المسألة:
ما المقصود بالتهلكة في الآية الكريمة: ﴿وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾(1) وما هو سبب نزولها؟
الجواب:
مفاد الآية بمقتضى السياق:
الظاهر من مساق الآيات التي سبقت هذه الآية أنَّ مجموع ما نزل من قوله تعالى: ﴿وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ﴾ إلى قوله تعالى: ﴿وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ ظاهرُ مساق مجموع هذه الآيات أنَّها نزلت جملة واحدة لغرض الحثَّ على مقاتلة مشركي مكة ثم تصدَّت لبيان بعض الخصوصيات والتفاصيل المرتبطة بذلك، ومنها ما أفادته هذه الآية حيث إنها حثّت على الإنفاق في سبيل الله لغرض تعبئة المقاتلين وتأمين مؤنهم وعتادهم وأسلحتهم وحذَّرت من أنَّ عدم الإنفاق لهذه الغاية يُنتج الضعف والوهن للمسلمين، وهو ما يؤدي إلى هلاكهم على أيدي أعدائهم من المشركين، فالآية تدعو للإنفاق، فهو وسيلةٌ لحمايتهم وعدمُه يكون سبباً لهلاكهم.
ثم إنَّ الآية وإنْ نزلت في سياق الأمر بالقتال والإنفاق لدعم المجهود الحربي، إلا أنَّها لا تختص بموردها بل هي عامة، فكلُّ موردٍ يُوجب اقتحامه أو مزاولته الوقوع في التهلكة فهو منهي عنه في الآية الشريفة.
تطبيق الآية على موارد عديدة:
والتهلكة من الهلاك وهي تعني الزوال والضياع، وهي تُطلق على كلّ ما يُسبّب هلاك النفس أو المال، ولذلك ورد تطبيقها في الروايات على التعرّض للسلطان الغاشم مع عدم القدرة على الامتناع منه (2)، فإنَّ في ذلك إهلاكًا للنفس، وورد تطبيقها على الإسراف والتبذير في النفقة إلى حدّ ضياع المال وتبذيره (3)، وورد تطبيقها على مخالفة التقية(4) لأن في ذلك إيقاعًا للنفس في التهلكة، وكذلك فإنّ مقارفة الذنوب تعريض للنفس إلى التهلكة، إذ إنّ الذنوب تستوجب العذاب الإلهي يوم القيامة وقد تستوجبه في الدنيا أيضاً، وليس فوق ذلك تهلكة، ولذلك ورد في القرآن الكريم: ﴿وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ﴾ (5).
وقال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾(6) وفي آية أخرى: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (7).
وروى الكليني في الكافي عن أمير المؤمنين (ع) أنه قال: "إنما هلك مَن كان قبلكم بما عملوا من المعاصي ولم ينههم الربانيون والأحبار عن ذلك" (8).
روى الشيخ الطوسي في الاستبصار والتهذيب عن أمير المؤمنين (ع) قال: "هلك الناس في بطونهم وفروجهم" (9)
وروي عن النبي (ص): "ثلاث مُهلِكات: هوىً متبع وشحٌ مطاع وإعجابُ المرء بنفسه" (10)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة آل عمران آية رقم 7.
2- تحف العقول - ابن شعبة الحراني - ص209، الأمالي- الشيخ الصدوق- ص418.
3- الكافي - الشيخ الكليني- ج4 ص53.
4- من لا يحضره الفقيه - الشيخ الصدوق - ج2 ص127، وسائل الشيعة (آل البيت) - الحر العاملي - ج16 ص213 باب 24 من كتاب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ح36.
5- سورة الأنعام آية رقم 26.
6- سورة الأنعام آية رقم 47.
7- سورة الأحقاف آية رقم 35.
8- الكافي- الشيخ الكليني- ج5 ص57.
9- الاستبصار- الشيخ الطوسي- ج2 ص89، تهذيب الأحكام- الشيخ الطوسي- ج4 ص137، علل الشرائع- الشيخ الصدوق-ج2 ص377.
10- وسائل الشيعة (آل البيت)- الحر العاملي- ج1 ص102 باب 23 من أبواب مقدمة العبادات ح12.
السيد جعفر مرتضى
الشيخ جعفر السبحاني
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد صنقور
الشيخ حسن المصطفوي
السيد عبد الأعلى السبزواري
الشيخ محمد مهدي النراقي
الفيض الكاشاني
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
ما المقصود بالقِدَم؟
صفة الذّات وصفة الفعل
علاقة المجاز العقلي في القرآن
معنى قوله تعالى ﴿وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إلى التَّهْلُكَةِ﴾
منتدى الكوثر الأدبي بالقطيف يعلن انطلاق المشاركة بمسابقة (رئة الوحي) بنسختها الثامنة
مع الشيعة في عقائدهم
تناول وجبة واحدة غنية بالدهون قد يُعيق تدفق الدم إلى الدماغ
ابن الحنفية وتوهُّم الإمامة!
العدل في الكتاب والسّنّة
بيان الصفات الثبوتية