لقد وعد الله تعالى وحتّم على نفسه حفظ القرآن، في قوله تعالى. (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) «1»، وها قد تحقّق هذا الوعد الإلهيّ. وقد بذل المسلمون في ضبط القرآن دقّة كبيرة، بحيث إنّهم إذا وجدوا في نسخ الصدر الأوّل المخطوطة بالخطّ القديم كلمةً تخالف قواعد الخطّ المعهودة، حفظوها في النسخ المتأخّرة في تلك الكيفيّة، وعدّوا تغييرها أمراً غير جائز.
وعلى سبيل المثال، فإنّ الألف ينبغي أن تُكتب بعد الواو في الفعل الوارد بصيغة الجمع، وقد رُوعيت هذه القاعدة في نسخ القرآن في عصر الصحابة إلّا في كلمات جاؤ، وفاؤ، وباؤ، وسعو في آياتنا في سورة سبأ؛ وَعَتَوْا عُتُوًّا في سورة الفرقان، وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدَّارَ في سورة الحشر، حيث إنّها دُوّنت في نسخهم بدون ألف، فترك المتأخّرون إيراد الألف ولم يُجيزوا كتابتها، من أجل أن نعلم الأمانة والدقّة التي نقلوا بهما القرآن، وأنّه عارٍ عن التحريف.
كما أنّهم كتبوا الألف واواً في عدّة مواضع، كما في بَلؤٌا مُبِينٌ في سورة الدخان. كما أنّ التاء في آخر الكلمة تُكتب على هيئة هاء، كما في سُنَّة ورَحْمَة؛ أمّا في نسخ القرآن في عهد الصحابة فقد كُتبت بعضها في هيئة تاء طويلة، فلم تُغيّر كتابتها. مثل كلمة رحمت التي كتبت بتاء طويلة في سور البقرة، الأعراف، هود، مريم، الروم والزخرف؛ وكلمة نعمت في سور البقرة، آل عمران، المائدة، إبراهيم، النحل، لقمان، فاطر، والطور؛ وكلمة سُنّت في سور الأنفال، فاطر، وغافر، بينما كُتبت في سائر المواضع الأخرى هاءً.
كما أنّهم كتبوا بالتاء الطويلة. كما كتبوا بالتاء الطويلة كلمة امْرَأَتُ حيثما استُعملت مُضافةً، مثل. امرأة فرعون، وكلمة معصية في. قد سمع. «2» كما أنّهم كتبوا كلمة شَيْءٍ أينما وردت بالشين والياء، إلّا في سورة الكهف. ولا تقولن لشايء، فقد فصلوا بين الشين والياء بألف؛ فحفظت هذه الكتابة دونما تغيير. وكذلك فقد أقحموا ألفاً بين لا في لآذبحنه..
كما أنّهم كتبوا ياءً زائدة في كلمة نبأ في نبإي المرسلين، وفي آنآء الليل في سورة طه؛ وفي تلقاء نفسي في سورة يونس؛ وفي من ورآء حجاب في سورة الشورى؛ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى في سورة النحل؛ وبلقاء ربهم ولقاء الآخرة في سورة الروم، بينما لم يكتبوها في نظائرها.
وممّا يثير العجب أنّهم كتبوا يائين بدلًا من ياء واحدة في كلمة بأييكم المفتون، وبنيناها بأييد، فحُفظت تلك الكتابة. ونظير هذه الأمور كثير في القرآن الكريم، ويحتاج إلى مجال خاصّ لبيانه.
وقد شملت هذه الدقّة والاهتمام في كتابة الكلمات القرآنيّة أمر أداء حروفها وحركاتها. فقد قرأ حفص - مثلًا - في أحد المواضع يخلد فيه مهانا في سورة الفرقان بإشباع فِيهِي، بينما قرأ نظائره بلا إشباع، أمّا ابن كثير فقد قرأها بأجمعها بالإشباع. كما قرأ في موضعين هما. عليه الله، وأنسانيه في سورتَي الفتح والكهف، بضمّ هاء الضمير، بينما قرأ النظائر الأخرى بالكسر.
وأمثال ذلك كثير في علم القراءة، وله دلالة على اهتمام الناس منذ زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وحتى الآن؛ ومن المحال أن يحتمل امرؤ أنّ تغييراً أو تحريفاً أو زيادة أو نقصاناً قد طرأ على القرآن، وقد طرأت في هذا الأمر خزعبلات وأباطيل في أذهان الناطقين بالفارسيّة، اتّخذ منها المعاندون ذريعة يتشبّثون بها في الفساد. وكيف يتصوّر عاقل أنّ تغييراً أو نقصاناً قد طرأ على القرآن، ويستبعد أن يطرأ التحريف على حديث نقله نفر واحد؟!
لقد قرأ ملايين الناس سورة الحمد على هذا النحو الموجود في المصاحف، فكيف يتصوّر أنّ هؤلاء قد سهوا وأخطأوا بأسرهم، أمّا ذلك النفر الواحد الذي نقل سورة الحمد على نحوٍ آخر لم يَسْهُ ولم يَنْسَ؟!» «3»
قال آية الله العلّامة الطباطبائيّ قدّس الله تربته في كتابه النفيس (القرآن في الإسلام) متحدّثاً عن أسماء سور القرآن. «إنّ انقسام القرآن الكريم إلى سور متعدّدة له أساس قرآنيّ، شأنه في ذلك شأن انقسامه إلى آيات. وقد ذكر الله تعالى اسم السورة في عدّة مواضع من كلامه، كما ذكر اسم الآية أيضاً.
سُورَةٌ أَنْزَلْناها (سورة النور، الآية 1)؛ وَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ (سورة التوبة، الآية 86)؛ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ (سورة البقرة، الآية 23)، ونظائر هذه الآيات.
وتُسمّى السورة أحياناً بالاسم الذي يرد فيها، أو الموضوع الذي تبحث عنه. فيُقال مثلًا. سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة الإسراء، سورة التوحيد؛ وكثيراً ما شوهد في المصاحف القديمة أنّهم كانوا يكتبون في مطلع السورة. سورَةٌ تُذْكَرُ فِيهَا البقرة، وسُورَةٌ يُذْكَرُ فِيهَا آلُ عمرانَ.
وقد يحصل أحياناً أن تُجعل الجملة الأولى في السورة عنوانَ تلك السورة، كأن يُقال. سورة اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ، وسورة إِنَّا أَنْزَلْناهُ، وسورة لَمْ يَكُنِ، ونظائرها.
كما يحصل أحياناً أخرى أن تُعرَّف السورة من خلال الصفة التي تحملها، فيُقال سورة فاتحة الكتاب، سورة أمّ الكتاب، والسَّبْعُ المَثَانِي، «4» سورة الإخلاص، سورة نِسْبَةُ الرَّبِّ، «5» ونظائر ذلك.
وكانت هذه الأساليب مستعملة في صدر الإسلام، يشهد بذلك الآثار الموجودة؛ حتى أنّه شوهد كثيراً في الأخبار النبويّة في زمن النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم تسمية سور القرآن مثل سورة البقرة، وسورة آل عمران، وسورة هود، وسورة الواقعة. ومن هنا يمكن القول بأنّ كثيراً من هذه الأسماء قد تعيّنت في عصر النبيّ الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم على إثر كثرة الاستعمال، وإنّها لا تحمل أي جانب توقيفيّ شرعيّ».
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الآية 17، من السورة 75. القيامة.
(2) أي في سورة المجادلة، وهي. «قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها».
(3) (نهج السعادة) ص 133 إلى 136.
(4) جاء في الهامش. يُقال لسورة الحمد فاتحة الكتاب باعتبار وقوعها أوّل القرآن، كما تُدعي السبع المثاني باعتبار اشتمالها على سبع آيات.
(5) جاء في الهامش. تُدعى سورة قُلْ هُوَ اللَّهُ بسورة الإخلاص لاشتمالها على التوحيد الخالص؛ كما تدعى نسبة الربّ باعتبار وصفها للّه تعالى، إذ إن النسبة تعني الوصف.
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ محمد صنقور
عدنان الحاجي
الشيخ مرتضى الباشا
الشيخ حسين الخشن
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ جعفر السبحاني
السيد عباس نور الدين
الفيض الكاشاني
الشيخ علي آل محسن
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
الشيخ عبد الحميد المرهون
ناجي حرابة
عبدالله طاهر المعيبد
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
ياسر آل غريب
شهر رمضان فرصة لا تعوّض، وغنيمة لا تفوّت
(مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ)
فوائد معرفة إدارة الغضب في العمل
التفقه في الدعاء (9)
خديجة: الأنموذج الإنساني
الصدّيقة الكاملة
خديجة (عليها السلام) في كلمات بعض المؤرخين
أمّ المؤمنين خديجة: فخر الهاشميّات
البنى التحتية للثّورة الثقافيّة
درجات الصوم وآدابه