المرأة بين النظرية القرآنية والواقع الإسلامي
إن شخصية المرأة في النظرية القرآنية تعد نموذجًا عالـميًّا يتناسب من جهة والفطرة، ومن جهة أخرى مع الزمان والمكان، حيث أسس القواعد الكلية، وترك تشخيصاتها المصداقية للعقلاء وسيرة العقلاء، فلو تم تطبيقه سيحقق كثيرًا من المنافع الإنسانية، إلا أن الواقع الإسلامي لا يعكس أبدًا هذا النموذج رغم قرآنيته، بل على العكس تمامًا ترزح المرأة تحت وطأة التمييز والتنمر في كثير من الدول العربية والإسلامية، بل والاضطهاد وأغلبه اضطهاد ديني يتكئ على أحكام فردية غابت عنها الرؤية القرآنية وتلبست في كثير منها المسبقات البيئية والأعراف والتقاليد الاجتماعية، التي تم توارثها عبر مجموعة أحاديث إما لم يتم التحقق من سندها، أو هي معارضة في متنها مع الطرح القرآني رغم متانة السند. وضمن هذا الواقع، وبعد العولمة ظهرت كثير من الأفكار والحركات التي تدافع عن المرأة وحقوقها، ومنها الحركات النسوية، التي تنشط بشكل فعّال جدًّا في الغرب، وفي الدول العربية والإسلامية.
إن الحركات النسوية لها فاعلية كبيرة في المنظمات العالمية الرسمية وغير الرسمية، وخاصة في العالم الثالث، وهو ما قد ينعكس بسلبياته وإيجابياته على واقع المرأة في العالم الثالث، ولكن لو قارنا ووازنا بين الإيجابيات والسلبيات لخرجنا بنتيجة واضحة، أن سلبيات هذا الحراك النسوي مقارنة مع إيجابياته تعتبر أكبر وأخطر على هوية المرأة، إذ يراد لهويتها الاستلاب لتحل بذلك قيم بديلة وثقافة دخيلة خالية من أي بعد معنوي إنساني، وقائمة على أسس مادية للرؤية الكونية للإنسان والطبيعة والكون. وهو ما يدعونا للوقوف والتأمل مليًّا في أن نمعن النظر في واقع حال المرأة المسلمة، وأن نعلي الصوت كمسلمات أمام كل الجهات المسؤولة والعلماء والمراجع في إعادة صياغة فقه المرأة وفق أسس تعتمد على القراءة التاريخية التكاملية، التي تستوعب ظروف الزمان والمكان ويكون للعقل مكانته الواضحة فيها، بل نطالب بإعادة صياغة موضوع المرأة في الإسلام والبحث عن كل متعلقاته في التاريخ لنخرج برؤية إسلامية كلية شاملة، قادرة على طرح مشروع نسوي بديل وقادر على مواجهة هذه المشاريع النسوية التي تريد أن تلغي الدين من حياة المرأة، وتجعل قبلتها الجسد وترفع عنه كل القيود القيمية والأخلاقية، لتصبح الرذيلة عنوان حراكها في المجتمع، وعندما تفسد المرأة يفسد معها المجتمع ككل.
المرأة ووهم الحقوق
فقد يعتري الكثيرات منّا الأمل حينما يتداعى إلى مسامعنا عن حراكات نسوية حقوقية تطالب بإنصاف المرأة ومساواتها بالرجال، أملًا مقترنًا بعقدة النقص والنزوع نحو الخوف، أكثر منه نحو الثقة وهو ما أدّى إلى حالة انكماش ملحوظة للمرأة عن الواقع الاجتماعي والسياسي، كرد فعل طبيعي لتلك الحراكات المطالبية.
لست ضد الحراكات الحقوقية للإنسان بما هو إنسان، ولكنني ضد الحراكات الحقوقية التي تميز بين جنس وآخر دون أساس مبدئي واضح، أو مرجعية فكرية ثابتة ومعتبرة لهذا التمييز، دون أيضًا أن تأخذ في حسبانها قولبة مطالباتها ضمن منظومة متكاملة شاملة، حتى لا نقع فريسة الإعاقة الشكلية لهذه المطالبات، فتكون مخرجاتها غير متوازنة وردود الفعل عليها حادة فنخسر بذلك من جهة المشروع برمته، لخروجه عن الأطر السليمة للنهج المطالبي الحقوقي، ومن جهة أخرى تكون هذه المطالبات غير المتوازنة على حساب كينوتها الإنسانية أولًا، والأنثوية ثانيًا، والأسرية ثالثًا، وأخيرًا الاجتماعية والسياسية.
فترسم لنا هذه المطالبات امرأة من عالم المريخ، لا يمكنها أن تعيش بيننا على الأرض وتحلق بعيدًا لتجد نفسها فجأة مجردة حتى من جوهرها الإنساني، ومبرمجة وفق خطة ومنهج وصورة فقدت فيها بريقها حتى الأنثوي.
إذًا ما هو المطلوب…؟
أعتقد أن أي حراك حقوقي يجب أن يكون منظورًا ضمن منظومة شاملة، تنظر من الزوايا كافة بعين الإنصاف والموضوعية، ولا تغفل عن دور لحساب دور آخر، ولا عن حق لحساب حق آخر، وتكون فيها المرأة جزءًا من كل، بحيث لا تنفك هذه المنظومة عنها ولا تكتمل إلا بها. والمنظومة الحقوقية للمرأة يجب أن ننظر لها من عدة زوايا متصلة وليست منفصلة:
أولًا: حقوقها ضمن عائلتها كابنة وأخت، وفي الأسرة كزوجة وأم، وفي المجتمع كشريكة للرجل وجزء فاعل ومكافئ له في هذه الفاعلية بمصاديقها كافة.
فلا نطالب بالحقوق السياسية والاجتماعية ونهمل حقوقها الأسرية أو العائلية، ولا نطالب بحقوقها بمعزل عن واجباتها من جهة وعن حقوق وواجبات الرجل من جهة أخرى، لأن ذلك سيخرج لنا تصورًا حقوقيًّا مشوّهًا ومخلًّا بالتوازن الاجتماعي السياسي والأسري والعائلي.
إن إلهاء المرأة وما تمثّله كنصف المجتمع وعصبه الحي بمطالبات حقوقية مجتزأة، وغير متوازنة بعيدة عن الواقع وعن مشروع منظومي متكامل، هي معركة إيهامية يراد منها إشغال وإيهام المرأة عن حقيقة دورها المراد منها، وبالتالي تعطيل حقيقي للمجتمع وإفساد واقعي وعملي للأجيال ثم هيمنة كلية واستغفالٍ لحاضرنا ومستقبلنا.
فالمرأة اليوم بين واقع يفرض عليها باسم الدين قيودًا روحية وعقلية وجسدية، وواقع آخر يفرض عليها باسم الحرية والمساواة والحقوق عبودية تفسد بها ذاتها ومجتمعها.
والمطلوب هو أن تمارس المرأة كل أدوارها باتزان وبتكامل مع الرجل، وأن تمتلك القدرة على التشخيص في: متى وأين وكيف، فيما يتعلق بأدوارها وأبعاد شخصيتها.
وهذا واقعًا كي يتحقق يحتاج لعدة عوامل أهمها:
1. نضال المرأة بعفتها لأجل تحقيق العدالة فيما يتعلق بدورها.
2. التمييز بين الدين والعادات والتقاليد، وتطبيق إرادة الخالق لا إرادة المخلوق، وهو ما يتطلب تعميق لمفهوم التوحيد العملي، كون ركون النفس لضغط العادات والتقاليد وما يريده المجتمع، هو نوع من أنواع الشرك الخفي العملي، فالحق أحق أن يتبع.
3. حاجة الفقهاء لإعادة النظر في منهج فهم النص ومنهج الاستنباط، بجعل القرآن المرجعية المعرفية للحديث.
4. الحاجة إلى التعاون بين الرجل والمرأة، للنهوض بدور المرأة والارتقاء بوعي وفهم المجتمع لأهمية دورها ومحوريته.
5. تقديم النموذج الصالح كما أراده الخالق لا المخلوق، من خلال كشف كامل للشخصية النموذج في الأدوار كافة، سواء من خلال استقراء الشخصيات النموذجية التاريخية، ومن خلال قراءة الشخصيات النموذجية في القرآن وفهم مداراتها ومعالمها، وعدم الاكتفاء بتحويلهما مقدّسًا لا يمس ولا يطاول كما فعل المسيحيون مع مريم (ع).
6. حاجتنا لقراءة التاريخ ونصوصه قراءة سيوسيولوجية، تأخذ في الحسبان الزمان والمكان.
7. الارتقاء بدور المرأة من عقل منفذ إلى عقل مخطط ومقرر، أي شريك في القرار والتخطيط والتنفيذ، وهو ما يتطلب تأهيلًا لها وتقديرًا للطاقات المؤهلة والقادرة.
المرأة مكمّلة لدور الرجل وشريكة له، فهي ليست ندًّا ولا في قباله، وقيمومة الرجل عليها في نطاقها المفروض في الأسرة فقط، وضمن ضوابط أخلاقية وقيمية لا تنفك أبدًا عن الضوابط السماوية والشرعية، والتي تنبني أسسها ليس فقط على القيمومة والحق والواجب، بل يضاف لها كركن مكمل أساسي المودة والحب والسكن، فكلمة طيبة مثلها كمثل شجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء. أما في المجتمع، فلا قيمومة لأحد على أحد، والكفاءة والعلم المعيار في التقدم والشراكة.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان