الشيخ جعفر السبحاني
المراد من الرجس : هو القذارة الأعم من المادية والمعنوية ، وقد اتفق على ذلك أئمّة اللغة .
قال ابن فارس : الرجس : أصل يدل على اختلاط ، ومن هذا الباب : الرجس : القذر لأنّه لطخ وخلط. (1)
وقال ابن منظور : الرجس : القذر ، وكل قذر رجس ، وفي الحديث : أعوذ بك من الرجس النجس. وقد يعبر به عن الحرام والفعل القبيح والعذاب واللعن والكفر. قال الزجّاج : الرجس في اللغة كل ما استقذر من عمل ... فبالغ الله في ذم أشياء وسمّاها رجساً ، وقال ابن الكلبي : رجس من عمل الشيطان أي مأثم. (2)
وقد استعملت هذه اللفظة في الذكر الحكيم ثمانية مرات : ووصف به الخمر والميسر والأنصاب والأزلام والكافر غير المؤمن بالله والميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير والأوثان وقول الزور ... إلى غير ذلك من الموارد التي وصفت به في الذكر الحكيم.
ونكتفي بنقل بعض الآيات قال سبحانه : {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة : 90].
وقال سبحانه : {إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام : 145] .
وقال سبحانه : {كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 125] ، إلى غير ذلك من الآيات.
والمتفحص في كلمات أئمّة أهل اللغة ، والآيات الواردة فيها تلك اللفظة ، يصل إلى أنّها موضوعة بمعنى القذارة التي تستنفر منها النفوس ، سواءً أكانت مادية ، كما وردت في الآيات ، أم معنوية كما هو الحال في الكافر وعابد الوثن ووثنه.
فلو وصف به العمل القبيح عرفاً أو شرعاً ، فلأجل أنّ العمل القبيح يوصف بالقذارة التي تستنفرها الطباع السليمة ، وعلى هذا فالمراد من الرجس في الآية هي الأعمال القبيحة عرفاً أو شرعاً ، ويدل عليه قوله سبحانه بعد تلك اللفظة : { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } ، فليس المراد من هذا التطهير إلاّ تطهيرهم من الرجس المعنوي الذي لا تقبله النفوس السليمة.
وقد ورد نظير قوله : { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا } في حق السيدة مريم عليها السلام ، قال سبحانه : {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران : 42] .
نعم : إنّ لتطهير النفوس وطهارتها مراتب ودرجات ، ولا تكون جميعها مستلزمة للعصمة ، وإنّما الملازم لها هو الدرجة العليا ، قال سبحانه : {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ } [التوبة: 108] .
قال العلاّمة الطباطبائي : الرجس ـ بالكسر والسكون ـ صفة من الرجاسة وهي القذارة ، والقذارة هيئة في النفس توجب التجنّب والتنفّر منها ، وهي تكون تارة بحسب ظاهر الشيء كرجاسة الخنزير ، قال تعالى : {أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام : 145] وبحسب باطنه ، أُخرى ، وهي الرجاسة والقذارة المعنوية كالشرك والكفر وأثر العمل السيّء ، قال تعالى : {وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} [التوبة : 125] ، وقال : {وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأنعام : 125] .
وأيّاً ما كان فهو إدراك نفساني وأثر شعوري يحدث من تعلّق القلب بالاعتقاد الباطل أو العمل السيّء وإذهاب الرجس عبارة عن إزالة كل هيئة خبيثة في النفس تضاد حق الاعتقاد والعمل ، وعند ذلك يكون إذهاب الرجس معادلاً للعصمة الإلهية التي هي صورة علمية نفسانية ، تحفظ الإنسان من رجس باطني الاعتقاد وسيّء العمل. (3)
____________________
1. معجم مقاييس اللغة : 2 / 490.
2. لسان العرب : 6 / 94 ـ 95 ، مادة « رجس ».
3. الميزان : 16 / 330.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان