قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [الأنفال : 20 - 23] .
تدعو هذه الآيات المسلمين إلى الطاعة التامة لأوامر الرّسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) في السلم أو الحرب أو في أي أمر آخر، وأسلوب الآيات فيه دلالة على تقصير بعض المؤمنين في التنفيذ والطاعة، فتبدأ بالقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ). وتضيف لتؤكّد الأمر من جديد : (وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ).
لاشك في أنّ إطاعة أوامر الله تعالى واجبة على الجميع، المؤمنين وغير المؤمنين، ولكن بما أنّ المخاطبين والمعنيين بهذا الحديث التربوي هم المؤمنون فلهذا كان الكلام في هذه الآية الشريفة موجهاً إليهم.
الآية الثّانية: تؤكّد هذا المعنى أيضاً فتقول : (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ).
إنّ هذا التعبير الطريف يُشير للذين يعلمون ولا يعملون، ويسمعون ولا يتأثرون، وفي ظاهرهم أنّهم من المؤمنين، ولكنّهم لا يطيعون أوامر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فهؤلاء لهم آذان سامعة لكل الأحاديث ويعون مفاهيمها، وبما أنّهم لا يعملون بها ولا يطبقونها فكأنّهم صمُّ لا يسعمون، لأنّ الكلام مقدمة للعمل فلو عدم العمل فلا فائدة من أية مقدمة.
وأمّا المراد من هؤلاء الأشخاص الذين يحذّر القرآن المسلمين لكيلا يصيروا مثلهم، فيرى بعض أنّهم المنافقون الذين اتخذوا لأنفسهم مواقع في صفوف المسلمين، وقال آخرون: إنّما تشير إِلى طائفة من اليهود، وذهب بعض بأنّهم المشركون من العرب. ولا مانع من انطباق الآية على هذه الطوائف الثلاث، وكل ذي قول بلا عمل.
ولما كان القول بلا عمل، والاستماع بلا تأثر، أحد الأمراض التي تصّاب بها المجتمعات، وأساس الكثير من التخلفات، فقد جاءت الآية الأخرى لتؤكّد على هذه المسألة بأُسلوب آخر، فقالت: (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ).
ولمّا كان القرآن كتاب عمل فإنّه ينظر إِلى النتائج دائماً، فيعتبر كل موجود لا فائدة فيه كالمعدوم، وكل حي عديم الحركة والتأثير كالميت، وكل حاسّة من حواس الانسان مفقود إذا لم تؤثر فيه تأثيراً إيجابياً في مسيرة الهداية والسعادة، وهذه الآية اعتبرت الذين لهم آذن سالمة لكنّهم لا يستمعون لآيات الله ودعوة الحق ونداء السعادة، كمن لا أذن له ولا سمع لديه، والذين لهم ألسنة سالمة لكنّها ساكتة عن الدعوة إِلى الحق ومكافحة الظلم والفساد، فلا يأمرون بمعروف ولا ينهون عن منكر، بل يضيعون هذه النعمة في التملق والتذلل أمام الطواغيت أو تحريف الحق وتقوية الباطل، فهؤلاء كمن هو أبكم لا يقدر على الكلام، وكذلك الذين يتمتعون بنعمة الفكر والعقل ولكنّهم لا يصححون تفكيرهم، فهؤلاء في عداد المجانين.
وتقول الآية بعدها إن الله لا يمتنع من دعوة هؤلاء إن كانوا صادقين في طلبهم وعلى استعدا لتقبل الحق: (وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأسمعهم).
وقد ورد في الرّوايات أنّ بعض عبدة الأصنام جاؤوا النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وقالوا : إذا أخرجت لنا جدنا الأكبر (قصي بن كلاب) حيّاً من قبره ، وشهد لك بالنبوة ، فسوف نسلم جميعاً! فنزلت الآية لتقول: إنّه لو كان حديثهم صادقاً لفعل الله ذلك لهم بواسطة المعجزة، لكنّهم يكذبون ويأتون بأعذار واهية، بهدف التخلص من الإِذعان لدعوة الحق....
ويقول تعالى: (ولو أسمعهم لتولوا وهو معرضون). فالذين سمعوا دعوة الحق كثيراً، وبلغت آذانهم آيات القرآن، وفهموا مضامينها العالية، لكنّهم أنكروها بسبب عتوهم وعصبيّتهم، فهم غير مؤهلين للهداية لما اقترفت أيديهم، ولا شأن بعدئذ لله ورسوله بهم، فهم في ظلام دامس وضلال بهيم.
كما أنّ هذه الآية تعد جواباً قاطعاً للقائلين بمدرسة الجبر، لأنّها تقرر بأن يكمن في الانسان نفسه وأنّ الله يعامل الناس بما يبدونه من أنفسهم من استعداد وقابلية في طريق الهداية.
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد جعفر مرتضى
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد هادي معرفة
محمد رضا اللواتي
السيد عباس نور الدين
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
عبدالله طاهر المعيبد
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
الذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون!
ارتباط الوجود وأركانه بالأسماء الإلهيّة
ChatGPT قد يُفسد العقل، لكنّ الحقيقة قد تكون أعقد من ذلك بكثير
ما هذا البكاء؟!
النّخبة من أنصار الحسين عليه السّلام
التخطيط للبكاء في عاشوراء
مع الحسين (ع) من مكة إلى كربلاء (1)
قصة أصحاب الكهف في القرآن
إحياء الموسم الحسيني... حياة
دقائق في القرآن هي روائع في التعبير (6)