قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد مهدي الآصفي
عن الكاتب :
عالم ومفكر اسلامي كبير، واستاذ في الحوزة العلمية، توفي(٤/٦/٢٠١٥)

عهد الله تعالى وميثاقه

﴿وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾. (الأعراف:172).

في آية الميثاق نواجه العهد الذي أخذه الله تعالى من الإنسان.

ومضمون هذا العهد أو الميثاق:

الإقرار بربوبية الله تعالى وبالعبودية له من الناحية التكوينية، والإذعان لطاعته تعالى من الناحية التشريعية. إنّ العلاقة العقلية واضحة بين هذين الأمرين، حيث إنّ الإنسان إذا ما اعترف لله تعالى بالربوبية، لزمه بحكم العقل أن يلتزم بالطاعة له. والعلاقة التكوينية بين الخالق وخلقه، تستتبع علاقة تشريعية بطاعة المخلوق لخالقه، فيما يشرع له من أوامر ونواهٍ.

إنّ هذا الميثاق هو أساس دعوة الأنبياء عليهم السلام ورسالات الله، فمهمّة الأنبياء تذكير الناس بعهدهم الفطري مع الله.

 

ولنقرأ ما تضمنته الآية الكريمة

تتناول آية الميثاق أربع نقاط أساسية:

1- مطالبة الله تعالى، ذرية آدم عليه السلام بالإقرار بحقيقة الربوبية وسؤاله عنها ﴿أَلَسْتَ بِرَبِّكُمْ﴾.

2- الإقرار التام بهذه الحقيقة ﴿قَالُواْ بَلَى﴾.

3- شهادة الإنسان على نفسه ﴿شَهِدْنَا﴾.

4- احتجاج الله تعالى عليهم بإقرارهم والشهادة يوم القيامة ﴿أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾.

 

ويختلف المفسّرون في ظرف هذا الإقرار والشهادة، فيذهب بعضهم إلى أنه كان قبل خلق آدم عليه السلام، حيث استخرج الله سبحانه وتعالى الذريّة من الظهور كهيئة الذر، وأخذ منهم العهد والميثاق، وأشهدهم على أنفسهم.

ونعتقد أنّ الآية المباركة تستعرض هذا الأمر بلغة الرمز، وهي لغة مألوفة في التعبير القرآني لمن يحسن فهمه. فهذا الإقرار، والشهادة قد جريا بصورة فطرية. إذ أقرّ الإنسان -مخلوق الله- بالربوبية وحق الطاعة لله تعالى في عمق فطرته.

ولا يختص هذا الإقرار بمرحلة سابقة من مراحل الخلق، وإنما هو أمر مستمر متواصل يجري في عمق فطرة كل إنسان بصورة طبيعية، في مرحلة من مراحل النضج الفطري حيث تنفتح فطرة الإنسان على الله عز وجل، لولا أن تصدها العوامل الأخرى وتأثيراتها فتفسدها.

إن العقل يجري في هذا الإقرار والإشهاد بموجب حكم الفطرة.

 

والذي نود الإشارة إليه، هو أنّ الإقرار بالربوبية والطاعة، والشهادة على ذلك يجريان في فطرة وعقل كل إنسان بدون استثناء، غير أن عوامل التحريف والصد تفسد على الإنسان فطرته، فيحتاج إلى تذكير بمقتضيات حكم الفطرة.

ولكن الإنسان في المرحلة الأولى -حيث لم تتعقد الحالة الحضارية بعد في حياته، ولم تفسد فطرته، ولم تتكاثر عليه عوامل الصد والتحريف- كانت فطرته كافية في توجيهه وهدايته إلى ربوبية الله تعالى، وفي التزامه بطاعة الله وعبادته، وهذا هو مضمون الميثاق الفطري، إلا أن الإنسان في تلك المرحلة لم يكن بحاجة إلى أكثر من عامل الفطرة في الإقرار والالتزام بتوحيد الله وعبادته وطاعته.

إنّ هذه المرحلة هي مرحلة حاكمية الفطرة، وقد استمرت منذ آدم عليه السلام إلى ما قبل عصر نوح عليه السلام. وكان الناس في هذه الفترة أمة واحدة على دين الفطرة وهداها، يقول تعالى: ﴿كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ…﴾. (البقرة: 213).

 

وبيَّن أن الآية الكريمة تشير إلى مرحلتين في تأريخ الإنسان:

الأولى: عندما كان الناس أمة واحدة.

الثانية: عندما اختلفوا فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين يحملون كتاب الله ليحكموا بين الناس فيما اختلفوا فيه.

إنّ المرحلة الأولى هي مرحلة الفطرة التي كان الناس فيها أمة واحدة، لم تتعقد حياتهم ولم تتطوّر حضارتهم ولم تفسد فطرتهم، ولم يظهر الاختلاف بينهم.

فيما تمثل المرحلة الثانية انتقال الناس إلى حالة حضارية أكثر تعقيداً، إذ بدأ الاختلاف وتلوثت الفطرة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد