قرآنيات

المخاطبون في القرآن

 

الشهيد مرتضى مطهري .. 

من النقاط الأخرى التي لا بد أن تستنبط من القرآن، في البحث حول المعرفة التحليلية للقرآن، هي تعيين المخاطبين في القرآن.
وردت كثيرًا في القرآن تعابير مثل: (.. هدى للمتقين)، (.. هدى وبشرى للمؤمنين) (ولينذر من كان حيّا...) هنا يمكن طرح هذا الإشكال، وهو أن الهداية لا تلزم للمتقين، لأنهم أنفسهم متقون.
ومن جانب آخر نرى القرآن هكذا يعرف نفسه:
﴿إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ﴾ (ص87)، (وهذه الآية من الآيات العجيبة في القرآن عندما نزلت الآية، كان النبي (ص) في مكة، وكان يتحدث مع أهالي إحدى القرى. كان عجيبًا للناس أن يروا رجلًا وحيدًا يقول بكل طمأنته أنكم سوف تسمعون نبأ هذه الآية فيها بعد. سوف تسمعون قريبًا ماذا يصنع هذا الكتاب مع العالم خلال فترة قصيرة)، وفي آية أخرى يخاطب الله رسوله قائلًا: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ﴾ (الأنبياء107).
وسوف نذكر شرحًا مفصلًا عن هذا الموضوع في مبحث: التأريخ في القرآن. إلا أنه لا بد من القول هنا بإيجاز: في الآيات التي يخاطب القرآن جميع أبناء العلام، يريد _في الواقع- أن يقول بأن القرآن لا يختص بقوم وجماعة خاصة. كل من يتوجه نحو القرآن يحصل على النجاة.
وأما في الآيات التي يتحدث فيها عن أنه كتاب هداية للمؤمنين والمتقين، يريد أن يوضح هذه النقطة، وهي أنه من الذي يسير نحو القرآن في النهاية؟ ومن هم الذين يبتعدون عنه؟
لا يذكر القرآن عن شعب خاص وقبيلة معينة، على أساس أنهم هم المعتقدون به والتابعون له، ولا يقول أن القرآن يعتبر كتاب شعب خاص.
القرآن خلافٌا لسائر المبادئ لم يهتم بمصالح طبقة خاصة، ولم يقل مثلٌا أنه جاء لتأمين مصالح طبقة ما، ولم يقل أيضًا أن هدفه الوحيد هو مساندة العمال أو الدفاع عن حقوق الفلاحين.
يؤكد القرآن عندما يتحدث عن نفسه: أنه كتاب لبسط العدالة، يقول عن الأنبياء: ﴿وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ (الحديد/25).
يريد القرآن القسط والعدل لكل المجتمع البشري، وليس لقوم أو طبقة أو قبيلة خاصة. ولكي يجذب الناس إلى نفسه لم يشر إلى العصبيات القومية مثل النازية.
وخلافًا لمبادئ أخرى كالماركسية مثلًا، لا يستند على مصالحهم ومنافعهم الشخصية، ليثيرهم عن هذا الطريق، لأنه في هذه الحالة لا يستهدف العدل والحق لإتباعه. بل يستهدف وصوله إلى منافعهم وطلباتهم الشخصية.
وكما أن القرآن يعتقد بأصالة الوجدان العقلي للإنسان، فإنه يعتقد له أيضًا أصالة وجدانية وفطرية، وعلى أساس فطرة طلب الحق والعدل يدعوهم إلى الحركة والثورة، ولهذا فإن رسالته لا تنحصر بطبقة العمال أو الفلاحين أو المحرومين أو المستضعفين.
يخاطب القرآن الظالمين والمظلومين بأن يتبعوا الحق، يبلغ موسى (ع) رسالته إلى بني إسرائيل، وإلى فرعون أيضًا، ويدعوهم جميعًا إلى الإيمان بالله والسير في رسالته ودعوته على رؤساء قريش، في الوقت الذي إثارة الأفراد ضد أنفسهم، ورجوعهم عن مسيرة الضلال وهي إن رجوع وإنابة المترفين والمتنعمين أصعب بكثير من رجوع المحرومين والمظلومين.
الفريق الثاني يتحركون في مسير العدالة باقتضاء طباعهم. وأما الفريق الأول فعليه أن يمتنع عن مصالحه الشخصية والاجتماعية ويدوس برجليه على ميوله وأهوائه.
يقول القرآن بأن أتباعه هم الذين طهرت نفوسهم وزكت أرواحهم، وهؤلاء اتبعوا القرآن على أساس مطالبة الحق والعدل، التي هي في فطرة كل إنسان، ولم يتبعوا ما تقتضيه مصالحهم وميولهم المادية والزخارف الدنيوية.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد