آية الله العظمى السيد الخوئي قدس سره ..
قد علم كل عاقل مجرب أن الذي يبني أمره على الكذب والافتراء في تشريعه وأخباره، لا بد من أن يقع منه التناقض والاختلاف، ولا سيما إذا تعرض لكثير من الأمور المهمة في التشريع والاجتماع والعقائد، والنظم الأخلاقية، ولا سيما إذا طالت على ذلك المفتري أيام، ومرت عليه أعوام. لأن ذلك مقتضى الطبع البشري الناقص إذا خلا من التسديد.
وقد قيل في المثل المعروف: لا حافظة لكذوب.
وقد تعرض القرآن الكريم لمختلف الشؤون، وتوسع فيها أحسن التوسع، فبحث في الإلهيات ومباحث النبوات، ووضع أصول السياسات المدنية، والنظم الاجتماعية، وقواعد الأخلاق.
وتعرض للفلكيات والتاريخ، وقوانين السلم والحرب، ووصف الموجودات السماوية والأرضية ، ووصف أهوال القيامة ومشاهدها فلم توجد فيه أية مناقضة ولا أدنى اختلاف ولم يتباعد عن أصل مسلم عند العقل والعقلاء.
وربما يستعرض الحادثة الواحدة مرتين أو أكثر، فلا تجد فيه أقل تهافت وتدافع. وإليك قصة موسى عليه السلام، فقد تكررت في القرآن مراراً، وفي كل مرة تجد لها مزية تمتاز بها من غير اختلاف في جوهر المعنى.
وإذا عرفت أن الآيات نزلت نجوماً متفرقة على الحوادث، علمت أن القرآن روح من أمر الله، لأن هذا التفرق يقتضي بطبعه عدم الملاءمة والتناسب حين يجتمع.
ونحن نرى القرآن معجزاً في كلتا الحالتين، نزل متفرقًا فكان معجزاً حال تفرقه، فلما اجتمع حصل له إعجاز آخر. وقد أشار إلى هذا النحو من الإعجاز قوله تعالى: "أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا".
وهذه الآية تدل الناس على أمر يحسونه بفطرتهم، ويدركونه بغريزتهم، وهو أن من يعتمد في دعواه على الكذب والافتراء لا بد له من التهافت في القول، والتناقض في البيان، وهذا شئ لم يقع في الكتاب العزيز.
وقد أحست العرب بهذه الاستقامة في أساليب القرآن، واستيقنت بذلك بلغاؤهم.
وإن كلمة الوليد بن المغيرة في صفة القرآن تفسر لنا ذلك، حيث قال - حين سأله أبو جهل أن يقول في القرآن قولاً: "فما أقول فيه؟ فوالله ما منكم رجل أعلم في الأشعار مني ولا أعلم برجزه مني، ولا بقصيده، ولا بأشعار الجن. والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا، ووالله إن لقوله لحلاوة، وإنه ليحطم ما تحته، وإنه ليعلو ولا يعلى. قال أبو جهل: والله لا يرضى قومك حتى تقول فيه قال الوليد: فدعني حتى أفكر فيه فلما فكر. قال:هذا سحر يؤثر عن غيره"( تفسير الطبري ج 29 ص 98) .
وإذا أردت أن تحس ذلك من نفسك فانظر إلى الكتب المنسوبة إلى الوحي، فانك تجدها متناقضة المعاني، مضطربة الأسلوب، لا تنهض ولا تتماسك.
وإذا نظرت إلى كتب العهدين، وما فيها من تضارب وتناقض تجلت لك حقيقة الأمر، وبان لك الحق من الباطل. وهنا نذكر أمثلة مما وقع في الأناجيل من هذا الاختلاف:
1 - في الإصحاح الثاني عشر من إنجيل متى، والحادي عشر من لوقا: إن المسيح قال: "من ليس معي فهو علي، ومن لا يجمع معي فهو يفرق".
وقال في التاسع من مرقس، والتاسع من لوقا: "من ليس علينا فهو معنا".
2 - وفي التاسع عشر من متى، والعاشر من مرقس، والثامن عشر من لوقا: إن بعض الناس قال للمسيح: "أيها المعلم الصالح. فقال: لماذا تدعوني صالحاً؟ ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله".
وفي العاشر من يوحنا أنه قال: "أنا هو الراعي الصالح . . . أما أنا فإني الراعي الصالح".
3 - وفي السابع والعشرين من متى قال: "كان اللصان اللذان صلبا معه - المسيح - يعيرانه".
وفي الثالث والعشرين من لوقا: "وكان واحد من المذنبين المعلقين يجدف عليه قائلا: إن كنت أنت المسيح فخلص نفسك وإيانا، فأجاب الآخر وانتهره قائلا: أولا أنت تخاف الله؟ إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه".
4 - وفي الاصحاح الخامس من إنجيل يوحنا: "إن كنت أشهد لنفسي فشهادتي ليست حقا".
وفي الثامن من هذا الانجيل نفسه أنه قال: "وإن كنت أشهد لنفسي فشهادتي حق".
هذه نبذة مما في الأناجيل - على ما هي عليه من صغر الحجم - من التضارب والتناقض. وفيها كفاية لمن طلب الحق، وجانب التعصب والعناد.
محمود حيدر
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ حسين مظاهري
الشيخ عبدالهادي الفضلي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان