قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

المراد من التأويل


الشيخ جعفر السبحاني

 يقول الراغب في مفرداته: «التفسير»  يقال فيما يختص بمفردات الألفاظ.( [1]) والحال أنّ التأويل أكثر ما يستعمل في المعاني والجمل، فقال الراغب: التأويل: من الأول، أي الرجوع إلى الأصل، ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه.( [2])
قال صاحب «كشف الظنون»: قال الراغب: التفسير أعمّ من التأويل وأكثر استعماله في الألفاظ ومفرداتها وأكثر استعمال التأويل في المعاني والجمل وأكثر ما يستعمل في الكتب الإلهية.
وقال غيره: التفسير بيان لفظ لا يحتاج إلاّ وجهاً واحداً، والتأويل توجيه لفظ متوجه إلى معان  مختلفة إلى واحد منها بما ظهر من الأدلّة.( [3]) ومن خلال هذه التعاريف والتعاريف الأُخرى للتأويل والتفسير يتّضح أنّ تفسير الآية لدى طائفة من المفسّرين غير تأويلها.
فتوضيح الآية من جهة مفرداتها، والهيئة التركيبية وباقي الخصوصيات المتعلّقة بظاهر الآية يكون تفسيراً للآية، والحال أنّ إرجاع الآية إلى المراد النهائي منها وبالاستعانة بالآيات الأُخرى والروايات وسائر الأدلّة العقلية والنقلية، يكون تأويلاً للآية.

إنّ الاتّجاه العام لدى المفسّرين في القرنين الثالث  والرابع (كالطبري) في تفسيره «جامع البيان» يميلون إلى الترادف بين مصطلحي «التأويل» و«التفسير»، ولذلك نراهم يطلقون على تفسير الآية لفظ «تأويل الآية»، وهذا النوع من الاستعمال يشعر بأنّهم يذهبون إلى الترادف بين المصطلحين كما قلنا، إلاّ أنّ الاتّجاه الآخر ـ وهو اتّجاه من تأخّر عنهم من المفسّرين ـ يذهب إلى أنّ  التفسير يخالف التأويل، وأنّ لكلّ من المصطلحين مجاله الخاص به.
وعلى كلّ حال سواء قلنا:  إنّ هذا التفصيل بين التأويل والتفسير صحيح أم لا، فإنّ المفسّرين ولقرون متمادية قد ساروا على هذا المنهج واعتبروا أنّ تفسير الآية يغاير تأويلها، حيث اعتبروا التفسير هو كشف الستار وتوضيح وبيان مفردات الآية وجملها. والحال أنّ التأويل هو إرجاع الآية إلى المراد النهائي منها.
ثمّ إنّ لأُستاذنا الكبير العلاّمة الطباطبائي في هذا المجال نظرية خاصة ذكرها في تفسيره للآية السابعة من سورة آل عمران.
ولا ريب أنّ مصطلحي «التأويل» و «التفسير» كلاهما يستعمل ويستفاد منه لرفع الإبهام والغموض الموجود في الآية، ولكن كلّما كان الإبهام والغموض يتعلّق بمعاني مفردات الآية ومضمون الجملة أو الجمل، يطلق على هذا الرفع عنوان التفسير، وأمّا إذا كان الإبهام والغموض متعلّقاً بالمقصود النهائي من الآية وناتجاً من كثرة الاحتمالات وتعدّد الوجوه المرادة من الآية، فحينئذ يطلق على عملية رفع الإبهام هنا وتعيين المحتمل النهائي أو الوجه المراد منها، لفظ التأويل.

وبعبارة أُخرى: إنّ التفسير: إزاحة الستار عن معنى ومضمون مفردات وجمل الآية بنحو يتّضح فيه معنى ألفاظ وجمل الآية الواردة فيها، ومن المعلوم هنا أنّه لا يمكن القول إنّ للتفسير مرحلتين: المرحلة الأوّلية، والمرحلة النهائية، أو المراد الأوّلي والمراد النهائي، وإنّما يوجد مضمون واحد لا غير يتّضح وبصورة تامّة من خلال معرفة معاني المفردات والجمل، أو من خلال التعرّف على سبب النزول أو سياق  الآيات.
والحال أنّ في «التأويل» مضمون الآية  ـ مفردات وجمل ـ واضح جدّاً، ولكن نفس هذا المضمون قد يكون كناية عن المراد النهائي أو يكون جسراً للعبور إلى المعنى الآخر للآية، وحينئذ تكون عملية إرجاع الآية إلى المراد والمقصود النهائي تأويلاً للآية، ويطلق على تلك العملية «تأويل الآية».( [4])
________________________________________
[1] . مفردات الراغب:380، مادة « فسّر » .
[2] . مفردات الراغب:31، مادة « أول » .
[3] . كشف الظنون:1/242 بحث « علم التأويل » ، و297 بحث « علم التفسير » و قد ذكر في هذين البحثين نظريات وآراء متقاربة جداً حول التفاوت والاختلاف بين التأويل والتفسير، أعرضنا عن ذكرها روماً للاختصار.
[4] . منشور جاويد:3/227، 229، 247، 248.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد