قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ جعفر السبحاني
عن الكاتب :
من مراجع الشيعة في ايران، مؤسس مؤسسة الإمام الصادق والمشرف عليها

الآيات التي تجري مجرى المثل

القرآن الكريم كلّه حكمة وعظة، بلاغ وعبرة، وقد قام غير واحد من المحقّقين باستخراج الحكم الواردة فيه التي صارت أمثالاً سائرة عبر القرون لتداولها على الألسن في حياتهم العملية. وقد سبق منّا القول إنّ هذه الآيات لم تنزل بوصف المثل، لأنّ المثل عبارة عن كلام تداولته الألسن فصار به أمثالاً سائرة دارجة، ومن الواضح أنّ الحكم الواردة في القرآن نزلت من دون سبق مثال لها، فلم تكن يوم نزولها موصوفة بوصف المثل، وإنّما أُضفي عليها هذا الوصف عبر مرّ الزمان وتداول الألسن.

 

ثم إنّ جعفر بن شمس الخلافة المتوفّى عام (226هـ) عقد باباً في ألفاظ القرآن الجارية مجرى المثل، ونقله السيوطي عنه في كتاب "الاتقان"، وقال: وهذا هو النوع البديعي المسمّى بإرسال المثل. وإليك ما أورده من هذا الباب:

1. (وَعَسى أَنْ تكرَهُوا شَيئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).

2. (كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَة).

3. (لا يُكَلّفُ اللهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها).

4. (لَنْ تَنالُوا البِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّون).

5. (ما عَلى الرَّسُولِ إِلا البَلاغُ).

6. (قُلْ لا يَسْتَوي الْخَبيثُ وَالطَّيّب).

7. (لِكُلّ نَبَأٍ مُسْتَقَرٍ).

8. (وَلَوْ عَلِمَ اللهُ فِيهِمْ خَيراً لأسمَعَهُمْ).

9. (ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيل).

10. (الآن وَقَدْ عَصَيْتَ قبلُ).

11. (أَلَيْسَ الصُّبحُ بِقَرِيب).

12. (قُضِي الأمْرُ الَّذى فِيهِ تَسْتَفْتِيان).

13. (الآن حَصْحَصَ الحَقّ).

14. (قُلْ كُلّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِه).

15. (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداك).

16. (ضَعُفَ الطّالِبُ وَالْمَطْلُوب).

17. (كُلُّ حِزبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُون).

18. (ظَهَرَ الْفَسادُ فِي البَرّ وَالْبَحْر).

19. (وَقليلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُور).

20. (وَحيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُون).

21. (وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبير).

22. (وَلا يَحِيقُ المَكْرُ السَّيّءُ إِلا بِأَهْلِهِ).

23. (وَضَرَبَ لَنا مَثَلاً وَنَسِىَ خَلْقَهُ).

24. (لِمِثْلِ هذا فَلْيَعْمَلِ الْعامِلُون).

25. (وَقَليلٌ ما هُمْ).

26. (لَيْسَ لَها مِنْ دُونِ الله كاشِفَة).

27. (هَلْ جَزاءُ الإحْسان إِلاّ الإحْسان).

28. (فَاعْتَبِرُوا يا أُولي الأبْصار).

29. (تَحْسَبُهُمْ جَميعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتّى).

30. (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَة).

 

هذا ما نقله السيوطى في "الااتقان "عن كتاب "الآداب" لجعفر بن شمس الخلافة، ولكن المذكور في كتاب "الآداب" ما يناهز 69 آية، وقد صارت هذه الآيات في عصره أمثالاً سائرة.

ثمّ إنّ شهاب الدين محمد بن أحمد أبا الفتح الابشيهي المحلي (790ـ 850هـ) في كتابه "المستطرف في كل فن مستظرف" ذكر من حِكم القرآن التي تجري مجرى الأمثال أكثر مما نقله السيوطي في إتقانه عن كتاب الآداب.

قال صاحب المستطرف: إنَّ الأمثال من أشرف ما وصل به اللبيب خطابه، وحلّى بجواهره كتابه، وقد نطق كتاب الله تعالى وهو أشرف الكتب المنزلة بكثير منها، ولم يخلُ كلام سيدنا رسول الله عنها، وهو أفصح العرب لساناً وأكملهم بياناً، فكم في إيراده وإصداره من مثل يعجز عن مباراته في البلاغة كلّ بطل،.... فمن أمثال كتاب الله ، قوله تعالى: (لَنْ تَنالُوا البِرّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّون)، (الآن حَصْحَصَ الحَق )، و(قُضِي الأمْرُ الذي فيهِ تَسْتَفْتِيان) إلى آخر ما ذكره.

 

ثمّ إنّ بعض من ألّف في أمثال القرآن، استدرك عليهما الحِكم التي صارت مثلاً بين الناس والتي يربو عددها على 245 آية.

كما أنّ الدكتور محمدحسين الصغير ذكر في خاتمة كتابه من هذه المقولة فبلغ 495 آية.

ولكن الذي فاتهم هو التركيز على أنَّ هذه الآيات لم تكن أمثالاً يوم نزولها، بل كانت حِكماً وإنّما جاءت مثلاً حسب مرّ الزمان.

وأخيراً نزيد أنّ هناك آيات أخرى غير ما تقدَّم أكثر تداولاً على الألسن في أكثر البلاد الإسلامية نشير إلى قسم منها، وربما يوجد بعض منها فيما ذكره مؤلف الآداب، وهذه الآيات هي:

1. (كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا).

2. (هذا فراقٌ بَيْنِى وَبَيْنِك).

3. (نُورٌ عَلى نُور).

4. (وَما عَلى الرَّسُولِ إِلاّ البَلاغ).

5. (يُخْرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيّتِ وَيُخْرِجُ المَيّتَ مِنَ الحَيّ).

6. (هَلْ يَسْتَوي الّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالّذِينَ لا يَعْلَمُون).

7. (يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيدِيهِمْ).

8. (هَلْ جَزاء الإحْسانِ إِلاّ الإحسانُ).

9. (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُون).

10. (لَكُمْ دِينُـكُمْ وَلِي دِين).

 

هذه آيات عشر صارت مثلاً سائراً بين أكثر المسلمين. ثم إنّ المحقّق بهاء الدين العاملي عقد فصلاً تحت عنوان "فيما ورد من كتاب الله تعالى مناسباً لكلام العرب" ويريد بذلك أنّ هناك معادلات في كلام العرب لما جاء في القرآن من الحكم، وذكر الآيات والأمثال التالية:

أ: العرب تقول في وضوح الأمر:"قد وضح الصبح لذي عينين".

وقال الله تعالى: (الآن حَصْحَصَ الحَقّ ).

ب: وتقول العرب في فوات الأمر: "سبق السيف العذل".

قال الله تعالى: (قُضِيَ الأمْرُ الّذِي فِيهِ تَسْتَفْتيان).

ج: وتقول في تلافي الإساءة "عاد غيث على ما أفسد".

قال الله تعالى: (مكانَ السَّيئةِ الحَسنة ).

د: وتقول في الإساءة لمن لا يقبل الإحسان:"أعط أخاك ثمرة فإن أبى فجمرة".

وقال تعالى: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيّضْ لَهُ شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِين).

هـ: وتقول في فائدة المجازاة : "القتل أنفى للقتل".

وقال تعالى: (وَلَكُمْ فِي القِصاصِ حَياةٌ يا أُولى الألْباب).

و : وتقول في اختصاص الصلح: "لكّل مقام مقال".

وقال تعالى: (لِكُلّ نَبأٍ مُسْتَقر).

 

ثمّ إنّ بهاء الدين العاملى عاد إلى الموضوع في كتابه "المخلاة" ونقل شيئاً من أمثال العرب التي استفادها العرب من القرآن الكريم، فأوضح أنّ القرآن هو المنبع المهم لهذه الأمثال، قال:

أ: قولهم: ما تزرع تحصد: (مَنْ يَعْمَل سُوءاً يُجْزَ بِهِ).

ب: قولهم: للحيطان آذان: (وَفيكُمْ سَمّاعُونَ لَهُمْ).

ج: قولهم: احذر شرَّ من أحسنت إليه: (وَما نَقَمُوا إِلاّ أنْ أغناهُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ).

د: وقولهم: لا تلد الحيّة إلاّ حيّة: (وَلا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كفّاراً)

وما ذكره شيخنا العاملي هو الذي سبق ذكره في كلام الآخرين تحت عنوان "الأمثال الكامنة".

ولعلّ ما ذكره ابن شمس الخلافة والسيوطي والبهائي ليس إلاّ جزءاً يسيراً من الحكم التي سارت بين الناس، أو صارت نموذجاً لصبّ بقية الأمثال في قالبها، وهذا من القرآن ليس ببعيد.

كيف وقد وصفه النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) : "لا تُحصى عجائبه ولا تبلى غرائبه".

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد