الشيخ محمد جواد مغنية
«ولا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ولا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً». (سورة الإسراء: 29) التوازن والتعادل أساس كل شيء في الإسلام، عقيدة وشريعة وأخلاقًا..
لا إلحاد، ولا تعدد آلهة.. لا إلغاء ملكية، ولا ملكية طاغية.. لا دكتاتورية للفئات والأفراد، ولا حكم لكل من شاء وأراد.. لا رهبانية، ولا اندفاع مع الشهوات. «وكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ» - (8 الرعد). وقوله: وكل شيء يشمل الخلق والإيجاد، ويشمل التحليل والتحريم، وقوله: بمقدار أي بتقدير ونظام موافق للحكمة والمصلحة، ليس فيه إفراط ولا تفريط، ولا جزاف ولا خلل.. كل شيء له حدود عند اللَّه، وعلى الإنسان أن يقف عندها ولا يتعداها.
- وعلى سبيل المثال - حدود الحكم والسلطان العدالة والكفاءة، وحدود الملكية عدم الإضرار بالأفراد والجماعة، وحدود الإنفاق عدم التقتير والإسراف، وهكذا سائر الأفعال والانفعال أيضًا.
وعبّر سبحانه عن التقتير بغل اليد لأن المقتر يقبض يده عن الإنفاق، والغل أيضًا يمنعها عن التصرف، وقوله: ولا تبسطها كل البسط أراد به اليد التي لا تمسك شيئًا في قبال التي تمسك كل شيء.. ونهاية هذه وتلك واحدة، وهي الحسرة والملامة، فالمسرف يعض يد الحسرة والندامة ملومًا عند اللَّه والناس، وعند نفسه أيضًا حين يصبح صفر اليدين، والبخيل مذموم على كل لسان، وحسرته غدًا أشدّ وأعظم من حسرة المسرف، وخير الأمور الوسط.
وتسأل: هل معنى هذا أن الإسلام يقر مذهب سقراط في الأخلاق، ونظريته القائلة: كل فضيلة وسط بين رذيلتين، فالشجاعة وسط بين التهور والجبن، والكرم وسط بين الإسراف والتقتير، والتواضع وسط بين الخجل وعدم الحياء، وهلم جرًّا؟.
الجواب: كلّا، فإن الإسلام يحدد الفضيلة ويشرع الأحكام على أساس مصلحة الفرد والجماعة، فكل عمل به تقوم الحياة، وتنمو وتتقدم فهو فرض عين على القادة، وفرض كفاية على الأفراد، وكل ما فيه نفع بجهة من الجهات فهو فضيلة، بل عبادة واجبة على كل قادر أو مستحبة على مقدار ما فيها من النفع، قال تعالى: «وأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ» (17 الرعد). وقال الرسول الكريم (ص): خير الناس من انتفع به الناس، وأوضح الأدلة على هذه الحقيقة قوله تعالى: «النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْراةِ والإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ويَنْهاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ ويُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ ويُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ ويَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ والأَغْلالَ» -(157 الأعراف).
وهذا المبدأ القرآني، وهو المصلحة، قد يلتقي مع نظرية الوسط، كما في الأشياء التي لها وسط، مثل الكرم بين التقتير والإسراف، ويفترق عنها في الأشياء التي لا وسط لها، كالأمانة فإنها ضد الخيانة، ولا ثانية لها كي تتوسط الأمانة بينهما...
«إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ ويَقْدِرُ - أي يضيق - إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً» (الإسراء: 30). كلّ شيء بيده تعالى الأرزاق وغير الأرزاق لأنه مالك الملك.. ولكن شاءت حكمته وقضت إرادته أن لا يرزق إلا بالأسباب الكونية التي خلقها ووضعها سبيلًا لكسب المال..
«ولا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وساءَ سَبِيلاً» (الإسراء: 32) وما فشا في مجتمع إلا كان مصيره إلى الانحلال، بالإضافة إلى اختلاط الأنساب، وكفى بالزنا قبحًا أنّه من أقذر صفات الشتم والذم.
«ولا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ومَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً» (الإسراء 33). كل من قتل دون أن يأتي بجناية تستوجب القتل فقد قتل ظلمًا، وأولياء القتيل هم أقرباؤه من أبيه، وعند عدمهم الحاكم الشرعي، وعدم الإسراف في القتل أن لا يقتل اثنين بإزاء واحد، كما كانوا يفعلون في الجاهلية، والمعنى أن لأولياء المقتول ظلمًا الحقّ في قتل القاتل أو أخذ الدية منه، كما في الحديث الشريف: «من قتل قتيلا فأهله بين خيرتين: إن أحبوا قتلوا، وإن أحبوا أخذوا الدية». وبما أن للأولياء الحق في ذلك فعلى الحاكم وكل مسلم أن يكونوا عونًا لهم على استيفاء هذا الحق...
«ولا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُولاً». (الإسراء 34) وكلّ ما أمر اللَّه به، ونهى عنه فهو عهد بحب الوفاء به، ومنه عقود البيع والإجارة ونحوها...
«وأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وأَحْسَنُ تَأْوِيلاً». (الإسراء 35) أي مآلاً من آل يؤول، وإيفاء الكيل والوزن واجب شرعًا وعرفًا، ولا يختص بدين دون دين، ولا بعرف دون عرف. وقد حث سبحانه على إيفاء الكيل والميزان بأساليب شتى منها «وزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ» أي العدل، ومنها «أَوْفُوا الْكَيْلَ والْمِيزانَ»، ومنها «ولا تَنْقُصُوا»، ومنها «لا تَطْغَوْا». والسر أن الحياة الاجتماعية لا تنتظم إلا بذلك.
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد باقر الصدر
الأستاذ عبد الوهاب حسين
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
السيد محمد حسين الطبطبائي
عدنان الحاجي
محمود حيدر
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
المعروف والمنكر والأكثريّة الصّامتة
الإسلام ونظريّة الأخلاق
رؤية المدرسة الإماميّة في جمع القرآن
الشيخ عبدالكريم الحبيل: أخلاق فاطمة الزهراء عليها السلام
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (5)
الشيخ عبدالكريم الحبيل: القلب السليم في القرآن الكريم (4)
مقدّمات البحث
تأبين الشّيخ الحبيل للكاتب الشّيخ عباس البريهي
حاجتنا إلى النظام الإسلامي خاصّة
القرآن يأسر القلب والعقل