الشيخ عبدالهادي الفضلي ..
منهجيا وتبويباً تشتمل المقدمات العلمية للعلوم على النقط التالية :
1 ـ تعريف العلم .
2 ـ بيان موضوعه الذي يبحث فيه .
3 ـ الفائدة المتوخاة من دراسته وتعلمه .
4 ـ الحكم الشرعي لتعلمه وتعليمه .
5 ـ بيان علاقاته بالعلوم الأخرى .
من هنا كان على الباحث الذي يريد أن يتناول المقدمة الأصولية أن تدور دراسته حول المحاور المذكورة .
ولا بد أن نؤكد أن اكتمال تطور علم أصول الفقه كان على يدي الأصولي الكبير الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري، وذلك بإضافاته المتمثلة في:
1 ـ تنظيم البحث الأصولي .
2 ـ وضع مصطلحات أصولية جديدة اقتضتها طبيعة التطوير .
3 ـ توضيح وتركيز أبعاد وعناصر البحث الأصولي التي هي :
أ ـ الأصالة في مادة البحث .
ب ـ العمق في طريقة البحث .
ج ـ الاستقلالية في نتيجة البحث .
وعلى ضوء ذلك نقوّم المقدمة الأصولية بالقراءة النقدية التالية :
تعريفه
إذا قمنا باستعراض شامل للعلوم الأخرى المماثلة لعلم أصول الفقه أمثال : العلوم اللغوية : كالنحو والصرف والبلاغة ، والمعارف العقلية : كالمنطق والفلسفة وعلم الكلام ، والعلوم الشرعية : كالفقه والحديث والرجال ، وخلافها ، فسوف نرى أن تعريفاتها مستمدة من واقع موضوعاتها التي تبحث فيها .
فعلى سبيل المثال : علم المنطق يدرس موضوعين ، هما : التعريف والاستدلال ، فنستطيع أن نقول في تعريفه : هو العلم الذي يبحث في قواعد التعريف وقواعد الاستدلال .
وعلم النحو يدرس الجملة من حيث تركيبها ووظيفة كل كلمة في التركيب ، فبإمكاننا أن نعرّفه بقولنا : هو العلم الذي يبحث في قواعد تركيب الجملة ووظائف عناصرها . . . وهكذا .
في ضوء هذا : إننا إذا أردنا أن نعرّف علم أصول الفقه لا بد لنا من أن ننطلق إلى هذا من معرفة موضوعه .
ولأن موضوعه غير واضح الملامح في مدوناته المعروفة بسبب اختلاف النظرة إلى واقعه التي تتلخص في فروقها بالإجابة عن التساؤلات التالية :
هل هذا العلم يبحث في الأدلة مطلقاً ؟
أو هو يبحث في خصوص أدلّة الفقه ، وبشكل عام ، أي بما يشمل الإمارات والأصول أيضا ؟
أو أنه يختص ببحث الأدلة الأربعة : الكتاب والسنّة والإجماع والعقل ؟
أو أنه لا موضوع خاصاً له ، وإنما يبحث في مسائل شتّى ، تلتقي تحت سقف غرض واحد ، هو القاسم المشترك لها، والقدر الجامع بينها ، وذلك الغرض هو الوصول إلى الحكم الشرعي أو ما يقوم مقامه من وظائف عقلية ؟
بسبب هذا جاءت تعريفاته ـ هي الأخرى ـ مختلفة أيضاً ، وكأمثلة لهذا :
قال السيد المرتضى ، ( المتوفى سنة 436 هـ ) في ( الذريعة ) : « إن الكلام في أصول الفقه إنما هو في الحقيقة كلام في أدلّة الفقه » .
وعرّفه الشيخ الطوسي ( المتوفى سنة 460هـ ) في ( العدّة ) بقوله : « أصول الفقه هي أدلّة الفقه » .
ويعني بالأدلة ـ كما يظهر من شرحه للتعريف ـ : الكتاب و السنّة .
ومن بعده عرّفه الفخر الرازي ( المتوفى سنة 606هـ ) في ( المحصول ) : بأنه « عبارة عن مجموع طرق الفقه على سبيل الإجمال ، وكيفية الاستدلال بها ، وكيفية حال المستدلّ بها » .
وفسّر الرازي ( طرق الفقه ) بما يتناول الأدلة والإمارات .
ومن بعده حدّد القاضي علاء الدين المقدسي ( المتوفى سنة 885 هـ ) في (الكوكب المنير المسمّى بمختصر التحرير) موضوعه بـ « الأدلة الموصلة إلى الفقه » .
وبعد تطوّر الدرس الأصولي في المذهب السنّي يحدّه الأستاذ المعاصر الشيخ عبد الوهاب خلاف المتوفى سنة 1376 هـ في كتابه ( علم أصول الفقه ) بـ « الدليل الشرعي الكلّي من حيث ما يثبت به من الأحكام الكلية » .
وهي ـ كما ترى ـ تعريفات استمدّت مادّتها من تحديد موضوعه بالدليل الفقهي .
ويبدو أن تعريفاً آخر وازى التعريف المذكور ، وسايره جنباً إلى جنب منذ عهد ابن الحاجب المالكي ( المتوفى سنة 646 هـ ) حيث عرّفه في كتابه ( منتهى الوصول والأمل ) بـ : « العلم بالقواعد التي يتوصل بها إلى استنباط الأحكام الشرعية الفرعية من أدلّتها التفصيلية » .
ونلمس صدى هذا التعريف عند الميرزا القمي ( المتوفى سنة 1231 هـ ) في كتابه ( القوانين ) حيث عرّفه بـ : «العلم بالقواعد الممهدة لإستنباط الأحكام الشرعية» .
ولما لاحظه عليه الشيخ الخراساني ( المتوفى سنة 1329 هـ ) في كتابه ( الكفاية ) من عدم شموليته للأصول العملية التي تعيّن الوظيفة للمكلّف عند عدم وصوله إلى الحكم الواقعي ، عرّفه بقوله : « صناعة يعرف بها القواعد التي يمكن أن تقع في طريق استنباط الأحكام ، أو التي ينتهى إليها في مقام العمل » ، ويريد بهذه الأخيرة الأصول العملية .
وما في هذه التعريفات من عدم تبيان هوية القواعد آت من عدم الإيمان بوحدة موضوع هذا العلم كما هو واضح .
ولعلّ تعريف الميرزا البوجنوردي في كتابه ( المنتهى ) يشير إلى هذا بوضوح حيث يقول : « علم الأصول عبارة عن جملة من القضايا التي تصلح لأن تقع كل واحدة منها كبرى قياس تكون نتيجته الحكم الكلي الشرعي الفرعي ، أو البناء العملي العقلي كالبراءة والتخيير العقليين » .
ويختصره أستاذنا الشهيد الصدر ( قدس سره ) في ( الحلقة الثالثة ) بما هو أكثر دقّة وأبعد عن المآخذ التي سجّلت على تعريف صاحب القوانين بقوله : « علم الأصول : هو العلم بالعناصر المشتركة لإستنباط جعل شرعي » ، ذلك أن ( العناصر المشتركة ) تشمل كل ما له دخل مباشر في عملية الإستنباط الفقهي ، من الظواهر اللغوية الإجتماعية العامة ، والمدركات العقلية الإجتماعية العامة .
وعلى هدي منه حدّد موضوع علم الأصول بـ « الأدلة المشتركة في الإستدلال الفقهي خاصة » .
ومن قبل ذلك عرّفه السيد البروجردي بـ « القانون الذي يعد حجّة في الفقه » .
وأخيراً نقف عند تعريف الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه ( أصول الفقه ) القائل : « أصول الفقه : هو العلم بالقواعد التي ترسم المناهج لإستنباط الأحكام العملية من أدلّتها التفصيلية » .
ومن المفيد أن أستطرد ـ هنا ـ فأشير إلى أن الأصوليين إنما اختاروا كلمة ( استنباط ) ، ولم يستخدموا كلمة (استخراج) أو ( إستفادة ) ، لما تحمل هذه الكلمة من معنى يلتقي وطبيعة الاجتهاد ، الذي هو بذل الجهد الفكري في الوصول إلى المطلوب ، ذلك أن كلمة ( استنباط ) تعني في لغتنا العربية : الاستخراج ولكن ببذل جهد ومعاناة فكر ، فهي ـ باختصار ـ تعني الاجتهاد .
وقد نلمس هذا الفرق بينها و بين الاستخراج في الاستعمالات اللغوية الانجليزية ، فإنها إذا كانت بمعنى الاستخراج هي Extracting وإذا كانت بمعنى الاكتشاف الذي لا يحصل ـ غالباً ـ إلاّ بالإجتهاد ، هي Discovery .
و كما رأينا : تَطوّرَ موضوع هذا العلم :
1 ـ من أدلة الفقه :
وهي كلّ ما يصلح لأن يكون مستنداً للفتوى من دليل أو أمارة أو أصل .
2 ـ إلى القواعد :
وهي القضايا الكلية التي تقع كبرى في قياس الاستنباط الفقهي .
3 ـ إلى القانون :
والقانون هو القاعدة .
4 ـ إلى العناصر المشتركة :
وهي أعم من القواعد بما يشمل كلّ عنصر مشترك له دخل مباشر في عملية الاستنباط الفقهي .
و مع هذا لا يزال الغموض يظلّل منطلقات البحث في الموضوع ، ومن ثم الموضوع نفسه ، حيث لم تقيد القواعد بإضافتها إلى ما يوضح حقيقتها ، كما في تعريفات العلوم الأخرى ، وكذلك العناصر المشتركة ، والقانون ، فبقيت غير واضحة الهوية ، يحوطها شيء من الضباب ، ويلفها شيء من التعتيم .
وما ذهب إليه الرواد الأوائل من أن موضوع أصول الفقه هو أدلّة الفقه ، أقرب إلى طبيعة المسألـة ، إلاّ أن نظرتهم انصبّت على جانب التطبيق دون النظرية .
ويرجع هذا ـ فيما أرى ـ إلى شيء من التلابس الذي وقع بين النظرية والتطبيق أثناء البحث .
ذلك أن هذا العلم من حيث النظرية يبحث في الدلالة مطلقاً : الدلالة الألسنية بأية لغة كانت ، والدلالة العقلية في كل المجتمعات البشرية .
ولكن لإضافة الأصول ( التي هي الأدلة أو القواعد أو القانون أو العناصر ) إلى الفقه ، والمراد به الفقه الإسلامي ، التمست الأمثلة وأخذت من النصوص الشرعية ، فتلابست وأُلبست النظرية بالتطبيق .
وبعد هذا العرض المقتضب نستطيع أن نقول : إن موضوع علم أصول الفقه هو الأدلة مطلقاً .
ولكن لأنّا من خلاله نحاول معرفة الدلالة الفقهية ، شرعية كانت أو عقلية ، لاستفادة الجعل الشرعي حكماً كان أو وظيفة ، يكون موضوعه ـ بشكل خاص ـ الدلالة الفقهية .
وعلى هدي منه يمكننا أن نعرفه بأنه : العلم الذي يبحث في الدلالة بعامة ، والدلالة الفقهية بخاصة . أو قل ـ باختصار ـ علم الأصول : هو دراسة أصول الاستنباط .
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العلاقة الجدلية بين التدين والفهم
الأجر الأخروي: غاية المجتمع
أمسية للشّاعرة فاطمة المسكين بعنوان: (تأمّلات في مفهوم الجمال بين الشّعر والفلسفةِ)
العظات والعبر في نملة سليمان
الكوّاي تدشّن إصدارها القصصيّ السّادس (عملاق في منزلنا)
اكتشاف أقدم أبجديّة معروفة في مدينة سوريّة قديمة
محاضرة للمهندس العلي حول الأنماط الحياتيّة من التّراث الدّينيّ
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (2)
الأمّة المستخلفة
المعنى في دُنُوِّهِ وتعاليه (1)