السيد جعفر مرتضى ..
إن القرآن الكريم قد أعلن عجز الإنسان عن اختراق السماء، فقال تعالى: ﴿يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَ بِسُلْطَان * فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ﴾(1).
وهذا الإنسان قد وصل إلى القمر.. وإلى المريخ، وهو يبذل محاولات في مجالات أخرى أيضاً، فكيف نفسر ذلك..
... إن الألفاظ إنما وضعت لمعانٍ يدركها الإنسان وهي بالدرجة الأولى المعاني المحسوسة، بالبصر أو السمع أو اللمس.. ثم المعاني القريبة من الحس، كالكرم، والشجاعة، والعدالة والغضب وغير ذلك مما يرى دلائله، ويحس بآثاره. ثم هو يركِّب من هذه وتلك معانيَ جديدة، ويستفيد منها في الانتقال إلى ما هو أدق وأغرب.
ولكن القرآن يريد أن يوصل للإنسان معاني أسمى وأعظم مما يخطر على باله، أو يمر في خياله.
وقد احتاج إلى أن يضعها في قوالب لفظية، كانت قد وضعت لمعان مبتذلة وعادية، وقريبة ومحدودة؛ فكان عليه أن يتوسل لإيصال الإنسان إلى تلك المعاني العالية بالمجازات والكنايات، والاستعارات، واستعمال تراكيب مختلفة، وإشارات وتلميحات، ومختلف أنواع الدلالات.
فحين أراد مثلاً بيان حجم الكون..
قال أولاً: هناك سماء وأرض، والسماء مأخوذة من السمو، وهو العلو..
ثم قال: هناك سماء دنيا، وهي القريبة الدانية، وهناك سماوات عُلى.
ثم ذكر: أن السماوات سبع.
ثم قال: إن جميع ما نراه من نجوم يسطع نورها، فإنما هو في السماء الدنيا، فقال تعالى: ﴿وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ﴾(2).
ولكن قد يفهم من ذلك: أن هذا يختص بالنجوم التي تكون في الليل، لأن المصابيح تكون في الظلمة، فذكر في آية ثانية ما يفيد التعميم لكل كوكب حتى للشمس التي تطلع في النهار، فقال: ﴿إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ﴾(3).
أو لعل كلمة (المَصَابِيحَ) توهم الاختصاص بما يكون نوره نابعاً من ذاته، كما هو الحال في المصباح، فلا يشمل ما كان نوره مكتسباً من غيره، فجاءت الآية الثانية لتفيد الشمول إلى كل ما يضيء، سواء أكان في الليل أم في النهار، حيث عبرت بكلمة (الْكَوَاكِبِ) ثم جاء التعبير بالزينة ليشير إلى أن هناك رؤية وتلذذاً، وإدراكاً لهذه الحالة الجمالية (الزينة).
وإذا رجعنا إلى ما لدينا من معلومات، فسنجد:
أنهم يقولون: إن هناك كواكب لم يصل نورها حتى الآن إلينا. وأن هناك كواكب يحتاج نورها إلى ملايين السنين الضوئية ليصل إلينا، ثم هم يقولون: إن الضوء يقطع ما يقارب الـ 300 ألف كيلومتر في الثانية.
فإذا ضممنا ذلك كله بعضه إلى بعض، وعلمنا: أن ذلك كله في السماء الدنيا، فإننا سوف ندرك أن حجم هذه السماء بعيد عن أي تصور ولا يمكن أن يناله وهم أو خيال..
فكيف إذا جاء الحديث ليقول لنا:
إن حجم السماء الدنيا بالنسبة للثانية هو كحلقة ملقاة في فلاة. وأن السماء الثانية بالنسبة للثالثة كذلك.. وهكذا إلى أن يصل الأمر إلى العرش والكرسي..
فالقمر الذي يبعد عن الأرض أقل من ثانية ونصف بحسب مسيرة الضوء، لا يعد بعيداً، بل هو أقرب من قريب..
وكذلك سائر الكواكب التي يفكر الإنسان بالوصول إليها كالمريخ والزهرة ونحوها، ولا يعد هذا البعد شيئاً ذا بال في حساب مسافات السماء الدنيا، فضلاً عن السماوات العلى..
وأما الآية الشريفة، فهي تتحدث عن الخروج عن دائرة أقطار السماوات والأرض كلها، وقد بينت أن الإنسان قادر على اختراقها، والخروج من دائرتها إلى عالم جديد، لأنه تعالى قد حدد للإنسان طبيعة المانع، وسماه له، وأخبره أنه إن تغلَّب عليه فسيتمكن من الخروج من جميع جهات السماوات والأرض، لا من جهة واحدة وحسب، ولذلك قال (مِنْ أَقْطَارِ).
فمن وصل إلى القمر لا يكون قد خرج من دائرة السماوات، أو اخترقها من أقطارها وجوانبها المختلفة، بل يكون في بداية انطلاقته إلى مسافات تحتاج إلى مليارات المليارات التي لا تنتهي من السنين الضوئية، ليقترب حتى من بعض الكواكب البعيدة نسبياً في السماء الدنيا، فضلاً عن غيرها من السماوات..
1- سورة الرحمن الآيات 33 و34 و35.
2- سورة فصلت الآية 12 وسورة الملك الآية 5.
3- سورة الصافات الآية 6.
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
الشيخ محمد هادي معرفة
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
الشيخ جعفر السبحاني
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
عبد الوهّاب أبو زيد
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
شروط البحث
الزهراء للإمام عليّ: اشتملت شملة الجنين (1)
التمثيل بالمحقَّرات في القرآن
الشّيخ صالح آل إبراهيم: ميثاقنا الزّوجي
اليهود أشدّ الناس عداوةً للذين آمنوا
المادة على ضوء الفيزياء
المعرض الفنّيّ التّشكيليّ (أبيض وأسود) بنسخته الثّالثة
القرآن وجاذبيّته العامة
القرآن الكريم وأمراض الوراثة
اعتبار الإسلام لرابطة الفرد والمجتمع