قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

مصاحبة الهماز ومشاورته (3)

 

الشيخ محمد صنقور

مَن كشف ستر أخيه كشف الله ستره:
ثم إنَّ الروايات ذكرت مجموعة من المعالجات لهذه السجية الممقوتة وهي التصدِّي لاستنقاص الناس وإفشاء معائبهم فأفادت أنَّ من أهم ما يُساهم في علاج هذه السجية هو أن يتأمَّل الإنسان عيوب نفسه، فإذا تأمل عيوب نفسه فإنَّه سيشتغل بها عن عيوب الآخرين، فلهذا ينبغي للإنسان العاقل أن يرجع إلى ذاته فيتأمل أخطاءها ومعايبها ونقائصها حيننئذٍ سيجد نفسه مبتلى بالكثير من العيوب ولذلك لن يعيب الآخرين وهو مبتلى بنفس هذه العيوب أو بما يضاهيها، فالإنسان اللي يعيب الآخرين أحد اثنين إما إنَّه أحمق لا ينظرإلى نفسه، ولا يبصر عيوبه وإنما يُبصر عيوب غيره والحال انه واجد لذات العيوب التي يعيِّر بها الناس، فهذا إنسان أحمق، فالأحمق هو من يعيب الناس بعيوب هو أحقُّ بها لأنَّه مبتلى بها وهو لا يدري، والثاني هو الإنسان المبتلى بنقائص ويعلم أنَّه مبتلى بها ولكنه يبحث عن سترها بواسطة رمي الآحرين بها "رمتني بدائها وانسلَّت" فهو يتجدث عن عيوب الناس ليقوللهم أنه مبرأٌ من هذه العيوب وغير مبتلى بها، ليقول للآخرين فهو يتخذ من تعييب الناس وسيلة لستر عيوبه، مثل هذا الإنسان توعَّده الله عزوجل بأنْ يفضحه على رؤوس الأشهاد، يقول الإمام عليٌّ (ع) فيما يُروى عنه: "من تتبَّع عورات الناس كشف الله عورته"(20).

و"من بحث عن أسرار غيره أظهر الله أسراره"(21)، هناك من إذا وقف على سرٍّ من أسرار الناس يشعر وكأنَّه وجد كنزاً ثميناً وحصل على غنيمة ضافية، لذلك فهو يتفكَّه بهذا السر عند أخلائه ويحذرهم من إفشائه وفي كل يوم يخبر به جماعة من الناس ويقول لهم ان ذلك من الأسرار فلا تفشوه بين الناس فلا يلبث هذا السر حتى يعلم به الخافقان ويظلُّ يُسمِّيه سراً، مثل هذا يناله الوعيد الذي أفاده الإمام(ع) بقوله: "من بحث عن أسرار غيره أظهر الله أسراره".
وورد عن الرسول الكريم(ص) أنه قال: "من كشف عورة أخيه المسلم كشف الله عورته حتى يفضحه بها في بيته" (22)، فالفضيحة تُصيبه وتقع عليه وهو جالس بيته لأنَّ الله تعالى قد خذله بكشفه لعيوب الناس، فالله جلَّ وعلا ستَّار ومعنى أنَّه ستَّار هو انَّه تعالى يدفع عن الناس أسباب الفضيحة، فلا تظهر لذلك معايبهم، فإذا اجترح أحدهم خطيئةَ الكشف لعيوب الناس خذله الله فلم يدفع عنه أسباب الفضيحة، وهذا هو معنى أنَّ الله تعالى يفضحه، ويمكن التنظير لذلك بوقوع إنسان وسط مسبعة مليئة بالسباع ولكنه لا يُصاب منها بسوء لماذا؟ لأنَّه محاط بحماية تحول دون وصول السباع إليه، فإذا تخلَّت هذه الحماية عنه فإنَّه سيقع فريسةً للسباع دون ريب، فالحماية ليست هي من سيفترس هذا الإنسان وإنَّما ستفترسه السباع ولكن بعد تخلِّي الحماية عنه، وهذا هو معنى أنَّ الله عزوجل يفضح الممتهن للكشف عن عيوب الناس، فهو تعالى لن يدل على معايبه وإنما سيخذله، وحينئذ سيجد الناس على جهوزية تامَّة للنيل منه والكشف عن عيوبه، فالناس بمثابة السباع التي كانت تخشى الحماية وبمجرد أن تخلَّت الحماية عنه افترسته السباع، هذا هو معنى أنَّ الله عزوجل يفضح الكاشف لعورة أخيه على رؤوس الأشهاد.

فإذن مثل هذه الرواية تتوعَّد الذي يعيب وينتقص الناس ويكشف عن عيوبهم تتوعده بفضيحة لا ستر بعدها، وذلك في حد نفسه معالجة لهذه المشكلة، إذ المفترض أنَّ الإنسان عاقل وحريص على أن يظلَّ محفوظ السر مستور العيب فإذا علم أنَّ تتبعه لعثرات الناس وكشفه عن معايبهم يُفضي به إلى الوقوع فيما يخشاه على نفسه من انهتاك ستره وانكشاف عيوبه فحينئذ سيكف عن أعراض الناس والإفشاء لمعايبهم، هذا لو كان عاقلاً ولم يكن أحمق.

يحاسب الناس على الظن ولا يحاسب نفسه على اليقين:
نختم الكلام بحديثٍ لطيف مرويٍّ عن السيد المسيح (ع) قال يخاطب بني إسرائيل: يا عبيد السوء تلومون الناس على الظن ولا تلومون أنفسكم على اليقين؟"(23) ما معنى ذلك؟

معناه أنَّ الإنسان كثيراً ما يلوم الناس ويُبكِّتهم وينتقص منهم ويذكرهم بعيوبٍ هو لا يقطع بأنَّها قد صدرت عنهم وإنَّما يظنُّ ذلك ظناً، إذ غالباً ما يكون مستنده في ذلك الحدس أو الأخبار التي يسمعها من هنا وهناك، فهي أخبار ظنيَّة قد تكون صادقة وقد تكون كاذبة وإن كانت صادقة قد تكون مشوبة بالتهويل والمبالغة أو تكون مزيجاً من الصدق والكذب، فهي إذن إخبارات ظنية إلا أنَّ الغالب من الناس رغم ظنيَّة الأخبار التي تلقَّوها عن هذا المؤمن أو ذاك فإنَّهم يتناولونها وكانَّها أخبار قطعيَّة لا شك في صدقها لذلك فهم يقعون في عرض ذلك المؤمن ويتناقلون بينهم ما بلغهم عنه ويزدرنه ويستنقصونه رغم أنَّ العيوب التي نُقلت عنه ليس من المُحرَز ثبوتها وصدورها عنه، ولو فُرض أنَّ ما بلغهم عنه في بعض الأحيان كان موجبًا لليقين بصدوره عنه إلا أنَّ اليقين بصدوره لا يعني اليقين بأنَّه كان متعمداً أو لم يكن له مسوِّغٌ أومبررٌ ساقه للوقوع في الفعل المنقول عنه، فغالب الناس لا تُفكر في المبرِّرات ولا تلتمس لغيرها الأعذار ولا تحمل ما يفعله غيرها على محامل الخير بل تُبادر للتشنيع والتقريع والإفشاء رغم أنَّ مَن صدر منه الذنب قد يكون معذوراً أو يكون قد وقع في شبهةٍ ثم ما لبث أنْ أفاق منها أو يكون ما ارتكبه كان خطأً عابراً ندم عليه وتاب منه، كل ذلك لا يغفر له عند الناس بل تظلُّ الناس تلاحقه بخطيئته التي ربما لم يكن قد ارتكبها أو أنَّه ارتكبها ثم تاب منها.

فمفاد الرواية أنَّ الكثير من الناس يقعون في أعراض غيرهم ويشنِّعون عليهم رغم أنَّ العيوب التي يُشنعِّون بها عليهم ليس من المحرَز إتصافهم بها أو صدورها عنهم والحال أنَّهم يغفلون عن أنفسهم رغم أنَّ ما يصدر عنهم من أخطاء معلوم عندهم علم يقين فهم يدركون ما كانوا قد اجترحوه من أخطاء ويذكونها جيداً لكنهم يغضون الطرف عنها. مثل هؤلاء سيئون لأنَّهم يحاسبون غيرهم على الظنون ويغضُّون الطرف عن أخطائهم التي يُحرزون يقيناً أنَّهم قد ارتكبوها.
ــــــــــــــــ
20-ميزان الحكمة -محمد الريشهري- ج 3 ص 2208.
21-ميزان الحكمة -محمد الريشهري- ج 3 ص 2208.
22-كنز العمال -المتقي الهندي- ج 3 ص 248.
23-بحار الأنوار -العلامة المجلسي- ج 14 ص 305.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد