الشيخ محمد هادي معرفة
زَعموا أنّ في القرآن تعابير جافية لا تتناسب وأدب الوحي الرفيع؛ وذلك في مثل التعبير بالفَرج، وهو اسم لسَوأة المرأة، والتعبير بالخيانة بشأن أزواج أنبياء الله، وهو فَضح امرأة تكون في حَصَانة زوجٍ كريم، والتعبير بخسَؤُوا، والتشبيه بالحِمار والكلب، وكذا سائر التعابير الغليظة الجافّة في مثل {تَبَّتْ} [المسد: 1] و {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} [المسد: 4]، والدعاء بالشرّ {قَاتَلَهُمُ اللهُ} [المنافقون: 4] [التوبة: 30]... ومن أمثال هذا القبيل، قد توجد في القرآن ممّا لا يوجد نظيره في غير من الكُتُب ذات الأدب الرفيع .
لكنّه زعمٌ فاسدٌ ناشىء عن الجهل بمصطلح لغة ذلك العهد، وخلط القديم بالجديد من الأعراف. وإليك تفصيل الكلام عن ذلك:
{الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا} [التحريم: 12).
جاء هذا التعبير في القرآن في موضعَين، فعابوا التصريح بسَوأة المرأة !
لكنّه تعبير كنائي وليس بصريح؛ حيث المراد مِن الفَرج هنا هو خصوص جيب القميص، وهو خَرقٌ مطوّق في أسفله .
قال ابن فارس: الفاء والراء والجيم، أصلٌ صحيحٌ يدلّ على تفتّح في الشيء، من ذلك: الفُرجة في الحائط وغيره والشقّ، والفُرُوج: الثّغور التي بين مواضع المَخافة .
قال: والجيب، جيب القميص، وهو خَرقٌ مستطيل في قدّامه، يقال: جِبْتُ القميص، قَوَّرت جيبه، وهو خَرقُه مِن وَسَطه خَرقاً مُستديراً، وفي القرآن: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31]، وهو خَرقٌ في صدر القميص. ويقال: فلانٌ ناصح الجيب، أي أمينه، يقال: طاهر الجيب أي نزيهه .
فالفَرج في هكذا تعابير، هي فُرجة القميص، أي جيبه، وهو عبارة عن خَرقٌ مطوّق في أسفله، حسب العادة في قمصان العرب، فإحصان الفَرج، عبارة عن طهارة الذيل، أي نزاهته عن دَنَس الفحشاء.
وهو استعمال على الأصل العربي القديم، والّذي جرى عليه القرآن الكريم على المصطلح الأَوّل، أمّا أخيراً، فغُلّب استعماله في سَوأة المرأة، وهو استعمال مُستَحدث، لا يُحمل القرآن عليه، قال تعالى: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ}[الأحزاب: 35]، {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ... وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ}[النور: 30] و[النّور: 31]. كلّ ذلك كناية عن التحفظ على نزاهة الذيل عن دَنَس الفحشاء، وليس اسماً خاصّاً للسَوأة ولا سيّما سَوأة المرأة .
{فَخَانَتَاهُمَا}، قال تعالى: {ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا}[التحريم: 10]. عابوا فَضحَ امرأة هي زوجةُ عبدٍ صالح !لكن التعبير بالخيانة هنا لا يُراد بها ارتكاب الفحشاء، كلاّ! وإنّما هو مجرّد مخالفة الزوج وإنكار رسالته. قال الفيض الكاشاني: فَخَانَتاهما بالنفاق والتظاهر على الرسولَين.
وهو تعريض ببعض أزواج النبي (صلّى الله عليه وآله) بإفشاء سرّه والتظاهر عليه، كما جاء في صدر السورة؛ ومِن ثَمّ، فهو خطاب وعتاب مع تلك الأزواج: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ}[التحريم: 4].
قال ابن عبّاس: لم أَزل حريصاً أنْ أسأل عمر عن المرأتَين من أزواج النبيّ اللّتَين قال الله بشأنهما: {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا...}، حتّى حجّ عمر وحَجَجتُ معه، فلمّا كان ببعض الطريق، عدل عمر وعدلت معه بالإداوة، فتبرّز ثُمَ أتى، فصببت على يديه فتوضّأ، فقلت: يا أمير المؤمنين، مَن المرأتان من أزواج النبيّ اللّتان قال الله بشأنهما ذلك؟ فقال: وا عجباً لك يا بن عبّاس، هما عائشة وحفصة، ثم أنشأ يُحدّثني بحديثهما في ذلك.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان