
يمكن أنّ نلَخّص منشأ العصمة وسببها في أمرين:
أ : إنّ الأنبياء حيث إنّهم يتمتعون بمعرفةٍ واسعةٍ بالله سبحانه، لا يَستبدلون رضاه تعالى بشيءٍ مطلقاً. وبِعبارةٍ أخرى؛ إنّ إدراكهم العميق للعظمة الإلَهيّة وللجمالِ والكمال الإلَهيّين يمنعهم من التوجّه إلى أيّ شيءٍ غير الحقّ تعالى، والتفكير في أيّ شيء غير الله سبحانه.
إنّ هذه المرتَبَة والدَّرَجة من المعرفة هي التي قال عنها الإمامُ أميرُ المؤمنين عليُ بن أبي طالب: «ما رَأَيتُ شَيئاً إلاّ وَرَأَيْتُ اللهَ قبْلَهُ، وبَعْدَهُ ومَعَهُ».(1) وقال عنها الإمام الصادقُ: «وَلكنِّي أعْبُدُهُ حُبّاً لَهُ فتلكَ عِبادةُ الكِرامِ».(2)
ب : إنّ اطّلاع الأنبياء الكامل على نتائج الطاعة وثمارها، وعلى آثار المعصية وتبعاتها السَيئة، هو سبب صيانتهم عن مخالفة الأمر الإلَهيّ.
على أنّ العصمة المطلقة مختصّة بثلَّة خاصّة من أولياء الله، إلاّ أنّ في إمكان بعض المؤمنين الأتقياء أنْ يكونوا معصومين عن ارتكاب المعصية في قسم عظيمٍ من أفعالهم، فالفَرد المتّقي مثلاً، لا يُقدم على الاِنتحار، أو قتل الأبرياء أبداً.(3) بل وحتّى بعضُ الأشخاص العاديّين يتمتعون بالعصمة عن بعض الذنوب، وللمثال لا يُقدمُ أيُّ شخص على لمس سلك كهربائي فعّال تجنباً من الصَعق بالتيار الكهربائي.
ومن البَيّن أنّ العصمة في هذه الموارد ناشئ من العِلم القطعيّ بآثار عمله السيئة، فإذا كان مثل هذا العِلم حاصلاً للشخص في مجال تبعات الذنوب الخطيرة جداً أيضاً، كان ذلك موجباً حتماً لصيانة الشخص عن المعصية. ونَظَراً لمَنشأ العصمة نُذَكّر بأنّ العصمة لا تنافي اختيار المعصوم، وكونه حرّاً في إرادته، بل إنّ الشخصَ المعصومَ مع مَعرفته الكاملة بالله، وبآثار الطاعة والمعصية ونتائجهما، يمكنه أنّ يرتكب المعصية وإنْ لم يستخدم هذه القدرة، مثل الوالد الحنون الذي يقدر على قتل ابنه، ولكنّه لا يفعل ذلك أبَداً.
وأوضحُ من ذلك هو عدمُ صدور القبيح من الله تعالى، فإنَّ الله القادرَ المطلَق يمكنه أن يُدخلَ الصالحين المطيعين في جهنم، أو يُدخِل العاصِين في الجنة، إلاّ أنّ عدلَه وحكمته يمنعان من القيام بمثل هذا العمل.
ومِن هذا البيان يتضح أَنَّ تركَ المعصية والتزام الطاعة، والعبادة، يُعتبران مفخرة كبرى للأنبياء، لأنّهم مع كونهم قادرين على ترك الطاعة، وفعل المعصية، لا يفعلون ذلك اختياراً، وبإرادةٍ منهم.
ولكن نحن مع اعتقادنا بعصمة جميع الأنبياء لا نرى أنّ العصمة تلازم النبوّة، أي أنّنا لا نرى أنّ كل معصومٍ هو نبيٌّ بالضرورةِ، وإنْ كان كلّ نبيٍّ معصوماً بالضرورة، فربّ إنسان معصومٌ ولكنّه ليس بِنبيّ، فها هو القرآنُ الكريم يقول حول السيدة مريم: {يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 42].
إنّ استخدامَ القرآن الكريم للفظة «الاصطفاء» في شأن السيّدة مريم يَدلُّ على عِصمتها لأنّ نفسَ هذه اللَّفظة «الاصطفاء» استخدمت في شأن الأنبياء سلامُ الله عليهم أيضاً: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران: 33].
هذا مضافاً إلى أنّ الآية قد تحدَّثتْ حول طهارة السيدة مريم، والمقصود هو طهارتها من أيّ نوع من أنواع الرجْس، والمعصية، وليست هذه الطهارة والبراءة هو براءتها من الذنب الذي رَمَتْها اليهودُ به في مجال ولادة عيسى منها من دون والدٍ، لأنّ تبرئة مريم من هذه المعصية ثبتت في الأيّام الاُولى لولادة عيسى بتكلُّمه (4) فلم تعُدْ حاجة إلى بيان ذلك مجدّداً. أضف إلى ذلك أنّ الآية تتحدّث عن مريم قبل أن تحمل بالمسيح، حيث جاء حديث حملها له عبر هذه الآية فلاحظ.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بحار الأنوار 70 | 22 .
(2) المصدر السابق: 70 | 18 ضمن الحديث 9.
(3) . قالَ الإمامُ عليُ بن أبي طالب عن هذا الفريق: «هُم والجَنّةُ كَمَنْ قَدْ رآها فَهُمْ فيها مُنَعَّمون، وَهُمْ والنّارُ كَمَنْ قد رَآها فَهُمْ فيها مُعَذَّبُون» نهج البلاغة، الخطبة رقم 193 الموجّهة إلى همّام.
(4) «فَأشارَتْ إليه...» مريم | 29 .
هل حان الوقت لتصنيف مرض الزهايمر على أنه مرض السكري من النوع الثالث؟
عدنان الحاجي
معنى (قضى) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
النّفاق والتّظاهر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
في رحاب بقية الله: عقيدة النجاة
الشيخ معين دقيق العاملي
حياتنا بين البخل والترف
الشيخ حسين مظاهري
التمهيد إلى ميتافيزيقا إسلاميّة بَعديّة (4)
محمود حيدر
ما الذي ينقصنا في عصر المعرفة؟
السيد عباس نور الدين
انظر.. تبصّر.. هو الله
الشيخ شفيق جرادي
قرية كافرة بأنعم الله
الشيخ محمد جواد مغنية
لا مُعين سواه
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيدة الزهراء: وداع في عتمة الظلمات
حسين حسن آل جامع
واشٍ في صورة حفيد
حبيب المعاتيق
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
هل البكتيريا تأكل البلاستيك حقًّا؟
هل حان الوقت لتصنيف مرض الزهايمر على أنه مرض السكري من النوع الثالث؟
(ما رأيت إلّا جميلاً) باكورة أعمال الكاتبة نور الشخص
معنى (قضى) في القرآن الكريم
النّفاق والتّظاهر
في رحاب بقية الله: عقيدة النجاة
حياتنا بين البخل والترف
ندوة بعنوان: كيف تؤثّر الفلسفة في الأدب؟ لنادي أطياف الأدبيّ
تجهيز البيت: بين البساطة والتكلّف
الإيمان والعمل الصالح