علمٌ وفكر

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد جواد مغنية
عن الكاتب :
الشيخ محمد جواد مغنية، ولد عام 1322ﻫ في قرية طير دبّا، إحدى قرى جبل عامل في لبنان، درس أوّلاً في مسقط رأسه ثمّ غادر إلى النجف الأشرف لإكمال دراسته الحوزوية، وحين عاد إلى وطنه، عُيّن قاضيًا شرعيًّا في بيروت، ثمّ مستشارًا للمحكمة الشرعيّة العليا، فرئيسًا لها بالوكالة. من مؤلّفاته: التفسير الكاشف، فقه الإمام الصادق(ع)، في ظلال نهج البلاغة، الفقه على المذاهب الخمسة، علم أصول الفقه في ثوبه الجديد، الإسلام والعقل، معالم الفلسفة الإسلامية، صفحات لوقت الفراغ، في ظلال الصحيفة السجادية، وسوى ذلك الكثير. تُوفّي في التاسع عشر من المحرّم 1400ﻫ في بيروت، ثمّ نُقل إلى النجف الأشرف، وصلّى على جثمانه المرجع الديني السيّد أبو القاسم الخوئي، ودُفن في حجرة 17 بالصحن الحيدري.

أصل النّفس ومصيرها

ذهب أرسطو وأكثر الفلاسفة والمتكلمين، وأهل الأديان جميعًا إلى أن النفس حادثة، وأن وجودها مقارن لوجود البدن، واستدلوا بأدلة: «منها» أن النفس لو كانت قديمة لم يلحقها نقص وفتور، لأن القديم يستقر على حال واحدة، مع أن المشاهد خلاف ذلك.

 

و«منها» أن النفس لو كانت موجودة في الأزل قبل الأبدان لكانت إما واحدة، وإما متعددة بحسب الماهية. وكلاهما باطل. لأنها إن كانت واحدة، بقيت على وحدتها بعد تعلقها بالأبدان فيلزم أن يشترك جميع الناس بالعلم والجهل، فإذا علم إنسان شيئًا فيجب أن يعلمه كل إنسان، وإذا جهل شيئًا فيجب أن يجهله كل إنسان، إذ المفروض وحدة النفس.

 

وكذا يلزم اجتماع الأضداد في الشيء الواحد حيث تكون نفس الجبان البخيل هي نفس المتهور المسرف، وهو محال. ومحال أيضًا أن تتكثر النفس عند وجود الأبدان بعد وحدتها، لأنها مجردة عن المادة، والمجرد لا يقبل النجزئة والانقسام. هذا إذا كانت واحدة في الأزل، وقبل وجود الأبدان.

 

أما إذا كانت متكثرة فلا بد أن تمتاز كل نفس عن صاحبتها بالماهية، أو باللوازم والعوارض، وإلّا لم يتحقق التعدد والتكثر. وكلا الافتراضين باطل. أما افتراض تعددها بالماهية فلأن النفس الإنسانية متحدة بالنوع اتفاقًا، ويستحيل تعددها ذاتًا. وأما افتراض تعددها بالعوارض فلأن العوارض إنما تحدث بسبب وجود المادة، ولا وجود للمادة قبل الأبدان، فلا تعدد، إذن، بالعوارض كما لا تعدد بالماهية. فيمتنع، والحال هذه، وجود النفس قبل وجود الأبدان، وبالتالي يبطل القول بقدمها.

 

وذهب أفلاطون ومن تابعه إلى أن النفس قديمة، وهذي إحدى المسائل التي وقع الخلاف فيها بين أرسطو وأفلاطون. ومن أدلة القائلين بقدم النفس أنها لو كانت حادثة لكانت غير دائمة، مع أنها باقية إلى الأبد كما ثبت بالبرهان.. وكل ما هو أبدي فهو أزلي. وأجاب صاحب الأسفار عن ذلك بأن النفس أبدية من حيث ذاتها المجردة، وغير أبدية من حيث مفارقتها للبدن بالموت، وهذا كاف لتبرير حدوثها، وعدم أزليتها.

 

مصير النفس

 

اتفق الفلاسفة والمتكلمون على أن النفس باقية بعد مفارقتها للبدن، ولكنهم اختلفوا في نوع الدليل الذي دل على أنها باقية إلى الأبد. فقال المتكلمون: إنه السمع، وزعم الفلاسفة أنه العقل. ويتخلص دليل المتكلمين بأن فناء البدن لا يوجب فناء النفس ولا بقاءها، ومجرد كونها مدبرة له، ومتصرفة فيه لا يستدعي شيئًا من ذلك. والعقل لا يلزم بالبقاء ولا بالفناء، بل يترك الأمر في ذلك إلى الشرع. وقد نص القرآن الكريم، وتواترت السنة النبوية، واجتمت الأمة على أن النفس باقية بعد فناء الجسم: «وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ».

 

واستدل الفلاسفة بالعقل على بقاء النفس بأن الفناء والفساد إنما يعرض للكائن بأحد أمرين: الأول أن يكون مركبًا من أجزاء فيفسد بانحلال أجزائه. الثاني أن يكون قائمًا بغيره فينعدم بانعدام الموضوع الذي كان قائمًا فيه، كالسواد يذهب بذهاب الجسم. وحقيقة النفس البشرية بعيدة عن كلا الأمرين، لأنها جوهر بسيط قائم بذاته، فلا أجزاء لها كي تفسد بالانحلال، ولا هي قائمة بغيرها وعارضة عليه كي تنعدم بانعدامه. وعليه فلا تكون قابلة للفساد والفناء بحال من الأحوال.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد