﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾(1)
المراد من الوهن هو الضّعف المقابل للقوَّة، وقوله تعالى: ﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ حالٌ من الأم أي حملته الأمُّ حال كونها ذات وهنٍ وضعف أو تكون كلمة "وهنًا" مفعولاً مطلقًا لفعل محذوف والتقدير تهنُ وهنًا، والفعل تهنُ في موضع الحال من الأمّ أي حملته الأمُّ حال كونها تهنُ وتضعف بحمله، فيكون "وهنًا" والذي هو المفعول المطلق مؤكِّداً للفعل يهن الذي هو في موضع الحال للأم. ويحتمل -كما قيل- أنَّ "وهنًا" منصوب بنزعِ الخافض، والأصل حملته أمُّه بضعفٍ على ضعف.
وأمَّا قوله: ﴿عَلَى وَهْنٍ﴾ فهو جارٌ ومجرور في موضع نعت للمفعول المطلق، أو للمنصوب بنزع الخافض، والتقدير أنَّ الأمَّ حملتْه وهنًا صفته أنَّه على وهن أي وهنًا كائنًا على وهنٍ.
وعلى أيِّ تقدير فمفاد الآية أنَّ الأمَّ حملته، والحال أنَّها ضعيفة في نفسِها، فازدادت بحملها إياه ضَعفًا على ضعفها الّذي هي عليه، أو أنَّ المراد هو أنَّها تضعفُ حال حمله ضعفًا شديدًا، ويزدادُ هذا الضعف كلَّما مضى وقتٌ على الحمل، فالوهنُ على الوهن تعبيرٌ عن تضاعفه، وازدياده بمرور الوقت على الحمل، فهي تتقلَّب من ضعفٍ إلى ضعفٍ هو أشدُّ من الضعف الذي سبقه وهكذا حتى تضعَ حملَها.
ولعلَّ هذا مراد من فسَّر الوهن على الوهن بالشدَّة على الشدَّة. وكذلك مَن فسَّره بالمشقَّة على المشقَّة، فإنَّ الشعور بالشدَّة والمشقّة منشأها الضعف عن التحمُّل للشيء، وكلَّما ازداد الضعف تضاعف الشعور بالشدَّة والمشقَّة. ولعلَّ المراد من قوله: ﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ هو توالي الضعف وتتابعه بقطع النظر عن اشتداده بتقادم الحمل، فمفاد قوله: ﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ هو أنَّها من حين الحمل أخذت تنتقل من ضعفٍ إلى ضعف، ومن جهدٍ إلى جهد، ومن مشقَّة إلى مشقة أي أنَّ الوهن يظلُّ ملازمًا لها حتى تضعَ حملَها.
وأيًّا كان مؤدَّى الفقرة المذكورة فإنَّ الغرضَ من سَوقها هو البيان لمنشأ الوصيَّة بشكر الوالدين -خصوصًا الأمّ- فإنَّه مضافًا إلى كونهما سببًا في وجود الإنسان فإنَّ الأمَّ قد تكبَّدت على ضعفِها عناءً مُضنيًا بحمله.
هذا وقد أفاد بعضُهم أنَّ قوله تعالى: ﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ حال من الضمير الراجع إلى الإنسان، فهو ليس حالاً من الأم وإنَّما هو حال من الضمير في قوله: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ﴾ فالضمير في قوله: ﴿حَمَلَتْهُ﴾ والضمير المضاف إلى الأم يرجعُ على الإنسان المذكور في قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ﴾ فيكون مؤدَّى الفقرة المذكورة هو حملتْه أمُّه أي الإنسان حال كونه ذا ضعفٍ، وذلك لأنَّه لم يكن سوى نطفة في مَعرضِ التّلف ثم إنَّه يحتاجُ لينمو إلى أنْ يحتضنه رحِم الأم، وكذلك فإنَّه بحاجةٍ إلى الغذاء الذي ليس في مقدوره تأمينه بنفسه وهكذا فإنَّه بحاجةٍ إلى أنْ ترعاه العناية الإلهيَّة فينتقلُ من طورٍ إلى طورٍ، وفي تمام هذه الأطوار يكون ضعيفًا واهنًا أحوج ما يكون إلى الرعاية والحماية فمعنى: ﴿حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ هو أنَّ الإنسان حملته أمُّه وهو في قمة الضعف من جميع جهاته، وفي تمام أحواله وأطواره، فهو ضعيف لأنَّه لا يملك أن يحيى بنفسه، وإذا صار إلى الحياة، فإنَّه لا يملك أن يحتفظ بحياته لحظة دون عناية الله تعالى، وهو ضعيف لحاجته إلى رحمٍ يحميه، وإلى الغذاء وإلى ما يقتضي نموه وتنقله من طورٍ إلى طور فقوله: ﴿وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ﴾ بيان لحال الإنسان في وقت الحمل وأنَّه ضعفٌ في ضعف.
والذي يرد على هذا التّفسير هو أنَّه خلاف ما يظهر من سَوق الآية، وأنَّها قد سيقت لبيان الوصيَّة بشكر الوالدين، فإنَّ المناسب لذلك هو كون الفقرة المذكورة بصدد الإشارة إلى ما تكبَّدته الأم من جهد الحمل والذي يقتضي عرفان هذا الجميل لها فتكون الإشارة إلى ذلك محفِّزًا على الالتزام بالوصية بشكر الوالدين.
ـــــــــــــــــــــــــــــ
1- سورة لقمان / 14.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان