علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
عدنان الحاجي
عن الكاتب :
من المترجمين المتمرسين بالأحساء بدأ الترجمة عام ٢٠١١، مطّلعٌ على ما ينشر بشكل يومي في الدوريات العلمية ومحاضر المؤتمرات العلمية التي تعقد دوريًّا في غير مكان، وهو يعمل دائمًا على ترجمة المفيد منها.

كيف يميز الدماغ التنغيم في الكلام؟

المترجم: عدنان أحمد الحاجي

 

ما يترك انطباعًا ليس ما تقول بل كيف تقول - كيف يميز الدماغ التنغيم في الكلام؟

 

ربما سمعت بالعبارة التالية: "ما يترك انطباعًا ليس ما تقول، بل المهم كيف تقوله". والآن، أصبحت هذه العبارة مدعومة علميًّا. دراسة هي الأولى من نوعها في كلية الاتصالات بجامعة نورث وسترن وجامعة بيتسبرغ وجامعة ويسكونسن في مدينة ماديسون كشفت عن منطقة في الدماغ، معروفة منذ فترة طويلة بالمعالجة المبكرة للسمع، تلعب دورًا في تفسير الكلام أكبر بكثير مما كان مفهومًا سابقًا.

 

وجدت دراسة (1) متعددة التخصصات نشرت في  3 مارس 2025 في مجلة "Nature Communications" أن منطقة الدماغ المعروفة باسم تلفيف هيشل [التلفيف الصدغي المعترض (2)] لا تعالج الأصوات فحسب - بل تحول التغييرات اللطيفة غير الملاحظة في نغمة الصوت pitch، المعروفة بـ (النظم الصوتية المجردة) (3) prosody [وتشمل نغمة الصوت العالية والمنخفضة، والمتعلقة بسرعة ذبذبات الصوت في الحبال الصوتية، لكن هذا لا يعني رفع أو خفض الصوت، كما تشمل النبرة الدلالية intonation - وهي التغيرات التي تحدث في درجة نغمة الصوت في الكلام أو الحديث وتغير المعنى المقصود، كما في حالة التحول من الأخبار إلى السؤال (4)]، إلى معلومات لغوية مفيدة تساعد الناس على فهم الكلمة أو الجملة ومعناها بوضوح وفهم المقصود منها حتى لا يلتبس المعنى بغيره أو بالمراد منه أثناء الحديث [هناك أمثلة يمكن الرجوع اليها في المصدر الآنف الذكر توضح المقصود (3)].

 

لفترة طويلة، اعتقد الباحثون أن جميع جوانب النظم الصوتية المجردة (3) تُعالج في المقام الأول في التلفيف الصدغي العلوي، وهي منطقة في الدماغ معروفة بإدراك الكلام [سماع أصوات المتحدث وتفسيرها وفهمها (5)] . وقال بهارات شاندراسيكاران Bharath Chandrasekaran، الباحث الرئيس المشارك في الدراسة وأستاذ ورئيس قسم علوم التواصل والاضطرابات في جامعة نورث وسترن (6)، إن نتائج الدراسات تطعن في الافتراضات القديمة المتعلقة بكيف وأين ومدى سرعة معالجة النظم الصوتية المجردة في الدماغ.

 

وقال شاندراسيكاران: "النتائج تعيد تعريف فهمنا لتصميم إدراك الكلام (5)". "لقد عملنا على البحث لبضعة عقود لمعرفة الفروق اللطيفة غير الملاحظة لكيفية تجريد الكلام [اشتقاق المفاهيم منه (7)] في الدماغ، ولكن هذه هي الدراسة الأولى التي تبحث كيف تعالج الاختلافات اللطيفة غير الملاحظة في الصوت في الدماغ التي توصل معنى الكلام أيضًا إلى السامع".

 

مجموعة نادرة من المشاركين في الدراسة

 

تعاون شاندراسيكاران مع الدكتور تايلور آبل، رئيس قسم جراحة الأعصاب للأطفال في كلية الطب بجامعة بيتسبرغ، لدراسة معالجة المعلومات السمعية عند 11 مريضًا مراهقًا كانوا يتلقون علاجًا جراحيًّا للأعصاب بسبب إصابتهم بصرع حاد. وقد زرعت أقطاب كهربائية في أعماق قشرة الدماغ، وهي منطقة مهمة لمعالجة اللغة في جميع المرضى.

 

"عادةً ما تعتمد أبحاث التواصل واللسانيات على الفحوص غير الجراحية وذلك من خلال أقطاب توضع على سطح الجلد، ما يجعلها في متناول اليد ولكنها ليست دقيقة جدًّا". حسبما قال آبل. "لقد مكّننا التعاون بين باحثين في جراحة الأعصاب وعلم الأعصاب، مثلنا، بجمع بيانات عالية الجودة لنشاط الدماغ والتي لم يكن من الممكن الحصول عليها لولا هذا التعاون، ومعرفة آليات معالجة الدماغ بطريقة جديدة تمامًا".

 

لاستكشاف كيف يفك الدماغ رموز لحن الكلام melody (8)، عمل الباحثون مع مجموعة نادرة من المرضى الذين زُرعت أقطاب كهربائية في أدمغتهم كجزء من علاج إصابتهم بالصرع. وبينما كان هؤلاء المرضى يستمعون بنشاط إلى  كتاب صوتي بعنوان "أليس في بلاد العجائب Alice in Wonderland تتبع الباحثون النشاط في مناطق متعددة من الدماغ في الوقت الحقيقي.

 

ماذا وجدوا

 

وباستخدام تسجيلات النشاط الدماغي من الأقطاب الكهربائية المزروعة في عمق دماغ المريض، لاحظ الباحثون أن منطقة تلفيف هيشل تعالج التغيرات اللطيفة غير الملاحظة في نغمة الصوت - ليس فقط كصوت، ولكن كوحدات لغوية (9) [والتي تشمل الوحدة الصوتية (10) والوحدة الصرفية (11) والوحدة المعجمية (12) والعبارة والنسق] مفيدة. يقوم الدماغ بتشفير لكنة النغمة accent pitch [وهي التركيز على مقطع من مقاطع الكلمة بحيث يكون أكثر بروزًا من غيره وبه يتغير نطقها وبالتالي مدلولها، كما في الإنجليزية والسويدية وحتى التركية والفارسية، لكن العربية ليست كذلك (13)] بشكل منفصل عن أصوات الكلمات (الوحدات الصوتية أو الفونيمات).

 

"تطعن دراستنا في الافتراضات السابقة بشأن كيف ومتى يدرك الدماغ اللحن melody الطبيعي في الكلام - تلك التغييرات اللطيفة غير الملاحظة في نغمة الصوت التي تساعد في نقل المعنى والقصد". بحسب نايكي غناناتاجاNike Gnanataja من قسم علوم التواصل والاضطرابات في جامعة ويسكونسن ماديسون والمؤلف المشارك الأول للدراسة. "بالرغم من أن أنماط الصوت هذه تختلف في كل مرة نتكلم فيها، فإن أدمغتنا تخلق تمثيلات عقلية ثابتة حتى يستطيع فهمها".

 

وقال غناناتاجا كشفت الدراسة أيضًا أن الطبقة المخفية من المعنى التي يحملها النظم الصوتية المجردة (14) - منحنى العلو في حدة الكلام - تُرمز في وقت أبكر بكثير في المعالجة السمعية، مما كان يُعتقد سابقًا. [تبدأ عملية الترميز عندما تدخل الموجات الصوتية إلى الأذن وتُحوَّل إلى إشارات عصبية بواسطة الجهاز السمعي. ثم تُرسل هذه الإشارات إلى الدماغ، حيث تتم معالجتها وتفسيرها كمعلومات مفيدة (15)].

 

ما أهمية ذلك؟

 

بكشف الطبقة المخفية من الكلام، اكتشف شاندراسيكاران وفريقه كيف يُعالج الدماغ نغمات الصوت، ما يكشف عن اقتضاءات معمقة في مجالات مختلفة.

 

وأضاف: "إن النتائج التي توصلنا إليها يمكن أن تؤدي إلى إحداث تحولات في علاج النطق والتخاطب (16)، والمساعد الصوتي المدعوم بالذكاء الاصطناعي (مثل سيري وأليكسا)، وفي معرفتنا بما من شأنه أن يجعل التواصل بين البشر فريدًا من نوعه".

 

معرفة معالجة النظم الصوتية المجردة prosody المبكرة قد يؤدي إلى تدخلات جديدة لاضطرابات النطق (التخاطب) واللغة، مثل التوحد، وخلل اللحن (17) لدى المرضى الذين أصيبوا بسكتة دماغية، واختلافات التعلم القائمة على اللغة بين الأشخاص [أي تلك التي تتعلق بفهم أو معالجة اللغة المنطوقة والمكتوبة، والتي قد تختلف في عدد الصعوبات اللغوية وحدتها بشكل كبير من شخص لآخر (18)].

 

بالإضافة إلى ذلك، يمكن لهذه النتائج أن تعزز بشكل كبير أجهزة التعرف على الصوت المدعومة بالذكاء الاصطناعي وذلك بتمكينها من التعامل بشكل أفضل مع النظم الصوتية المجردة (3)، مما يجعل معالجة اللغة الطبيعية أقرب إلى محاكاة إدراك الكلام عند البشر (5).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- https://www.nature.com/articles/s41467-025-56779-w

2- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/التلفيف_الصدغي_المعترض

3- https://ar.wikipedia.org/wiki/لحن_(لغة)

4- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/تنغيم_(لغويات)

5- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/إدراك_الكلام

6- https://communication.northwestern.edu/academics/communication-sciences-and-disorders/

7- https://ar.wikipedia.org/wiki/لحن_(موسيقى)

8- https://uniwork.buxdu.uz/resurs/13286_1_1437C1BD083ABD26B4F2A479F0128F6DC8F6C2E6.pdf

9- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/صوتية

10- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/صرفية

11- https://ar.wikipedia.org/wiki/معجمية_(وحدة)

12- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/تنغيم_(لغويات)

13- http://https://en.wikipedia.org/wiki/Pitch-accent_language

14- https://www.happyneuronpro.com/en/info/what-is-auditory-memory/

15- https://www.jhah.com/ar/care-services/specialty-care/rehabilitation-services/speech-language-pathology

16- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/علم_أمراض_النطق_واللغة

17- http://https://ar.wikipedia.org/wiki/خلل_لحن

18- https://www.landmarkschool.org/our-school/landmark-360-blog?id=253232/language-based-learning-disabilities-lbld-a-primer

المصدر الرئيس

https://news.northwestern.edu/stories/2025/03/researchers-explore-how-the-brain-deciphers-the-melody-of-speech/?fj=1

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد