قرآنيات

معلومات الكاتب :

الاسم :
الشيخ محمد صنقور
عن الكاتب :
عالم دين بحراني ورئيس مركز الهدى للدراسات الإسلامية

﴿وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾

قوله تعالى: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ / وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾(1) ما معنى قوله تعالى: ﴿وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ﴾؟

 

سبَقَ الآيتين قولُه تعالى: ﴿هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ / جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾(2) فالآياتُ بصدد البيان للمآب والمصير البائس الذي ينتظرُ الطاغين، فذلك هو مفاد قوله تعالى: ﴿وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآَبٍ﴾ وهي كذلك بصدد بيان ما يشقى به الطاغون في جهنَّم فأفادت أنَّ الطاغين سوف يصطلون بنار جهنَّم فتكون لهم أسوأ مِهاد وفراش، فهم سوف يفترشون جهنَّم وهذا هو معنى المهاد، وقد قال اللهُ تعالى في آية أخرى: ﴿لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهَادٌ وَمِنْ فَوْقِهِمْ غَوَاشٍ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ﴾(3) أي أنَّهم -ظاهراً- سوف يفترشون جمْرَ جهنَّم وحِمَمَها، وبذلك تكون لهم مِهاداً، وسوف تكون دثاراً لأنَّها سوف تغشاهم من فوقهم، فيكون لهبُها بمثابة الغشاء والدثار، وفي ذلك تعبيرٌ عن أنَّ جهنَّم سوف تستوعبُهم من تحتهم ومن فوقهم ومن تمام جوانبِهم.

 

ثم قال تعالى: ﴿هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ﴾ أي هذا العذاب الذي وصفناه -وهو افتراش جهنَّم- يلزمُهم أنْ يذوقوه، فذلك هو المستفاد من لام الأمر، فهم بناءً على ذلك مقسورون على تكبُّده لا محيص لهم عنه، فاسم الإشارة -بناءً على هذا الفهم- يعود على العذاب الموصوف في الآية السابقة، فإما أنْ يكون خبراً لمبتدأ محذوف، والتقدير العذاب هذا أو أنَّ اسم الإشارة "هذا" مفعولٌ به لفعلٍ يفسره قوله: ﴿فَلْيَذُوقُوهُ﴾ أي فليذوقوا هذا.

 

ثم قال تعالى: ﴿حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ﴾ يعني -ظاهراً- لهم حميمٌ وغسَّاق أي لهم -مضافاً لما تقدَّم من عذابٍ- حميمٌ وغسَّاق، والحميم هو الشراب الذي بلغ من الحرارة أقصاها، والغسَّاق هو الشراب المنِتن الذي بلغ من النتن أقصاه أو هو سائل يُشبه الصديد الذي يسيل من القروح والجروح المتعفنة. أو هو شراب متَّخذٌ من سموم الأفاعي والعقارب وشبهها.

 

فمفاد هذه الفقرة من الآية أنَّ للطاغين حميماً وغسَّاقاً ولهم شيءٌ آخر من جنس ما ذكر في الشدَّة والبشاعة، فكلمة ﴿وَآَخَرُ﴾ -بناءً على هذ الفهم- معطوفة على الحميم يعني: لهم حميم، ولهم غسَّاقٌ، ولهم شرابٌ آخر من شكل الحميم أي من جنسه في الشدَّة ولكنَّه غيره، وهذا الآخر أزواج أي هذا الآخر الذي هو من جنس الحميم أنواع وألوانٌ مختلفة من حيثُ الطعم والأثر. وإن كان مشابهاً له في الشكل والصورة.

 

فقوله تعالى: ﴿وَآَخَرُ مِنْ شَكْلِهِ﴾ معناه ولهم شرابٌ أو عذابٌ آخر مِن شكل الحميم أو مِن شكل ما ذُكر، والشكل بفتح الشين يعني الجنس والمثل والشبيه في الهيئة والصورة، فشكلُ الشيء ما يشابهه في الصورة، فقوله: ﴿مِنْ شَكْلِهِ﴾ يعني من مثله في الصورة ومن نحوه وجنسه، والضميرُ يرجع إلى الحميم أو إلى ما ذكر من العذاب.

 

ومعنى قوله: ﴿أَزْوَاجٌ﴾ أنواع وأصناف وألوان من العذاب أو أنواع من الشراب، فيكون مفاد الآية وعذابٌ أو وشرابٌ آخر من مثل الحميم أنواعٌ وأصناف فقوله:﴿مِنْ شَكْلِهِ﴾ نعت ل"آخر" و﴿أَزْوَاجٌ﴾ نعتٌ ثانٍ لآخر، فالعذابُ أو الشراب الآخر صفته أنَّه من شكل الحميم وصفته أيضاً أنَّ له أنواع وأصناف. ويمكن أن تكون كلمة أزواج خبر لمبتدأ محذوف والتقدير شرابٌ من شكل الحميم هو أزواج وأنواع، ويُمكن أن يكون أزواج مبتدأ مؤخَّر و﴿مِنْ شَكْلِهِ﴾ خبرُه، والجملة من المبتدأ والخبر خبرٌ لكلمة آخر، وثمة احتمالاتٌ آخر لذلك أعرضنا عن ذكرها خشية التشويش.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- سورة ص / 57-58.

2- سورة ص / 55-56.

3- سورة الأعراف / 41.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد