الشيخ جعفر السبحاني
يظهر من بعض الآيات أنّ بعض المخاطبين بالأمثال كانوا يستنكرونها ويستغربون منها ، وما ذلك إلا لأنّ المثل كان يكشف عن نواياهم ويبيّن واقع عقيدتهم ، ويسفّه أحلامهم ، فيبعث فيهم القلق والاضطراب ، ذلك عندما يجمع سبحانه في أمثاله تارة بين الذباب والعنكبوت والبعوضة ـ كما مرّ ـ وأُخرى بين الكلب والحمار :
كقوله سبحانه :
{فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [الأعراف : 176]
{مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا} [الجمعة : 5]
وقد نقل سبحانه استنكارهم ، وقال : {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ} [البقرة : 26]
قال الزمخشري : والتمثيل إنّما يصار إليه لكشف المعاني ، وإدناء المتوهّم من الشاهد ، فإن كان المتمثَّل له عظيماً كان المتمثّل به مثله ، وإن كان حقيراً كان المتمثل به كذلك. (1)
وربما سرت تلك الشبهة إلى عصرنا الحاضر ، فقد استغرب بعضهم من ضرب المثل بالحشرات والأمور الحقيرة الضئيلة ، ولكنّه غفل عن أنّ العبرة في ضرب الأمثال ليس بأدواتها وآلاتها ، وإنّما بمكنوناتها وغاياتها ، وما يدرينا بسرّ الإعجاز في التركيب الجثماني للبعوضة ، مثلاً ، وما فيه من إبداع وتحدٍّ وإعداد ، ولعل فيه من الإنجاز الخلقي ما لا نشاهده بأكثر الأجسام ضخامة وكبراً ، على أن المبدع لها جميعاً هو الله وكفى ، "والله رب الصغير والكبير وخالق البعوضة والفيل ، والمعجزة في البعوضة هي ذاتها المعجزة في الفيل ، إنّها معجزة الحياة ، معجرة السر المغلق الذي لا يعلمه إلا الله على أنّ العبرة في المثل ليست في الحجم ، إنّما الأمثال أدوات للتنوير والتبصير ، وليس في ضرب الأمثال ما يعاب ، وما من شأنه الاستحياء من ذكره. والله ـ جلّت حكمته ـ يريد بها اختبار القلوب وامتحان النفوس". (2)
______________________
1 ـ الاِتقان في علوم القرآن : 2/1042.
2 ـ في ظلال القرآن : 1/57.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان