الشيخ جوادي آملي
...... فإنّ المقصود من اليوم في أكثر الاستعمالات القرآنيّة له هو عالم الآخرة كما في: ﴿يَوْمِ الدِّين﴾، ﴿الْيَوْمِ الآخِر﴾[1]، ﴿يَوْمَ يَقُومُ الرُّوح﴾[2]، ﴿يَوْمَ لاَ تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّه﴾[3] وليس المقصود من اليوم هو النهار في مقابل الليل أو ما يقابل الشهر والسنة.
ولا بمعنىٰ مجموع الليل والنهار[4] بل هو بمعنىٰ «الظهور»، كما أنّ اليوم في الآية الكريمة: ﴿كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن﴾[5] ليس المقصود منه أنّ الله في كلّ يوم وليلة أو في كلّ نهار له شأن، لأنّ اليوم نفسه شأن من الشؤون الإلٰهيّة وفعل من أفعاله سبحانه.
إذن معنىٰ «كلّ يوم» هو «كلّ ظهور» ويوم القيامة يعني ظهور ذلك.
وفي القيامة تعود الكثرة إلىٰ الوحدة ويتّضح للجميع أنّ الّذي يدير العالم واحد، وبظهور التوحيد تنتهي أوهام التثنية والتثليث، خلافاً لبداية الخلق حيث ظهور الكثرة من الوحدة فهناك يكون الحديث عن «يومين»، و«أيّام» و«ستّة أيّام».[6]
إذن فاليوم ليس في مقابل الليل، ولا اليوم والليلة ولا السنة ولا الشهر، لأنّه عندما تطوىٰ السماوات والأرض كما يُطوىٰ ويُلفّ الكتاب، هنالك لا تبقىٰ حركة وضعيّة ولا انتقاليّة للأرض ولا لكوكب آخر حتّىٰ يتكوّن من حركتها نهار وليل ويوم وشهر وعام، بل يُطوىٰ بساط المتحرّك والحركة.
وعلىٰ هذا فإنّ اليوم في (يوم الدين) والآيات المتعلّقة بالقيامة عندما يُفسَّر بالظهور يجب أن يبيّن ظهور أيّ شيء هو المراد.
الّذي يظهر من الآيات الكثيرة الّتي تتحدّث عن «يوم الدين» هو أنّ القيامة يوم ظهور الدين، مثل قوله تعالىٰ: ﴿وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ ٭ يَصْلَوْنَهَا يَوْمَ الدِّينِ ٭ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغَائِبِين﴾[7]، وبما أنّ للدين معاني ومصاديق كثيرة ومختلفة من جملتها «الجزاء» لذلك يقال ليوم القيامة أنّه يوم «الجزاء» أيضاً، لكنّ الجزاء جزء من أجزاء الدين فقط (بالمعنىٰ الشامل للدين) الّذي استعمل في الآية: ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَم﴾[8] ونظائرها. وفي القيامة يظهر الدين بجميع أبعاده وجوانبه.
ـــــــــــــــــــــ
[1] . سورة البقرة، الآية 8 و....
[2] . سورة النبأ، الآية 38.
[3] . سورة الانفطار، الآية 19.
[4] . ولهذا فإنّ كلمة يوم في يوم القيامة ليس لها تثنية ولا جمع بل إنّ يوم القيامة بالنسبة للكثير من الناس يمتدّ إلىٰ خمسين ألف سنة: ﴿فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة﴾ (سورة المعارج، الآية 4)، لكنّه بالنسبة للمؤمنين بمقدار الصلاة الواجبة لا أكثر.
والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله) قال في جواب من سأله: «يا رسول الله ما أطول هذا اليوم! قال: والّذي نفس محمّد بيده أنّه ليخفّف علىٰ المؤمن، حتّىٰ يكون أخفَّ عليه من صلاة مكتوبة يصلّيها في الدنيا» (بحار الانوار، ج7، ص123).
[5] . سورة الرحمٰن، الآية 29.
[6] . يقول الله سبحانه بالنسبة إلىٰ خلق العالم إنّه خلق مجموع النظام الموجود في ستّة أيّام: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْش﴾ (سورة الحديد، الآية 4)، لأنّه خلق الأرض في يومين: ﴿خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْن﴾ (سورة فصّلت، الآية 9)، وخلق السماوات السبع في يومين أيضاً: ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخَانٌ... ٭ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْن﴾ (سورة فصّلت، الآيتان 11 و12)، وما بين السماوات والأرض خلقه في يومين أيضاً. أمّا تغيير نظام الدنيا في النفخة الأولىٰ والمجيء بنظام جديد في النفخة الثانية فسيكون خلال يوم واحد: ﴿يَوْمَ نَطْوِي السَّماءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُب﴾ (سورة الأنبياء، الآية 104)، ويقول في موضع آخر: ﴿وَالأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالْسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِه﴾ (سورة الزمر، الآية 67)، وفي موضع آخر يقول: ﴿يَوْمَ تُبَدُّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّماوَات﴾ (سورة ابراهيم، الآية 48) كلّ هذه الأحداث تقع في يوم واحد والمقصود من اليوم هو الظهور.
[7] . سورة الانفطار، الآيات 14 ـ 16 عبَّر القرآن الكريم عن إحراق الفجّار في نار جهنّم بعبارة (يَصلون) تارة، وأخرىٰ بعبارة (تصلية)، وهناك فرق بين هذين التعبيرين فالتعبير الأوّل بمعنىٰ الاحتراق السطحيّ والخارجيّ والثاني بمعنىٰ الانصهار والاحتراق الداخليّ والباطنيّ.
[8] . سورة آل عمران، الآية 19.
حيدر حب الله
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد علي التسخيري
الشيخ باقر القرشي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عبد الأعلى السبزواري
السيد جعفر مرتضى
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ محمد صنقور
الشيخ شفيق جرادي
عبدالله طاهر المعيبد
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
النص القرآني: المكانة والدّور
مشاهير مفسري الشيعة في القرنين الخامس والسادس (1)
منهج أهل البيت (ع) في بناء الإنسان الكامل (1)
وصايا النبي (ص) التربوية إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) (1)
(عصمة الرسول الأعظم في القرآن الكريم) كتاب جديد للسّيد ضياء الخباز
اختيار النبيّ (ص) لخديجة (ع)
المذاهب الأخلاقية
معنى أن الأئمة (ع) وجه الله
معنى لفظة (ألو) في القرآن الكريم
كيف استظلَّ يونس بشجرة اليقطين؟!