قرآنيات

مفهوم القصص في القرآن

السيد موسى الصدر

 

.... علينا أن نبحث في مفهوم عام عن القَصص في القرآن الكريم.

 

الحقيقة أن موقف المفسرين المختلف بالنسبة إلى الآيات البينات، جعل هناك بعض الغموض في تفسير القرآن. فنجد أن بعض العلماء المفسرين تفرغ لإعطاء أبعاد أدبية للآيات القرآنية.

 

والبعض الآخر حاول أن يعتمد على آيات الأحكام، فاستخرج من القرآن الفقه والأحكام الشرعية. والقسم الآخر اعتمد الآيات العائدة إلى العقائد أو إلى الجنة والنار، أو إلى التربية الخلقية. واعتمد بعضهم من قديم الزمن ولا سيما في القرن الأخير،  على ما يستخرج من القرآن الكريم من معانٍ علمية، فصوّر وكأن القرآن كتاب أدب أو كتاب فقه أو كتاب علم، من فيزياء أو كيمياء أو غير ذلك من العلوم. كما أن القصص القرآنية جعلت البعض يرسم صورة القرآن وكأنه كتاب تاريخ. لا شك أن القرآن يشتمل على كلّ ذلك، ولكن ليس واحدًا من ذلك أبدًا.

 

إن القرآن كتاب الدين، كتاب تربية، فعندما يذكر الأدب إنما يقصد جمال اللفظ ومعجزة الكلمة، لكي يقنع الإنسان العربي والإنسان المؤمن بأنه من عند الله. وعندما يذكر العلوم إنما يقصد نتائجها التربوية، مثلًا عندما نتلو هذه الآية: ﴿وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون﴾ [النمل، 88]، هذه الآية التي توضح بصورة معجزة ورائعة أن الجبال تتحرك بسرعة، ومعنى تحرك الجبال التي هي أوتاد الأرض والمحيطة بالأرض من كلّ جانب.

 

معنى ذلك حركة الأرض الوضيعة أو الانتقالية. ولكن ليس الغاية من القرآن الكريم، ليس غاية القرآن الكريم من هذه الكلمة، الغاية العلمية، بل الغاية هي الغاية التربوية كما يظهر من ذيل الآية الكريمة عندما نتلوها بالشكل التالي: ﴿وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء إنه خبير بما تفعلون﴾ [النمل، 88]. الغاية زيادة المعرفة وتربية النفس وإقناع الإنسان بأنه يعيش في عالم متقن منظم لكي يعيش في حياته متقنًا ومنظمًا.

 

لذلك، فالمبالغة في تطبيق الآيات القرآنية على العلوم أو على الفلسفة أو على الأدب أو على الفقه، خروج عن الغاية الأصلية من القرآن الكريم. وبالنسبة إلى القصص لا يعني القرآن الكريم من القصة كما يظهر من المقارنة بين القرآن الكريم وغيرها، لا يقصد القصة للتسلية وإنما يقصد من القصة التربية.

 

وأوضح مثل على ذلك، سورة يوسف، لأنه من أول السورة أقل من ثلث السورة حول القصة، ومع كلّ آية من الآيات نتيجة تربوية، وتربية إنسانية مؤمنة شاملة تظهر من خلال الآيات الكريمة.

 

فـيوسف (عليه السلام) كان مع إخوته وكان أفضل منهم في العقل وفي التدين وفي التربية، ونتيجة لجهده وعمله فاقهم، فحُسِدَ من قبلهم فأرادوا إطفاء نور الله ولم يتمكنوا، وقد صبر يوسف ومشى في طريق الشقاء وابتُليَ ابتلاءً حسنًا، من قبل الله سبحانه وتعالى، ولكن انتصر وتفضل على إخوته وأوجد مكانة سامية لنفسه ولتقواه من خلال جهده وتجنبه للمعاصي، وانتصر وانتصر الناس معه، ونجوا ببركة تفكيره، لاتقانه عمله ودقته، من الموت.

 

والملاحظ في القرآن الكريم، أنه لا يؤكد إطلاقًا على البطولات الوهمية التي تذكر من خلال التاريخ، فالتاريخ في أغلبه، تاريخ الحكام وتاريخ الظالمين، وتسجيل مواقف الملوك. أما التاريخ الحقيقي، مواقف الشعب وحضارة الشعب وعطاءات الشعب فلم تُذكر في التاريخ.

 

والقرآن يتجاهل الملوك الظالمين نهائيًّا، بل يعتبرهم طغاة ويعبِّر عن فرعون وهامان ونمرود وغير ذلك من الحكام، تعبيرًا غير مرضٍ بل يشجب مواقفهم، ويعتبرهم من المنحرفين والظالمين، بينما يعتمد على الأنبياء أي قادة الناس وخدام الناس والذين سعوا في خدمة الناس.

 

فالتاريخ يخضع لرغبة الحكام، بينما القرآن الكريم، لا يخضع إلا لإرادة الله، التي تفضل المتقين على غيرهم، وتفضل خدام الناس على المتجاهلين لشؤونهم؛ ما عدا ذو القرنين الملك الوحيد الذي يذكره القرآن الكريم بخير، والحقيقة أن ذا القرنين أيضًا نبي في وضعه وفي مهمته وفي رسالته، اعتمد العمل وابتكر الأعمال وشغل الناس وخلق لهم ظروفًا حياتية مناسبة، ولذلك استحق الخير والمدح والكرامة في القرآن الكريم.

 

يوسف في انتقاله إلى الـمُلك وإلى الحكم، كان من خلال جهد صامت مخلص ومن خلال تقوى الله سبحانه وتعالى، ومن خلال النتائج العملية التي قدمها لخدمة الناس في مصر، هذا المبدأ العام.

 

وبالنسبة للقصص القرآني، علينا أن نأخذه بعين الاعتبار في كلّ مكان، وعند ذلك يتضح لنا موقف القرآن عندما ينقل القصة فيترك كميات وفواصل من القصص، ويركز على رؤوس الأقلام في الحكاية وفي التاريخ حتى يكتشف الإنسان النتائج التربوية، ولا يدخل في التفاصيل التي لا تنفع، لوجودها في ظروف خاصة وجزئية.

 

نسأل الله أن يوفقنا لفهم القرآن الكريم وأن يبارك في قلوبنا، وأن يجعل شهر رمضان شهرًا لصفاء النفوس وتلقي مفاهيم آيات الله البينات.

 

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد