البسملة في اللغة والاصطلاح
قول بسم اللّه الرّحمن الرحيم، يقال بَسْمَل بَسْمَلة: إذا قال أو كتب بسم اللّه، يقال: أكثر من البسملة، أي أكثر من قول بسم اللّه.(1)
البسملة هي سمة المسلمين حيث لا يستفتحون بشي إلاّ بعد ذكر بسم اللّه الرحمن الرّحيم، وهي آية التوحيد وسبب نفر المشركين، يقول سبحانه: (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا للرَّحمن قالُوا وَمَا الرحمنُ أنسجُدُ لِما تأمُرنا وَزادَهُمْ نُفُوراً).(2)
وقد كان شعار المشركين في عصر الجاهلية قولهم: «باسمك اللهم» وكانوا يستفتحون بذلك كلامهم. وقد آل الأمر في صلح الحديبية إلى كتابة وثيقة صلح بين الطرفين، أمرَ النبي عليّاً (عليه السلام) أن يكتب: بسم اللّه الرحمن الرحيم، فكتب علي وفق ما أُمِر، فقال سهيل مندوب قريش: لا أعرف هذا ولكن اكتب باسمك اللهم.(3)
فالبسملة هي الحد الفاصل بين الإسلام والشرك، وبها يميّز المؤمن عن الكافر، ولا ينفك المسلم منها في حِلّه وترحاله.
البسملة آية قرآنية تشهد عليها المصاحف عبر القرون، وقد كتبت في مفتتح كلّ سورة خلا سورة التوبة، كتبوها كما كتبوا غيرها من سائر الآيات بدون ميز، مع اتّفاقهم على أن لا يكتبوا شيئاً من غير القرآن فيه إلاّ بميزة بيّنة، حرصاً منهم على أن لا يختلط به شي من غيره.
ولذلك تراهم ميّزوا عنه أسماء سوره، وعدد آياته، ورموز أجزائه، وأرباعه، وركوعه وسجوده، كتبوها على نحو يعلم أنّها خارجة عن القرآن، وفي الوقت نفسه اتّفقوا على كتابة البسملة مفتتح كلّ سورة، كسائر الآيات دون فرق بين الخلف والسلف، ولا تجد قرآناً مخطوطاً من عهد الصحابة إلى يومنا هذا على غير هذا النمط، وهذا اتّفاق عملي منهم على أنّ البسملة جزء من المصحف.
غير انّه طرأ الاختلاف بعد رحيل الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والأظهر أنّ الاختلاف ظهر في خلافة معاوية بن أبي سفيان أو قبله بقليل، وأمّا ما هي العلّة لطروء هذا الاختلاف، فلعلّ بعض الدواعي له، هو المخالفة لسيرة الإمام علي (عليه السلام) في البسملة حيث أطبق الجميع على أنّ علي بن أبي طالب كان يجهر بها.
قال الرازي: وأمّا أنّ علي بن أبي طالب فقد كان يجهر بالتسمية وقد ثبت بالتواتر، وكان يقول: يا مَنْ ذِكْره شَرف للذاكرين.(4)
وقد تضافرت الروايات عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته وأصحابه، على أنّ كون البسملة جزء من الفاتحة، وأنّها يجب الجهر بها في الصلوات الجهرية، كما أنّها جزء من كلّ سورة.
وتظهر حقيقة الحال في ضمن فصول.
فضل البسملة
قد ورد في فضل البسملة أحاديث كثيرة نقتبس منها القليل:
1. قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): «فُضِّلتُ ببسم اللّه الرحمن الرحيم» وقال: «لم تنزل على أحد غيري سوى ما حكاه اللّه سبحانه من كتاب سليمان».(5)
2. قال الإمام الباقر (عليه السلام) : «أكرم آية في كتاب اللّه: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم».(6)
3. أخرج الشيخ الطوسي عن عبد اللّه بن يحيى الكاهلي، عن الصادق، عن أبيه (عليهما السلام) قال: «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم أقرب إلى اسم اللّه الأعظم من ناظر العين إلى بياضها».(7)
أقوال الفقهاء في جزئيّة البسملة
قد ذكر القرطبي أقوال أئمّة المذاهب الأربعة بوضوح، فقال:
اختلفوا في قراءة بسم اللّه الرحمن الرحيم في افتتاح القراءة في الصلاة.
1. فمنع ذلك مالك في الصلاة المكتوبة ـ جهراً كانت أو سراً ـ لا في استفتاح أُمّ القرآن ولا في غيرها من السور، وأجاز ذلك في النافلة.
2. وقال أبو حنيفة والثوري وأحمد: يقرؤها مع أُمّ القرآن في كلّ ركعة سراً.
3. وقال الشافعي: يقرؤها ولابدّ في الجهر جهراً وفي السرّ سرّاً، وهي عنده آية من فاتحة الكتاب، وبه (كون البسملة آية من فاتحة الكتاب) قال أحمد و أبو ثور وعبيد.
واختلف قول الشافعي هل هي آية من كلّ سورة، أم إنّما هي آية من سورة النمل فقط ومن فاتحة الكتاب؟ فرُوي عنه القولان جميعاً.
وسبب الاختلاف من هذا آيل إلى شيئين:
أحدهما: اختلاف الآثار في هذا الباب.
والثاني: اختلافهم هل «بسم اللّه الرحمن الرحيم» آية من فاتحة الكتاب أم لا؟(8)
وقال الشيخ الطوسي: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم آية من كلّ سورة من جميع القرآن، وهي آية من أوّل سورة الحمد.
وقال الشافعي: إنّها آية من أوّل الحمد بلا خلاف بينهم، وفي كونها آية من كلّ سورة قولان:
أحدهما: أنّها آية من أوّل كلّ سورة، والآخر: أنّها بعض آية من كلّ سورة، وإنّما تتمّ مع ما بعدها فتصير آية.
وقال أحمد وإسحاق وأبو ثور وأبو عبيدة وعطاء والزهري وعبد اللّه بن المبارك: إنّها آية من أوّل كلّ سورة حتّى أنّه قال: من ترك بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ترك مائة وثلاث عشرة آية.
وقال أبو حنيفة ومالك والأوزاعي وداود: ليست آية من فاتحة الكتاب ولا من سائر السور.
وقال مالك والأوزاعي وداود: يكره أن يقرأها في الصلاة بل يكبّر، ويبتدي بالحمد إلاّ في شهر رمضان، والمستحب أن يأتي بها بين كلّ سورتين تبركاً للفصل، ولا يأتي بها في أوّل الفاتحة.(9)
وحاصل الأقوال: أنّ مالكاً لا يرى البسملة جزءاً من السور مطلقاً، وأمّا الحنفية والحنابلة فيرونها جزءاً من فاتحة الكتاب لكن يقرأونها سراً.
وأمّا الشافعية فيرونها جزءاً من فاتحة الكتاب، ويقرأونها في الجهر جهراً وفي السرّ سرّاً، وأمّا كونها جزءاً من سائر السور ففيه عن الشافعي قولان.
وأمّا الشيعة الإمامية فليس عندهم إلاّ قول واحد، وهو أنّ البسملة جزء من كلّ سورة، ويجهر بها في الصلوات الجهرية وجوباً، وفي الصلوات السرية استحباباً.
وأبعد الأقوال بالنسبة إليهم قول مالك، حيث إنّ البسملة عنده ليست آية من القرآن، إلاّ في سورة النمل، فإنّها جزء من آية ويكره قراءتها بصلاة فرض للإمام وغيره، قبل الفاتحة أو سورة بعدها.
وأين هذا القول من كلام الإمام الصادق (عليه السلام) حيث قال مندِّداً لمن يترك البسملة في الصلاة ويرى الجهر بها بدعة، فقال: «ما لهم عمدوا إلى أعظم آية في كتاب اللّه عزّ وجلّ فزعموا أنّها بدعة إذا أظهروها، وهي بسم اللّه الرّحمن الرّحيم».(10)
وتحقيق المقام يقتضي البحث في الأمور التالية:
الأوّل: هل البسملة جزء من الفاتحة أم لا؟
الثانية: لو افترضنا أنّها جزء فهل يجهر بها في الصلوات الجهرية؟
الثالثة: هل البسملة جزء من سائر السور أم لا؟
ونستعرض مورد أدلّة الأقوال مع القضاء الحاسم بإذن اللّه سبحانه.
البسملة جزء من الفاتحة
إنّ البسملة جزء من الفاتحة، ويدلّ عليه أمور نذكرها تباعاً:
الأوّل: ما رواه الشافعي بإسناده أنّ معاوية قدم المدينة فصلّى بها، ولم يقرأ بسم اللّه الرحمن الرحيم، ولم يكبّر عند الخفض إلى الركوع والسجود، فلما سلّم ناداه المهاجرون والأنصار: يا معاوية، سرقتَ من الصلاة، أين بسم اللّه الرحمن الرحيم؟! وأين التكبير عند الركوع والسجود؟! ثمّ إنّه أعاد الصلاة مع التسمية والتكبير.
قال الشافعي: إنّ معاوية كان سلطاناً عظيم القوة، شديد الشوكة، فلولا أنّ الجهر بالتسمية كان كالأمر المتقرر عند كلّ الصحابة من المهاجرين والأنصار، وإلاّ لما قدروا على إظهار الإنكار عليه بسبب ترك التسمية.(11)
ونحن نقول: ولولا أنّ التسمية جزء من الفاتحة، لما اعترض المهاجرون والأنصار على تركها مضافاً إلى ترك الجهر بها. وهذا الأثر كما يدلّ على جزئيّة التسمية، يدلّ على لزوم الجهر بها، فيستدلّ به في كلا الموردين.
الثاني: روى الشافعي عن مسلم، عن ابن جريج، عن ابن أبي مليكة، عن أُمّ سلمة أنّها قالت: قرأ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) فاتحة الكتاب فعدّ بسم اللّه الرحمن الرحيم آية، الحمد للّه ربّ العالمين آية، الرحمن الرحيم آية، مالك يوم الدين آية، إياك نعبد وإياك نستعين آية، اهدنا الصراط المستقيم آية، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آية. وهذا نص صريح على الجزئيّة.(12)
الثالث: أخرج الحاكم عن أُمّ سلمة أنّ رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) قرأ في الصلاة بسم اللّه الرحمن الرّحيم فعدها آية، الحمد للّه ربّ العالمين آيتين، الرّحمن الرّحيم ثلاث آيات، مالك يوم الدين أربع آيات، وقال: هكذا إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، وجمع خمس أصابعه.(13)
الرابع: أخرج الحاكم عن أُمّ سلمة، قالت: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، الحمد للّه ربّ العالمين يقطعها حرفاً حرفاً.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وأقرّه على صحّته الذهبي في تلخيصه.(14)
الخامس: أخرج الحاكم عن نعيم المجمر، قال: كنت وراء أبي هريرة، فقرأ بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، قرأ بأُمّ القرآن حتّى بلغ ولا الضّالين، قال: آمين. وقال الناس: آمين، ويقول كلّما سجّد: اللّه أكبر، ويقول إذا سلم: والذي نفسي بيده إنّي لأشبهكم صلاة برسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم).
قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. وقرره الذهبي في تلخيصه.(15)
السادس: أخرج الحاكم عن قتادة قال: سئل أنس بن مالك كيف كان قراءة رسول اللّه؟ قال: كانت مدّاً، ثمّ قرأ: بسم اللّه الرّحمن الرّحيم ويمد الرحيم.(16)
وقرره على ذلك الذهبي في تلخيصه.
السابع: أخرج الحاكم عن ابن جريج، عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثاني) قال: فاتحة الكتاب (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم* الحمد للّه ربّ العالمين)، وقرأ السورة. وقال ابن جريج: فقلت لأبي لقد أخبرك سعيد عن ابن عباس أنّه قال: بسم اللّه الرحمن الرحيم، آية، قال: نعم.
قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه وتمام هذا الباب في كتاب الصلاة.(17)
الثامن: أخرج الثعلبي بإسناده إلى أبي هريرة قال: كنت مع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في المسجد إذ دخل رجل يصلّي، فافتتح الصلاة، وتعوّذ ثمّ قال: «الحمدللّه ربّ العالمين» فسمع النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقال: «يا رجل قطعت على نفسك الصلاة، أما علمت أنّ «بسم اللّه الرحمن الرّحيم» من الحمد؟ فمن تركها فقد ترك آية، ومن ترك آية فقد أفسد عليه صلاته.(18)
التاسع: أخرج الثعلبي عن علي أنّه كان إذا افتتح السورة في الصلاة يقرأ «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» وكان يقول: من ترك قراءتها فقد نقص، وكان يقول: هي تمام السبع المثاني.(19)
العاشر: أخرج الثعلبي عن طلحة بن عبيد اللّه قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): من ترك «بسم اللّه الرّحمن الرحيم» فقد ترك آية من كتاب اللّه، وقد نزل علىّ فيما عدّ من أُمّ الكتاب «بسم اللّه الرحمن الرحيم».(20)
الحادي عشر: أخرج الدارقطني ـ وصحّحه ـ والبيهقي في السنن عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم): إذا قرأتم «الحمد» فاقرأوا «بسم اللّه الرحمن الرحيم» إنّها أُمّ القرآن، وأُمّ الكتاب، والسبع المثاني، و«بسم اللّه الرحمن الرحيم» إحدى آياتها.(21)
الثاني عشر: أخرج الطبراني في الأوسط والدارقطني والبيهقي عن نافع، أنّ ابن عمر كان إذا افتتح الصلاة يقرأ بـ «بسم اللّه الرحمن الرحيم» في أُمّ القرآن وفي السورة التي تليها، ويذكر أنّه سمع ذلك من رسول اللّه.(22)
الثالث عشر: أخرج أبو داود والترمذي والدارقطني والبيهقي عن ابن عباس قال: كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يفتتح صلاته بـ «بسم اللّه الرحمن الرّحيم».(23)
الرابع عشر: أخرج الدارقطني والبيهقي عن أبي هريرة «أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا قرأ ـ و هو يؤم الناس ـ افتتح بـ «بسم اللّه الرّحمن الرحيم» قال أبو هريرة: هي آية من كتاب اللّه، اقرأوا إن شئتم فاتحة القرآن، فإنّها الآية السابعة.(24)
الخامس عشر: أخرج البيهقي في شعب الإيمان عن ابن عمر أنّه كان يقرأ في الصلاة «بسم اللّه الرّحمن الرّحيم» فإذا ختم السورة قرأها يقول: ما كتبت في المصحف إلاّ لتقرأ.(25)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 . لسان العرب والمصباح المنير: مادة بسملة.
2 . الفرقان: 60 .
3 . سيرة ابن هشام:2/317.
4 . التفسير الكبير:1/204.
5 . كنز العمال:1/655 رقم 2492; تفسير ابن كثير: 1/17; بحارالأنوار: 89/227رقم4.
6 . تفسير العياشي:1/19 رقم4.
7 . التهذيب:2/289 رقم 1159.
8 . بداية المجتهد:1/124.
9 . الخلاف:1/328، المسألة 82 من كتاب الصلاة.
10 . تفسير العياشي:1/21، الحديث16.
11 . مسند الشافعي: 13، ونقله الرازي بتمامه في تفسيره الكبير:1/204و المستدرك:1/233.
12 . المستدرك:1/232.
13 . المستدرك:1/232.
14 . المستدرك:1/232.
15 . المستدرك:1/232.
16 . المستدرك:2/233.
17 . المستدرك:1/551، تفسير سورة الفاتحة.
18 . الدر المنثور:1/21.
19 . كنز العمال:2/297 رقم 4049.
20 . كنز العمال: 1/556 برقم2494.
21 . الدر المنثور:1/11; السنن الكبرى:2/45.
22 . المعجم الأوسط:1/257; السنن الكبرى:2/48; مجمع الزوائد:2/109.
23 . الترمذي:1/155، ح245; سنن الدارقطني:1/303; السنن الكبرى:2/47.
24 . السنن الكبرى:2/47; سنن الدارقطني:1/305.
25 . شعب الإيمان:2/439ـ 440، ح2336.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان