وممّا يلفت الانتباه قوله في نهاية الآية: «سَواءً لِلسَّائِليْنَ»، فلعلّه إشارة إلى هذا المعنى، وهو أنّ المواد الغذائية تعادل ما يحتاجه السائلون والمحتاجون تماماً، ويمكن أن يكون تعبير «السائلين» إشارة إلى كافة الحيوانات والناس والنباتات (وإذا جاء بصيغة جمع المذكر للعاقل فهو من باب التغليب) نعم فالكل يسأل عن «الاقوات» بلسان حاله.
و «أقوات»: جمع (قوت) وتعني الغذاء، وقد فسَّرها بعض المفسرين ب «الأمطار» فقط، والبعض الآخر فسَّرها بالمواد الغذائية المدَّخرة في باطن الأرض، إلّا أنّ الظاهر هو أنّها إشارة إلى كافة المواد الغذائية التي تخرج من الأرض أو التي تنمو عليها، ولعلَّ التعبير ب «قَدَّرَ» وهي من «التقدير»، إشارة إلى أنّه قد تمّ تقدير وتخطيط كافة احتياجات الإنسان وبقية الموجودات قبل خلقها. وقد ورد مضمون الآية السابعة في الآيات الآنفة.
وأشار في الآية الثامنة إلى أربع نِعَمٍ الهية: فالأرضُ مستقرةٌ بنحوٍ يستطيع الإنسان والموجودات الأخرى من العيش عليها براحةٍ واطمئنان، وتكوين الأنهار التي تشق سطح الأرض، وخلق الجبال العظيمة الراسخة، وتكوين البرزخ بين البحرين (من الماء العذب والمالح) كي لا يختلط أحدهما بالآخر.
وهذه النعم الأربع ترتبط مع بعضها بنحوٍ مدهش، فالجبال أساسُ استقرار الأرض، ومصدر مياه الأنهار، وهذه الأنهار عندما تصب مياهها في البحر فهي تبقى منفصلة بواسطةِ حاجزٍ غير منظورٍ لفترة طويلة لا تختلط مع المياه المالحة، وهذا الحاجز ليس سوى اختلاف كثافة الماء «المالح» و «العذب»، وبتعبير آخر إنّ اختلاف كثافتهما يؤدّي إلى عدم امتزاج مياه الأنهار العذبة بالمياه المالحة لمدّة طويلة، ولهذا فائدة ضرورية للزراعة في المناطق الساحلية، لأنَّ هذه المياه العذبة تتراجع إلى الخلف عن طريق المد والجزر وتُغطي معظم الأراضي الزراعية فتغمر البساتين النَظِرة والمزارع المزدهرة. فليس جزافاً أن يقول في نهاية هذه الآية: «أَإِلهٌ مَّعَ اللَّهِ»؟ «بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَايَعْلَمُونَ».
أَجَلْ ... فهؤلاء يجهلون أسرار هذه النِعَم والبركات، النِعَمُ الموجودة في كل زوايا وبقاع العالم، وكلٌ منها برهانٌ على تلك الذات المقدّسة، إلّا أنّ هؤلاء الجهلةَ محجوبون عنها.
وفي الآيتين التّاسعة والعاشرة أشار إلى مجموعةٍ اخرى من خصائص ومنافع الجبال، فبعد أنْ ذكرَ خلقَ الجبال التي تقي الإنسان حرارة الشمس المحرقة، يشير إلى الملاجئ الموجودة فيها حيث يقول: «وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الْجِبَالِ أَكْنَاناً».
و «الأكنان»: جمع (كِنّ) على وزن (جِنّ) وكما قال صاحب مجمع البيان هو المكان الذي يضم الإنسان بداخله، إلّا أنّ البعض ذكر ذلك بمعنى كلّ نوعٍ من اللباس، حتى أنّهم اعتبروا «الرداء» «كنّاً» للإنسان، والمقصود ب «أكنان الجبال» المغارات والكهوف التي يستطيع الإنسان أن يستخدمها كملجاً له، قد تكون أهميّة الملاجئ الجبلية والمغارات مجهولة بالنسبة لسكنة المدن، غير أنّها ذات أهميّة حسّاسة جدّاً للمسافرين العُزّل، وقاطعي الصحراء، والرعاة، والسائرين ليلًا، وغالباً ما تنقذهم من الموت المحتوم، لا سيما وإنَّ هذه الملاجيء دافئة في الشتاء وباردةٌ في الصيف.
فضلًا عن ذلك فإنّ بعض الناس منذ غابر الأزمان وحتى يومنا هذا ينحتون بيوتهم في وسط الجبال، وهي مُحكَمَةٌ جدّاً وآمنة تماماً في مواجهة الحوادث الطبيعية، كما ورد في القرآن الكريم حول «أصحاب الحجر» (قوم ثمود): «وَكَانُوا يَنْحِتُوْنَ مِنَ الجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِيْنَ». (الحجر/ 82) وهذه فائدة أخرى للجبال.
وفي قسمٍ آخر من هذه الآيات إشارة إلى الطرق التي صنعها الباري تعالى بألوانٍ مختلفة بيضاء وحمراء وأحياناً سوداء بكاملها: «وَمِنَ الجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وحُمْرٌ مُختَلِفٌ أَلوانُهَا وغَرابِيبُ سُودٌ».
و«جُدَدٌ»: جمع (جُدّة) (كغُدَدٌ وغُدَّة) بمعنى الطريق والجادّة، و«بِيضٌ» جمع «أبيض»، و«حُمر» جمع «أحمر»، و«غرابيب» جمع «غربيب» وتعني شديد السواد، ولهذا يقال «غراب»، و«سود» جمع «أسود» ووردت هنا بعد كلمة «غرابيب» للتأكيد.
فطرقُ الجبال المختلفة، بألوانها المتباينة تماماً، لها أهميّة كبيرة حيث تساعد المسافرين في العثور على مقاصدهم، وتنقذهم من التيه، إضافة إلى أن تعدُّد الألوان يدلُّ على اختلاف مركبات الصخور، وقد تكون دليلًا على وجود المعادن المختلفة التي تختفي فيها.
يستفاد جيداً من تسلسل هذه الآيات أنّ خلق الجبال بفوائدها الحياتية والضرورية جدّاً والمصيرية، من البراهين المهمّة على علم وقدرة الباري تعالى وآيات حكمته ورأفته بالإنسان، ويوضح جيداً أن خلقَ هذا العالم وذرات موجوداته، مليءٌ بالمعنى والمحتوى إلى حدٍ كلمّا تم التمعُن به تنكشفُ للإنسان أسرارٌ جديدة ويتولد على أثرها حبٌ وارتباطٌ بالخالق جلَّ وعلا.
السيد جعفر مرتضى
الشيخ شفيق جرادي
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الدكتور محمد حسين علي الصغير
الشيخ محمد صنقور
الشيخ علي رضا بناهيان
الشيخ محمد مهدي الآصفي
حبيب المعاتيق
فريد عبد الله النمر
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
ناجي حرابة
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
رحلة النبي (ص) إلى الشّام وبحيرا
إدارة الظنّ
معنى (عزل) في القرآن الكريم
آيات الله في خلق الجبال (2)
أخبار علميّة متنوّعة
عقبات في طريق الزواج
أسرار الغيبة والوعد الإلهيّ (2)
اختتام حملة التّبرّع بالدّم (ومن أحياها) بنسختها الرّابعة والعشرين
علماء يكتشفون أن الكافيين يُفعّل مفتاحًا خلويًّا قد يُبطئ الشيخوخة
أيها الشباب احذروا