لمساعدتهم على الوقاية من هذه الأمراض. ولكن ما مدى معرفة أي طبيب عن التغذية؟

 

ما لا يعرفه الأطباء

وفي دراسة استقصائية أجريت عام 2023 شملت أكثر من 1000 طالب طب أمريكي، قال حوالي 58% منهم إنهم لم يتلقوا أي تعليم رسمي في مجال التغذية أثناء دراستهم في كليات الطب طوال أربع سنوات (7). أولئك الذين حصل وإن تلقوا بعض التعليم في مجال التغذية لم يحصلوا إلّا على حوالي ثلاث ساعات من التثقيف الغذائي في السنة الدراسية الواحدة. وهذا للأسف يعتبر أقل من الأهداف (8) التي وضعتها اللجنة الأميركية للتغذية في التعليم الطبي في عام 1985: وهي أن طلاب الطب يجب أن يحصلوا على ما مجموعه 25 ساعة من التعليم الغذائي أثناء مدة دراستهم في كلية الطب (9) - وهي عبارة عن أكثر قليلًا من ست ساعات في السنة الواحدة.

لكن دراسة أجريت عام 2015 بينت أن 29% فقط من كليات الطب حققت هذا الهدف (10)، وتشير دراسة أجريت عام 2023 إلى أن المشكلة أصبحت أسوأ - حيث أفاد 7.8% (حوالي 8%) فقط من طلاب الطب أنهم حصلوا على 20 ساعة أو أكثر من التثقيف الغذائي في كلية الطب خلال هذه السنوات الأربع (11). وإذا كان هذا ممثلًا لكليات الطب في جميع أنحاء البلاد، فقد حدث ذلك على الرغم من الجهود المبذولة لتعزيز التعليم الغذائي من خلال العديد من المبادرات الحكومية (7).

وليس من المستغرب أن يكون لقصور التعليم في هذا المجال تأثير سلبي مباشر في معرفة الأطباء بالتغذية. في دراسة أجريت على 257 من طلاب الطب التقويمي في السنة الأولى والثانية الذين خضعوا لاختبار المعرفة الغذائية (12)، رسب أكثر من نصفهم في هذا الاختبار (13). وقبل هذا الاختبار قد شعر أكثر من نصف هؤلاء الطلاب - 55٪ - براحة البال في تقديم نصائح التغذية للمرضى (للمراجعين).

ولسوء الحظ، لا تقتصر هذه المشكلة على كليات الطب في الولايات المتحدة. فقد خلصت دراسة أجريت عام 2018 إلى أنه بغض النظر عن الدولة، فإن التعليم الغذائي لطلاب الطب غير كافٍ في جميع أنحاء العالم (14).

 

إعادة طرح التثقيف الغذائي 

بالرغم من أن الأدلة تشير إلى أن التعليم الغذائي يمكن أن يكون فعالاً (15)، إلا أن هناك العديد من الأسباب وراء عدم وجوده (16). يعد طلاب الطب والأطباء من أكثر الأشخاص انشغالًا في المجتمع. كثيرًا ما توصف كمية المعلومات التي تُدرس في المناهج الطبية بأنها هائلة بشكل عارم ــ أي بمثابة محاولة استيعاب طالب الطب لكمّ هائل من المعلومات المكثفة في وقت قصير.

يركز طلاب الطب في العامين الأول والثاني على موضوعات مكثفة، بما فيها الكيمياء الحيوية والبيولوجيا الجزيئية والوراثيات، بينما يتعلمون المهارات السريرية مثل إجراء المقابلات مع المرضى وفحصهم بسماعة الأذن الطبية لمعرفة طبيعة الأصوات الصادرة من القلب والرئة. طلاب السنة الثالثة والرابعة يبدأون بالممارسة في العيادات والمستشفيات ليتعلموا من كل من الأطباء والمرضى هناك.

ونتيجة لذلك، أصبحت جداولهم مزدحمة بالفعل. ليس هناك مجال لمناهج التغذية. وبمجرد أن يصبحوا أطباء، فإن الأمر لن يتحسن بل يزداد زحمة. توفير الرعاية الوقائية، بما تشتمل عليه من إرشادات عن التغذية للمرضى، من شأنه أن يأخذ منهم أكثر من سبع ساعات في الأسبوع (17) - وهذا دون احتساب الوقت الذي عليهم صرفه على التعليم المستمر لمواكبة المعلومات الجديدة في علوم التغذية.

علاوة على ذلك، يُعزى نقص التعليم الغذائي في كليات الطب إلى ندرة المدربين المؤهلين لتدريس مناهج التغذية، حيث أن معظم الأطباء لا يفهمون التغذية بشكلٍ كافٍ ليقوموا بتدريسها  (18).

ومن المفارقات أن الكثير من كليات الطب هي عبارة عن كليات داخل جامعات لديها أقسام تغذية فيها أساتذة حاصلون على درجة الدكتوراه. يمكن لهؤلاء الأكاديميين سدّ هذه الفجوة وذلك بتدريس مناهج التغذية لطلاب الطب. ولكن تُدرس هذه المواد غالبًا من قبل أطباء ربما لم يتسنَّ لهم الحصول على التدريب الكافي في مجال التغذية ــ وهو ما يعني أن المعلمين المؤهلين جدًّا، والمتوفرين في معظم كليات الطب، لا يُستغلون في هذه العملية.

 

البحث عن النصائح الغذائية المناسبة

أفضل مصدر لمعلومات التغذية، سواء لطلاب الطب أو لعامة الناس، هو اختصاصي تغذية مسجل رسميًا أو أخصائي تغذية معتمد أو أي نوع آخر من متخصصي التغذية الحاصلين على درجات وشهادات متعددة (19). درسوا لسنوات وأخذوا العديد من ساعات التدريب حتى يتمكنوا من تقديم الإرشادات الغذائية اللازمة للناس.

على الرغم من أنه يمكن لأي شخص تحديد موعد مع أخصائي التغذية للحصول على إرشادات غذائية، إلا أنه عادةً ما تكون هناك حاجة إلى إحالة من مقدم الرعاية الصحية، مثل الطبيب، حتى يمكن تغطية هذه الإحالة من قبل التأمين الصحي. لذا فإن مراجعة الطبيب أو أي مقدم رعاية أولية آخر غالبًا ما تكون خطوة قبل مقابلة أخصائي التغذية.

قد تكون هذه الخطوة الإضافية أحد الأسباب التي تجعل الكثير من الناس يبحثون عن نصائح غذائية في مكان آخر، مثل هواتفهم الذكية، للحصول على تلك النصائح. بيد أن أسوأ مصادر البحث عن معلومات غذائية دقيقة هي وسائل التواصل الاجتماعي. حيث أن نحو 94% من المنشورات المتعلقة بالتغذية والغذاء تعتبر ذات قيمة غذائية منخفضة ــ إما غير دقيقة أو تفتقر إلى معلومات كافية لدعم هذا الادعاء (20).

تذكر أنه يمكن لأي كان أن ينشر نصائح غذائية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بغض النظر عن مؤهلاته. النصائح الغذائية الجيدة تُعطى بشكل شخصي وتأخذ في الاعتبار سن الشخص وجنسه ووزن جسمه وأهدافه وتفضيلاته الشخصية. من الصعب اختزال هذا التعقيد في منشور قصير على وسائل التواصل الاجتماعي.

والخبر السار هو أن التعليم الغذائي، عندما يحدث، من شأنه أن يكون فعالاً (15)، ويعترف معظم طلاب الطب والأطباء بالدور الحاسم الذي تلعبه التغذية في الصحة (21). في الواقع، يقول ما يقرب من 90% من طلاب الطب أن التثقيف الغذائي يجب أن يكون جزءً إلزاميًّا من مناهج كلية الطب (7).

ونأمل أن يصبح التثقيف الغذائي، بعد التقليل من قيمته أو تجاهله لعقود من الزمن، قريبًا جزءًا لا يتجزأ من المناهج الدراسية في كل كلية الطب. ولكن نظرًا لتاريخها ووضعها الحالي، يبدو من غير المرجح أن يحدث هذا في أي وقت قريب.

ــــــــــــــــــــــــــ

1- https://www.ahajournals.org/doi/10.1161/CIR.0000000000000510

2- https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/1028415X.2021.2020403

3- https://nutritionj.biomedcentral.com/articles/10.1186/s12937-021-00670-z

4- http://https://www.cdc.gov/nchs/fastats/leading-causes-of-death.htm

5- http://https://jamanetwork.com/journals/jama/fullarticle/2678018

6- https://www.ahajournals.org/doi/10.1161/CIR.0000000000001258

7- https://ir.library.louisville.edu/jwellness/vol4/iss2/11/

8- http://https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK216789/

9- https://www.ncbi.nlm.nih.gov/books/NBK216788/

10- https://onlinelibrary.wiley.com/doi/10.1155/2015/357627

11- https://health.gov/our-work/nutrition-physical-activity/food-medicine

12- https://www.umass.edu/nibble/quizzes/quizlist.htm

13- http://https://www.degruyter.com/document/doi/10.7556/jaoa.2017.119/html

14- https://www.thelancet.com/journals/lanplh/article/PIIS2542-5196(19)30171-8/fulltext

15- https://bmcmededuc.biomedcentral.com/articles/10.1186/s12909-021-02512-2

16- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2161831322003945?via=ihub

17- https://ajph.aphapublications.org/doi/full/10.2105/AJPH.93.4.635

18- https://www.sciencedirect.com/science/article/pii/S2161831322003945?via=ihub

19- http://https://www.theana.org/certify/

20- http://https://www.mdpi.com/2227-9032/10/2/397

21- https://www.ijme.net/archive/13/primary-healthcare-practitioners-perspectives-and-opinions-about-nutrition/

 

المصدر الرئيس

https://theconversation.com/diet-related-diseases-are-the-no-1-cause-of-death-in-the-us-yet-many-doctors-receive-little-to-no-nutrition-education-in-med-school-236217

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد