قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
السيد ابو القاسم الخوئي
عن الكاتب :
مرجع شيعي كبير، ورئيس الحوزة العلمية في النجف

القراءات والأحرف السبعة (1)

 

السيد أبو القاسم الخوئي
قد يتخيل أن الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن هي القراءات السبع، فيتمسك لإثبات كونها من القرآن بالروايات التي دلت على أن القرآن نزل على سبعة أحرف، فلا بد لنا أن ننبه على هذا الغلط، وأن ذلك شيء لم يتوهمه أحد من العلماء المحققين.
هذا إذا سلمنا ورود هذه الروايات، ولم نتعرض لها بقليل ولا كثير.
وسيأتي الكلام على هذه الناحية.
والأولى أن نذكر كلام الجزائري في هذا الموضع.
قال: "لم تكن القراءات السبع متميزة عن غيرها، حتى قام الإمام أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد - وكان على رأس الثلاثمائة ببغداد - فجمع قراءات سبعة من مشهوري أئمة الحرمين والعراقين والشام، وهم: نافع، وعبد الله ابن كثير، وأبو عمرو بن العلاء، وعبد الله بن عامر، وعاصم وحمزة، وعلي (1)الكسائي.

وقد توهم بعض الناس أن القراءات السبعة هي الأحرف السبعة، وليس الأمر كذلك...
وقد لام كثير من العلماء ابن مجاهد على اختياره عدد السبعة، لما فيه من الإيهام...
قال أحمد ابن عمار المهدوي: لقد فعل مسبع هذه السبعة ما لا ينبغي له، وأشكل الأمر على العامة بإيهامه كل من قل نظره أن هذه القراءات هي المذكورة في الخبر، وليته إذ اقتصر نقص عن السبعة أو زاد ليزيل الشبهة...".
وقال الأستاذ إسماعيل بن إبراهيم بن محمد القراب في الشافي: "التمسك بقراءة سبعة من القراء دون غيرهم ليس فيه أثر ولا سنة، وإنما هو من جمع بعض المتأخرين، لم يكن قرأ بأكثر من السبع، فصنف كتابًا، وسماه كتاب السبعة، فانتشر ذلك في العامة...".
وقال الإمام أبو محمد مكي: "قد ذكر الناس من الأئمة في كتبهم أكثر من سبعين ممن هو أعلى رتبة، وأجل قدرًا من هؤلاء السبعة...
فكيف يجوز أن يظن ظان أن هؤلاء السبعة المتأخرين، قراءة كل واحد منهم أحد الحروف السبعة المنصوص عليها - هذا تخلف عظيم - أكان ذلك بنص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم كيف ذلك !!! وكيف يكون ذلك؟ والكسائي إنما ألحق بالسبعة بالأمس في أيام المأمون وغيره - وكان السابع يعقوب الحضرمي - فأثبت ابن مجاهد في سنة ثلاثمائة ونحوها الكسائي موضع يعقوب".

وقال الشرف المرسي: (2) "وقد ظن كثير من العوام أن المراد بها - الأحرف السبعة - القراءات السبع، وهو جهل قبيح".
وقال القرطبي: "قال كثير من علمائنا كالداودي، وابن أبي سفرة وغيرهما: هذه القراءات السبع، التي تنسب لهؤلاء القراء السبعة ليست هي الأحرف السبعة التي اتسعت الصحابة في القراءة بها، وإنما هي راجعة إلى حرف واحد من تلك السبعة، وهو الذي جمع عليه عثمان المصحف.
ذكره ابن النحاس وغيره وهذه القراءات المشهورة هي اختيارات أولئك الأئمة القراء".
وتعرض ابن الجزري لإبطال توهم من زعم أن الأحرف السبعة، التي نزل بها القرآن مستمرة إلى اليوم.
فقال: "وأنت ترى ما في هذا القول، فإن القراءات المشهورة اليوم عن السبعة والعشرة، والثلاثة عشر بالنسبة إلى ما كان مشهورًا في الأعصار الأول، قل من كثر، ونزر من بحر، فإن من له اطلاع على ذلك يعرف علمه العلم اليقين، وذلك أن القراء الذين أخذوا عن أولئك الأئمة المتقدمين من السبعة، وغيرهم كانوا أممًا لا تحصى، وطوائف لا تستقصى، والذين أخذوا عنهم أيضًا أكثر وهلم جرّا.

فلما كانت المائة الثالثة، واتسع الخرق وقل الضبط، وكان علم الكتاب والسنة أوفر ما كان في ذلك العصر، تصدى بعض الأئمة لضبط ما رواه من القراءات، فكان أول إمام معتبر جمع القراءات في كتاب أبو عبيد القاسم بن سلام، وجعلهم - فيما أحسب - خمسة وعشرين قارئًا مع هؤلاء السبعة وتوفي سنة 224 وكان بعده أحمد بن جبير بن محمد الكوفي نزيل أنطاكية، جمع كتابًا في قراءات الخمسة، من كل مصر واحد.
وتوفي سنة 258 وكان بعده القاضي اسماعيل بن اسحاق المالكي صاحب قالون، ألف كتابًا في القراءات جمع فيه قراءة عشرين إمامًا، منهم هؤلاء السبعة. توفي سنة 282 وكان بعده الإمام أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، جمع كتابًا سماه "الجامع" فيه نيف وعشرون قراءة.
توفي سنة 310 وكان بعيده أبو بكر محمد بن أحمد بن عمر الداجوني، جمع كتابًا في القراءات، وأدخل معهم أبا جعفر أحد العشرة. وتوفي سنة 324، وكان في أثره أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد، أول من اقتصر على قراءات هؤلاء السبعة فقط، وروى فيه عن هذا الداجوني، وعن ابن جرير أيضًا. وتوفي سنة 324 ".

ثم ذكر ابن الجزري جماعة ممن كتب في القراءة.
فقال: "وإنما أطلنا هذا الفصل، لما بلغنا عن بعض من لا علم له أن القراءات  الصحيحة هي التي عن هؤلاء السبعة، أو أن الأحرف السبعة التي أشار إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي قراءة هؤلاء السبعة، بل غلب على كثير من الجهال أن القراءات الصحيحة هي التي في "الشاطبية والتيسير"، وأنها هي المشار إليها بقوله صلى الله عليه وآله وسلم أنزل القرآن على سبعة أحرف، حتى أن بعضهم يطلق على ما لم يكن في هذين الكتابين أنه شاذ، وكثير منهم يطلق على ما لم يكن عن هؤلاء السبعة شاذًّا، وربما كان كثير مما لم يكن في "الشاطبية والتيسير"، وعن غير هؤلاء السبعة أصح من كثير مما فيهما، وإنما أوقع هؤلاء في الشبهة كونهم سمعوا "أنزل القرآن على سبعة أحرف" وسمعوا قراءات السبعة فظنوا أن هذه السبعة هي تلك المشار إليها، ولذلك كره كثير من الأئمة المتقدمين اقتصار ابن مجاهد على سبعة من القراء، وخطأوه في ذلك، وقالوا: ألا اقتصر على دون هذا العدد أو زاده، أو بين مراده ليخلص من لا يعلم من هذه الشبهة.
ثم نقل ابن الجزري - بعد ذلك - عن ابن عمار المهدوي، وأبي محمد مكي ما تقدم نقله عنهما آنفًا". (3)
قال أبو شامة: "ظن قوم أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل".
وبهذا الاستعراض قد استبان للقارئ، وظهر له ظهورا تامًّا أن القراءات ليست متواترة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ولا عن القراء أنفسهم، من غير فرق بين السبع وغيرها، ولو سلمنا تواترها عن القراء فهي ليست متواترة عن النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - قطعًا.
ـــــــ
1- التبيان ص 105.   الاتقان النوع 22 - 27 ج 1 ص 138.
2- التبيان ص 82.
3- النشر في القراءات العشر ج 1 ص 33 - 37.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد