الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
القرآن اعتبر الخشوع صفة المؤمنين، وليس إقامة الصلاة، (الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ)[1] إشارة منه إلى أن الصلاة ليست مجرد ألفاظ وحركات لا روح فيها ولا معنى، وإنما تظهر في المؤمن حين إقامة الصلاة حالة توجه إلى الله تفصله عن الغير وتلحقه بالخالق، ويغوص في ارتباط مع الله، ويدعوه بتضرع في حالة تسود جسمه كله، فيرى نفسه ذرة إزاء الوجود المطلق لذات الله، وقطرة في محيط لا نهاية له.
لحظات هذه الصلاة درس للمؤمن في بناء ذاته وتربيتها، ووسيلة لتهذيب نفسه وسمو روحه.
وقد جاء في حديث عن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) حين شاهد رجلاً يلهو بلحيته وهو يصلي قوله: «أما إنه لو خشع قلبه لخشعت جوارحه»[2].
إشارة منه (صلى الله عليه وآله) إلى أن الخشوع الباطني يؤثر في ظاهر الإنسان. وكان كبار قادة المسلمين يؤدون صلاتهم بخشوع حتى تحسبهم في عالم آخر، يذوبون في الله، حيث نقرأ عنهم في حديث عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنه كان يرفع بصره إلى السماء في صلاته، فلما نزلت الآية طأطأ رأسه ورمى ببصره إلى الأرض»[3].
الخشوع روح الصلاة
إذا اعتبر الركوع والسجود والقراءة والتسبيح جسم الصلاة، فالتوجه الباطني إلى حقيقة الصلاة، وإلى من يناجيه المصلي، هو روح الصلاة. والخشوع ما هو إلا توجه باطني مع تواضع. وعلى هذا يتبين أن المؤمنين لا ينظرون إلى الصلاة كجسم بلا روح، بل إن جميع توجههم إلى حقيقة الصلاة وباطنها.
وهناك عدد كبير من الناس يودّ بشوق بالغ أن يكون خاشعاً في صلاته، إلا أنه لا يتمكّن من تحقيق ذلك.
ثمانية أوامر لحضور القلب
ولتحقيق الخشوع والتوجه التام إلى الله في الصلاة وفي سائر العبادات، أوصي بما يلي:
1- نيل معرفة تجعل الدنيا في عين المرء صغيرة تافهة، وتجعل الله كبيراً عظيماً، حتى لا تشغله الدنيا بما فيها عن الذوبان في الله عند مناجاته وعبادته.
2- الاهتمام بالأمور المختلفة يمنع الإنسان من تركيز أفكاره وحواسه، وكلما تمكن الإنسان من التخلص من مشاغله حصل على توجه إلى الله في العبادة.
3- اختيار مكان الصلاة وسائر العبادات له أثر كبير في هذه المسألة، لهذا فإن الصلاة مع انشغال البال بغيرها تعد مكروهة، وكذلك في موضع مرور الناس أو قبال المرآة والصورة، ولهذه الأسباب تكون المساجد الإسلامية أفضل إن كانت أبسط بناءً وأقل زخرفة وأبّهة، ليكون التوجّه كله لله فاطر السماوات والأرض.
4- اجتناب المعاصي عامل مؤثر في التوجه إلى الله، لأن المعصية والذنب تبعد الشعة بين قلب المسلم وخالقه.
5- معرفة معنى الصلاة وفلسفة حركاتها والذكر عامل مؤثر كبير على ذلك.
6- ويساعد على ذلك أداء المستحبات، سواء كانت قبل الدخول في الصلاة أو في أثنائها.
7- وعلى كل حال فإن هذا العمل هو كبقية الأعمال الأخرى يحتاج إلى تمرين متواصل، ويحدث كثيراً أن يحصل الإنسان على قدرة التركيز الفكري في لحظة من لحظات الصلاة، وبمواصلة هذا العمل ومتابعته يحصل على قدرة ذاتية يمكنه بها إغلاق أبواب فكره في أثناء الصلاة إلا على خالقه.
وروي عن علي بن الحسين السجاد (عليه السلام): «أنه كان إذا قرأ (مالك يوم الدين) يكررها حتى يكاد أن يموت»[4].
ـــــــــــــ
[1] سورة المؤمنون: الآية 2.
[2] تفسير الصافي، وتفسير مجمع البيان، في تفسير الآية موضع البحث.
[3] تفسير مجمع البيان، وتفسير الفخر الرازي، في تفسير الآية موضع البحث.
[4] تفسير نور الثقلين: 1/19.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان