قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مصباح يزدي
عن الكاتب :
فيلسوف إسلامي شيعي، ولد في مدينة يزد في إيران عام 1935 م، كان عضو مجلس خبراء القيادة، وهو مؤسس مؤسسة الإمام الخميني للتعليم والبحث العلمي، له مؤلفات و كتب عدیدة فی الفلسفة الإسلامیة والإلهیات والأخلاق والعقیدة الإسلامیة، توفي في الأول من شهر يناير عام 2021 م.

رؤية القرآن عن النجوى


الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي ..

في القرآن الكريم وصايا بشأن النجوى قد بيّنها في آيات عديدة، ففي بعض الآيات يوصي بصورة عامة أن التزموا بالتقوى في النجوى، والتفتوا إلى أن الله يسمع كلامكم السرّي. إذن لا تقولوا ما يتنافى مع مصلحة الإسلام والتقوى.
في بعض الآيات منع القرآن من النجوى المنافيه للمصلحة وحذّر الناس من ارتكابها. وبالتالي اعتبر النجوى -في بعض الآيات- جائزة في حالة الضرورة وبدوافع صحيحة وذكر بعض موارد الاستثناء.
نقوم هنا بتصنيف آيات النجوى ونذكّر بالقضايا الضرورية.
أ-تحكي بعض الآيات بأن الله عليم بأسرار المتناجين وسيحاسبهم عليها.
هذه الآيات ذات لحن تهديد غالبا كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾(2).
وكقوله تعالى: ﴿نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً﴾(3).
وكقوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللّهَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ﴾(4).
والآية: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ بَلى وَرُسُلُنا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ﴾(5).
ب- بعض الآيات ظاهرة في الذم أو النهي عن كل نجوى مطلقًا.
كقوله تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ﴾(6).
وكقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا﴾(7).
وكقوله تعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِير مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلاح بَيْنَ النّاسِ﴾(8).
هذه الآية تذمّ كل نجوى ظاهراً واستثنت بعض الموارد من هذا الحكم.
ج-بعض الآيات قسمت النجوى إلى قسمين عامّين: تنهى عن أحدهما وتأمر بالثاني.
كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَنَاجَيْتُمْ فَلَا تَتَنَاجَوْا بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَتِ الرَّسُولِ وَتَنَاجَوْا بِالْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ﴾(9).
النهي في هذه الآية مقيد وغير مطلق، كما أنها تأمر بالنجوى في الإحسان والتقوى. ومن المحتمل أنّها لا تدل على أكثر من أنّ النجوى في هذه الموارد جائزة وغير ممنوعة. وبديهي أنّ النجوى في بعض الموارد تتضمن مصالح تستدعي حسنها.
د- بعض الآيات تبيّن حكمة النهي عن النجوى، فبعضها يشير إلى دافع المتناجي، وبعض آخر يشير إلى السوء الذاتي لمطلق النجوى.
والآيتان (8 و 9-المجادلة) تشيران إلى دافع المتناجي وتنهى عن النجوى القائمة على أساس دوافع سيئة (المعصية والعداء والمعارضة مع الله والنبي (ص))، إلاّ أنّ الآية 10 من السورة ذاتها اعتبرت مطلق النجوى -حيث تثير سوء ظن المؤمنين وقلقهم وحزنهم- أمراً سيئًا وشيطانيًّا.
هـ-بعض الآيات استثنت موارد من النجوى أيضاً ولم تعتبرها جائزة فحسب بل أثنتْ عليها، لأن المصلحة فيها تبلغ درجة تطغى على مفسدة النجوى.
كقوله تعالى: ﴿لا خَيْرَ فِي كَثِير مِنْ نَجْواهُمْ إِلاّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَة أَوْ مَعْرُوف أَوْ إِصْلاح بَيْنَ النّاسِ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً﴾(10).
ـــــــــــــــــــ
*- مقتبس من كتاب الأخلاق في القرآن، آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي.
2- المجادلة 7.
3- الاسراء 47.
4- التوبة 78.
5- الزخرف 80.
6- المجادلة 8.
7- المجادلة 10.
8- النساء 114.
9- المجادلة 9.
10- النساء 114.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد