قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ حسن المصطفوي
عن الكاتب :
من علماء إيران المعاصرين، ولد سنة 1336هـ وتوفي يوم الإثنين 20 جمادي الأولى 1426 هـ عن تسعين سنة، حاصل على شهادة الدكتوراه من كلية الالهيات في تبريز ( المعقول والمنقول). له مؤلفات عديدة منها: rn(التحقيق في كلمات القرآن).

معنى كلمة (نهى) في القرآن الكريم

‌مصبا- نهيته عن الشي‌ء أنهاه نهيًا فانتهى عنه، ونهوته نهوًا لغة، ونهى اللّه تعالى، أي حرّم. والنهية: العقل لأنّها تنهى عن القبيح، والجمع نهى مثل مدية ومدى. ونهاية الشي‌ء: أقصاه وآخره. ونهايات الدار: حدودها وهي أقاصيها وأواخرها. وانتهى الأمر: بلغ النهاية وهي أقصى ما يمكن أن يبلغه. وأنهيت الأمر إلى الحاكم: أعلمته به. وناهيك بزيد فارسًا: كلمة تعجّب واستعظام، قال ابن فارس: هي كما يقال حسبك، وتأويلها أنّه غاية تنهاك عن طلب غيره.

 

مقا- نهى: أصل صحيح يدلّ على غاية وبلوغ، ومنه أنهيت إليه الخبر: بلّغته إيّاه. ونهاية كلّ شي‌ء: غايته. ومنه نهيته عنه، وذلك لأمر يفعله. فإذا نهيته فانتهى عنك فتلك غاية ما كان وآخره. وناقة نهيّة: تناهت سمنا. والنهية: العقل، لأنّه ينهى عن قبيح الفعل، والجمع نهى. وطلب الحاجة حتّى نهى عنها: تركها ظفر بها أم لا، كأنّه نهى نفسه عن طلبها. والنهى: الغدير، لأنّ الماء ينتهى إليه.

 

ويقال: إنّ نهاء النهار ارتفاعه. العين 4/ 93- النهى: خلاف الأمر، تقول نهيته عنه.

 

والتحقيق

 

أنّ الأصل الواحد في المادّة: هو طلب ترك شي‌ء وهذا يقابله الأمر وهو طلب الفعل. والطلب فعلاً أو تركًا أعمّ من أن يكون بقول أو بعمل أو بالتكوين، كما مرّ في الأمر. فالنهي بالقول: كما في: {يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران : 104] والنهى بالعمل: كما في: {أَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [النازعات : 40] {إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} [العنكبوت : 45] والنهى بالتكوين: كما في: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى} [طه : 128]. {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم : 42] فإنّ النهى جمع النهية على وزن اللقمة، وبمعنى ما ينهى به أي ما يطلب به الترك والكفّ عمّا يلزم تركه عقلاً وشرعًا، كالعقل، والعلم، والعزم، والبصيرة، وغيرها. كما ورد في الكتاب الكريم- أولوا الألباب، أولوا العلم، أولوا العزم من الرسل، أولوا الأبصار.

 

فإنّ هذه الأمور إذا كانت راسخة في النفوس وتتكوّن النفوس بها في أوّل تكوينها أو ثانيًا: أوجبت الكفّ عمّا ينكر. وأمّا الانتهاء: فهو افتعال من النهى ويدلّ على المطاوعة والأخذ واختيار النهى. والمطاوعة في النهى وقبوله معناها التوقّف وحفظ النفس والوقاية وجعل الحركة والعمل محدودًا وآخر لا يتجاوز عنه.

 

وهذا الانتهاء إمّا اختياريّ: كما في: {وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى} [النجم : 42]. بالنظر إلى العبد. وإمّا طبيعيّ: كما في حدود الدار وأواخرها في الخارج. ففي الآية إذا كان النظر إلى نفس المنتهى من حيث هو، بمعنى اسم المكان، كما في قوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى} [النجم : 13، 14] فيكون الانتهاء في نفس المحّلّ طبيعيًّا. وإذا كان النظر الى الانتهاء، بمعنى المصدر: فيكون الانتهاء في العمل والسير من العبد.

 

ومن هذا المعنى: مفهوم النهاية بمعنى الأقصى والآخر للشي‌ء طبيعيًّا، فإنّ حدود الشي‌ء تختار بالطبع وباقتضاء الذات بكونها متروكة فيها‌ فظهر أنّ طلب الترك وإرادة كون أمر متروكًا: عبارة عن تحديده وتماميّته وانتهائه إلى ذلك الحدّ من دون إدامة فيه.

 

{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: 7]. {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ} [يس : 18]. {قَالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ} [الشعراء : 116] يراد المطاوعة في النهى والأخذ به، بمعنى اختيار الترك، وإتمام العمل، والتوقّف فيما كانوا عليه، والانتهاء إلى هذا الحدّ. والتناهي: لمطاوعة المفاعلة، وصيغتها تدلّ على الامتداد والاستمرار، بخلاف الانتهاء فهو لمطاوعة فعل مجرّدًا.

 

{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة : 78، 79] التعبير بهذه الصيغة للإشارة في المورد إلى استمرار عملهم بالمنكرات وعدم مطاوعتهم عن النواهي في امتداد حياتهم.

 

وأمّا الإنهاء المستعمل في القراءة وجريان الأمور: فهو مأخوذ من النهاية والإتمام، فيقال: أنهيت الأمر إلى الحاكم، وأنهيت القراءة والمقابلة والتصحيح إلى هنا، يراد الختم والإتمام والانتهاء إلى هنا، فكأنّ استمرار النزاع والخلاف والتدافع كان ممنوعًا عقلاً أو عرفًا أو شرعًا، فانتهى وطوع النهى. وكذلك إرسال الكتاب وإطلاقه من دون مقابلة وتصحيح، فطوع في النهى وانتهى.

 

وقلنا إنّ النهى قد يكون بالطبيعة وبالذات وبالتكوين.

____________
- مصبا = مصباح المنير للفيومي ، طبع مصر 1313 هـ .

‏- مقا = معجم مقاييس اللغة لابن فارس ، ٦ ‏مجلدات ، طبع مصر . ١٣٩ ‏هـ.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد