قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد هادي معرفة
عن الكاتب :
ولد عام 1348هـ بمدينة كربلاء المقدّسة، بعد إتمامه دراسته للمرحلة الابتدائية دخل الحوزة العلمية بمدينة كربلاء، فدرس فيها المقدّمات والسطوح. وعلم الأدب والمنطق والعلوم الفلكية والرياضية على بعض أساتذة الحوزة العلمية، عام 1380هـ هاجر إلى مدينة النجف الأشرف لإتمام دراسته الحوزوية فحضر عند بعض كبار علمائها كالسيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، ثم سافر إلى مدينة قم المقدسة والتحق بالحوزة العلمية هناك وحضر درس الميرزا هاشم الآملي. من مؤلفاته: التمهيد في علوم القرآن، التفسير والمفسِّرون، صيانة القرآن من التحريف، حقوق المرأة في الإسلام.. توفّي في اليوم التاسع والعشرين من شهر ذي الحجّة الحرام من عام 1427هـ بمدينة قم المقدّسة، ودفن بجوار مرقد السيّدة فاطمة المعصومة عليها السلام

كيف الاهتداء إلى معالم القرآن؟

ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن، وربّما بطون، هي حقائقها الراهنة، السارية الجارية مع مختلف الأحوال ومتقلّبات الأزمان، يعرفها الراسخون في العلم، الذين ثبتوا على الطريقة فسقاهم ربّهم شرابًا غدقًا..

 

وخير وسيلة لفتح مغالق القرآن هو اللجوء إلى أبواب (رحمة اللّه) ومنابع فيضه القدسي، أهل بيت الوحي، الذين هم أدرى بما في البيت. فإنّ بيدهم مقاليد هذه المغالق ومفاتيح هذه الأبواب...

 

فإنّهم عدل القرآن وأحد الثقلين الذين أوصى بهما الرسول الكريم (صلى اللّه عليه وآله) وفي كلماتهم الكثير من الإرشادات إلى معالم القرآن وفهم حقائقه الناصعة، ممّا لا تجده في كلام غيرهم على الإطلاق..

 

من ذلك ما ورد بشأن قوله تعالى: «أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها» «1».

 

وقوله - في آية أخرى -: «أَفَلا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها» «2».

 

وهذا تهديد ووعيد بالهلاك والدمار، إن لم يرضخوا لناموس الشريعة الغرّاء.. ولكن كيف هذا التهديد، وبم كان هذا الوعيد؟

 

وقد فسّرها جلّ المفسّرين بغلبة الإسلام والتضايق على بلاد الكفر والإلحاد، قال الثعالبي: إنّا نأتي أرض هؤلاء بالفتح عليك فننقصها بما يدخل في دينك من القبائل والبلاد المجاورة لهم، فما يؤمّنهم أن نمكنك منهم أيضًا «3» وهكذا رجّحه ابن كثير قال: وهو ظهور الإسلام على الشرك قرية بعد قرية، كقوله تعالى: «وَلَقَدْ أَهْلَكْنا ما حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرى» «4». وهذا اختيار ابن جرير «5».

 

وقد ذهب ابن كثير وغيره حتى سيد قطب إلى أنّ السورة مكيّة، ولم يذكر أحد استثناء هذه الآية منها. وسورة الأنبياء مكيّة بلا خلاف ولم يذكروا سندًا لاستثناء الآية منها.. الأمر الذي لا يلتئم مع هذا الاختيار في معنى الآية.. ثم الآية صريحة في نقصان أطراف الأرض، ولم يعهد اختصاص اسم الأرض بمكة المكرّمة..

 

نعم، فتح هذا المغلاق في وجه الآية، وفسّرها تفسيرًا جليًّا، ما جاء في كلام الإمام الصادق (عليه السلام) فيما رواه ابن بابويه الصدوق، قال: سئل الصادق (عليه السلام) عن هذه الآية، فقال: «فقد العلماء» «6». وذلك: أنّ الأرض، يراد بها المعمورة منها في أكثر الأحيان، كما في قوله تعالى: «أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ» «7». وقد فهم منه الفقهاء - في حدّ المحاربين - نفيهم من عمارة الأرض، فلا يدخلوا بلدًا ولا يحلّوا ديارًا إلّا أخرجوا..

 

وإذا كانت عمارة الأرض، هي حصيلة جهود العلماء والاختصاصيّين من أهل العلم، فعفوك أنّ خرابها بفقد العلماء وذهاب الخيار من الصلحاء، فعند ذلك تفسد البلاد وتهلك العباد.. والروايات بهذا المعنى كثيرة عن الأئمة.. «8».

 

وقد تنبّه لذلك بعض الأقدمين، فيما روي عن ابن عباس: تخرّب قرية ويكون العمران في ناحية. والنقصان نقصان أهلها وبركتها.. وقال الشعبي: تنقص الأنفس والثمرات. وفي رواية عن ابن عباس أيضًا: خرابها بموت علمائها وفقهائها وأهل الخير منها. قال مجاهد: هو موت العلماء «9». قال تعالى: «وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ..» «10». وقوله تعالى: «وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ» «11» فقد أشكل على المفسّرين وجه هذا السجود والأمر به، ولا تجوز العبادة لغير اللّه! ومن ثم اختلفوا هل أنّه كان بوضع الجباه على الأرض، وأنّهم جعلوا آدم قبلة يسجدون للّه تعالى؟

 

نعم ورد الحديث عن رسول اللّه (صلى اللّه عليه وآله) أنّه كان لآدم سجود طاعة، وللّه سجود عبادة.. «12» وهو كناية عن قيامهم بمصالح الإنسان عبر الحياة، فإنّ قوى الطبيعة بأسرها مسخّرة لهذا الإنسان خاضعة تحت إرادته... والسجود هو الخضوع التامّ. قال الشاعر: ترى الأكم فيها سجّدًا للحوافر. أي التلال مذلّلة لحوافر الخيول «13» وهذا نظير قوله تعالى - بشأن يوسف وأخوته -: «وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً» «14» أي وقعوا على الأرض خضوعًا له.. على وجه... وقوله تعالى: «وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِها لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ» «15».

 

فلولا الامتناعيّة دلّت على أنّ الهمّ من يوسف لم يقع.. سوى أنّ الذي منعه وعصمه من همّ المعصية ماذا كان؟ فقيل: إنّه رأى صورة أبيه عاضًّا على إصبعه. وقيل غير ذلك.. ممّا يتنافى وعصمة مقام النبوّة.. والصحيح ما هدانا إليه الأئمة الراشدون: أنّه الإيمان الصادق الذي هو منشأ العصمة في أنبياء اللّه (عليهم السلام). بدليل تعقيبه بقوله: «كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ» إشارة إلى مقام عصمة الأنبياء «16».

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الرعد: 41.

(2) الأنبياء: 44.

(3) تفسير الثعالبي: ج 2 ص 274.

(4) الأحقاف: 27

(5) تفسير ابن كثير: ج 2 ص 520 - 521.

(6) تفسير البرهان: ج 2 ص 302 ح 5.

(7) المائدة: 33.

(8) تفسير البرهان: ج 2 ص 301 - 302.

(9) مجمع البيان: ج 6 ص 300 وتفسير ابن كثير: ج 2 ص 520.

(10) الأعراف: 96.

(11) البقرة: 34.

(12) عيون الأخبار: ج 1 ص 263 قطعة من ح 22. وبحار الأنوار: ج 11 ص 140 ح 6.

(13) بحار الأنوار: ج 11 ص 140 .

(14) يوسف: 100

(15) يوسف: 24

(16) راجع تفسير الميزان: ج 11 ص 141 و 181.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد