
محتوى السورة:
الإنسان معرض دائماً لوساوس الشيطان، وشياطين الجن والإنس يسعون دائماً للنفوذ في قلبه وروحه، ومقام الإنسان في العلم مهما ارتفع، ومكانته في المجتمع مهما سمت يزداد تعرضه لوساوس الشياطين ليبعدوه عن جادة الحق. وليبيدوا العالم بفساد العالِم.
هذه السورة تأمر النبي صلى الله عليه وآله باعتباره القدوة والأسوة أن يستعيذ باللَّه من شرّ الموسوسين. محتوى هذه السورة شبيه بمحتوى سورة الفلق، فكلاهما يدوران حول الاستعاذة باللَّه من الشرور والآفات، مع فارق أنّ سورة الفلق تتعرض لأنواع الشرور، وهذه السورة تركز على شرّ (الوسواس الخناس).
فضيلة تلاوة السورة:
في المجمع عن الفضل بن يسار قال: سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: «إنّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله اشتكى شكوى شديدة، ووجع وجعاً شديداً، فأتاه جبرائيل وميكائيل عليهما السلام، فقعد جبرائيل عليه السلام عند رأسه وميكائيل عند رجليه، فعوّذه جبرائيل بقل أعوذ بربّ الفلق وميكائيل بقل أعوذ بربّ الناس».
قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)
بربّ الناس أعوذ:
في هذه السورة يتجه الخطاب إلى رسول اللَّه صلى الله عليه وآله باعتباره الأسوة والقدوة: «قُلْ أَعُوذُ بِرَبّ النَّاسِ * مَلِكِ النَّاسِ * إِلهِ النَّاسِ». يلاحظ أنّ الآيات ركزت على ثلاث من صفات اللَّه سبحانه هي (الربوبية والمالكية والألوهية) وترتبط كلّها ارتباطاً مباشراً بتربية الإنسان ونجاته من براثن الموسوسين.
المقصود من الاستعاذة باللَّه ليس طبعاً ترديد الاستعاذة باللسان فقط، بل على الإنسان أن يلجأ إليه جلّ وعلا في الفكر والعقيدة والعمل أيضاً، مبتعداً عن الطرق الشيطانية والأفكار المضللة الشيطانية، والمناهج والمسالك الشيطانية والمجالس والمحافل الشيطانية، ومتجهاً على طريق المسيرة الرحمانية، وإلّا فإنّ الإنسان الذي أرخى عنان نفسه تجاه وساوس الشيطان لا تكفيه قراءة هذه السورة ولا تكرار ألفاظ الاستعاذة باللسان.
على المستعيذ الحقيقي أن يقرن قوله «ربّ الناس» بالاعتراف بربوبية اللَّه تعالى، وبالانضواء تحت تربيته؛ وأن يقرن قوله «ملك الناس» بالخضوع لمالكيته، وبالطاعة التامة لأوامره؛ وأن يقرن قوله: «إله الناس» بالسير على طريق عبوديته، وتجنب عبادة غيره.
ومن كان مؤمناً بهذه الصفات الثلاث؛ وجعل سلوكه منطلقاً من هذا الإيمان فهو دون شك سيكون في مأمن من شرّ الموسوسين. هذه الأوصاف الثلاثة تشكل في الواقع ثلاثة دروس تربوية هامّة... ثلاث سبل وقاية... وثلاث طرق نجاة من شرّ الموسوسين، إنّها تؤمن على مسيرة الإنسان من الأخطار.
«مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ * الَّذِى يُوَسْوِسُ فِى صُدُورِ النَّاسِ». «الوسواس»: أصلها - كما يقول الراغب في المفردات - صوت الحُلي (اصطكاك حلية بحلية)، ثم أطلق على أي صوت خافت، ثم على ما يخطر في القلب من أفكار وتصورات سيئة، لأنّها تشبه الصوت الباهت الذي يوسوس في الأذن.
«الوسواس»: مصدر، ويأتي بمعنى اسم الفاعل بمعنى الموسوس، وهي في الآية بهذا المعنى. «الخنّاس»: صيغة مبالغة من الخنوس وهو التراجع، لأنّ الشياطين تتراجع عند ذكر اسم اللَّه؛ والخنوس له معنى الاختفاء أيضاً، لأن التراجع يعقبه الاختفاء عادة. فقوله سبحانه: «مِن شَرّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ». أي: أعوذ باللَّه من شرّ الموسوس ذي الصفة الشيطانية الذي يهرب ويختفي من ذكر اسم اللَّه.
عمل الشيطان هو التزيين، وإخفاء الباطل تحت طلاء الحق، والكذب في قشر من الصدق، والذنب في لباس العبادة، والضلال خلف ستار الهداية. وبإيجاز، الموسوسون متسترون، وطرقهم خفية، وفي هذا تحذير لكل سالكي طريق اللَّه أن لا يتوقعوا رؤية الشياطين في صورتهم الأصلية، أو رؤية مسلكهم على شكله المنحرف. أبداً... فهم موسوسون خناسون... وعملهم الحيلة والمكر والخداع والتظاهر والرياء وإخفاء الحقيقة.
جملة «مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ» تنبيه على حقيقة هامّة هي أنّ « الوسواس الخناس» لا ينحصر وجوده في مجموعة معينة، ولا في فئة خاصة، بل هو موجود في الجن والإنس... في كل جماعة وفي كل ملبس، فلابدّ من الحذر منه أينما كان، والاستعاذة باللَّه منه في كل أشكاله وصوره.
أصدقاء السوء، والجلساء المنحرفون، وأئمة الظلم والضلال، والولاة الجبابرة الطواغيت، والكتاب والخطباء الفاسدون، والمدارس الإلحادية والالتقاطية المخادعة، ووسائل الإعلام المزوّرة الملفّقة، كلّها هي وأمثالها تندرج ضمن المفهوم الواسع للوسواس الخناس وتتطلب من الإنسان أن يستعيذ باللَّه منها.
في أمالي للشيخ الصدوق عن الإمام جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام قال: «لمّا نزلت هذه الآية: «وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ» [آل عمران : 135] صعد إبليس جبلًا بمكة يقال له ثور، فصرخ بأعلى صوته بعفاريته فاجتمعوا إليه فقالوا: يا سيّدنا لم دعوتنا؟ قال: نزلت هذه الآية، فمن لها؟ فقام عفريت من الشياطين، فقال: أنا لها بكذا وكذا. قال: لست لها. فقام آخر فقال مثل ذلك، فقال: لست لها. فقال الوسواس الخناس: أنا لها. قال: بماذا؟ قال: أعدهم وأمنيهم حتى يواقعوا الخطيئة، فإذا واقعوا الخطيئة أنسيتهم الاستغفار، فقال: أنت لها، فوكّله بها إلى يوم القيامة».
شكل القرآن الكريم (2)
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الهداية والإضلال
الشيخ شفيق جرادي
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
محمود حيدر
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
السيد عباس نور الدين
الذنوب التي تهتك العصم
السيد عبد الأعلى السبزواري
كلام في الإيمان
السيد محمد حسين الطبطبائي
الإسلام أوّلاً
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
لا تجعل في قلبك غلّاً (2)
السيد عبد الحسين دستغيب
معنى (لمز) في القرآن الكريم
الشيخ حسن المصطفوي
التحسس الغلوتيني اللابطني لا علاقة له بمادة الغلوتين بل بالعامل النفسي
عدنان الحاجي
اطمئنان
حبيب المعاتيق
الحوراء زينب: قبلة أرواح المشتاقين
حسين حسن آل جامع
أيقونة في ذرى العرش
فريد عبد الله النمر
سأحمل للإنسان لهفته
عبدالله طاهر المعيبد
خارطةُ الحَنين
ناجي حرابة
هدهدة الأمّ في أذن الزّلزال
أحمد الرويعي
وقف الزّمان
حسين آل سهوان
سجود القيد في محراب العشق
أسمهان آل تراب
رَجْعٌ على جدار القصر
أحمد الماجد
خذني
علي النمر
أظافر قدميك تكشف إذا كنت تعرضت لسبب غير مرئي لسرطان الرئة
شكل القرآن الكريم (2)
الهداية والإضلال
حقّانية المثنّى كمبدأ أنطولوجي (5)
كيف ننمّي الذكاء الاجتماعي في أولادنا؟
(قضايا مأتميّة) الكتاب الإلكترونيّ الأوّل للشّاعر والرّادود عبدالشهيد الثور
مركز (سنا) للإرشاد الأسريّ مشاركًا خارج أسوار برّ سنابس
شروق الخميس وحديث حول الأزمات النّفسيّة وتأثيرها وعلاجها
نشاط غير عادي في أمعائنا ربما ساعد أدمغتنا أن تنمو أكبر
الذنوب التي تهتك العصم