الإمام الخامنئي "دام ظلّه"
﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ (1)
"الإحصاء" هو العدّ الكامل من دون زيادةٍ أو نقصان، أيّ إنّ الله تعالى عدّ أعمالهم بنحوٍ كاملٍ، ولم يسهُ القلم عن إحصاء شيءٍ من خطاياهم التي ارتكبوها في الدنيا. وهذا أمرٌ عجيب: أنْ ينسى الإنسان كلّ ما فعله طوال حياته والخطايا التي اقترفها ولا يذكرها هو نفسه حتّى ولا يذكرها في القيامة كذلك، ثم قد ينكرها عندما يُخبَر بها يومئذٍ.
في الحديث أنّه عندما يُقال للإنسان: لقد قمت بهذا الفعل السيئ، يقول: "لا، أنا لم أفعل هذا" ، لأنّه لا يذكر، لا أنّه يريد أن يكذب، ثمّ يُنطِق الله تعالى يده ورجله ولسانه وعينيه وجوارحه وأعضاءه التي كانت آلة اقتراف تلك المعاصي ويقول لها: اُنطقي! فآنذاك تتكلم يد الإنسان – مثلًا - وتقول: بلى! لقد اقترفت تلك الخطيئة، فكيف تنكر أنّك صفعت المظلوم الفلاني؟! لقد كنتُ أنا نفسي اليد التي صفعته بها، وكيف تقول إنك لم تكتب حكم المعصية الفلانية، أو مثلًا إنّك لم تنظر بعينٍ تستشيط غضبًا إلى إنسانٍ سليمٍ وصالح؟! أو إنك لم تلْكُم الشخص الفلاني في صدره؟! إنّك من خلالي أنا نفسي، يدك، قُمتَ بهذا العمل، ومن خلالي أنا نفسي، عينك، نظرتَ تلك النظرة، ومن خلالي أنا نفسي، لسانك، نطقتَ بكلام السوء ذاك الذي أفضى إلى شقاء أُسرةٍ أو جَمْعٍ من الناس، فكيف لك أن تُنكر الآن؟!
فيقول الإنسان للسانه ويده وجوارحه: عجيب! من أنْطَقكم ضدّي؟ فتجيبه: ﴿قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ (2) أيّ إنّ معاصي الإنسان في الدنيا هي من الكَثْرة بحيث إن الإنسان نفسه ينساها، ومن هنا فإنّه حين يُقال: إذا أويتم إلى فراشكم فتذكّروا أعمال يومكم ذاك ودوّنوها وانظروا أيّها سيِّئٌ وأيّها حَسَنٌ، فاستغفروا لسيِّئها واشكروا الله تعالى لحَسَنها لأنّه وفّقكم لعملها، فإنّ ذلك حتّى لا ننسى خطايانا.
قد يكون الإنسان أحيانًا ساهيًا غافلًا، فيُسيء القول لشخصٍ ويقول باطلًا ويتّهم ويكذب، ثمّ ينسى ولا يعلم تبعات فعله. فقد يكذب أحدهم كذبةً من شأنها أن تضرّ بغيره، فينقلها شخصٌ عن لسانه ثمّ ينقلها آخر عنه، وكذا ينقل أربعة أشخاص عن قول ذينك الاثنين، فترون فجأةً أنّ شائعةً أُذيعت ضد ذاك المسكين مصدرها الكذبة الأولى، قد يكون ذلك ناشئًا عن غضبٍ مثلًا، لكنه لا يعلم إلى ما أفضت إليه كذبته.
أو قد يُحدّق أحدهم بشخصٍ وهو يستشيط غضبًا، أو يُهين آخَرَ، أو يلكم ثالثًا. قد نُبتلى جميعًا بهذه الأمور - معاذ الله - ثم ننسى كم من عُشٍّ للزوجية خرّبناه، وكم من إنسانٍ دمّرناه، وكم من إنسانٍ أصابه الأذى من شائعاتنا، إنّا ننسى كلّ شيءٍ من الأساس، ويوم القيامة يضعون قائمة أعمالنا نصب أعيُننا، فينظر أحدنا ويقول: متى أنفقتُ كلّ هذا الإنفاق؟ متى كذبتُ كلّ هذا الكذب؟ متى ارتكبتُ كلّ هذه المعاصي؟ آنذاك تُلاحقنا أيدينا وأرجلنا وألسنتنا وأدمغتنا وأعْيُننا وما شابه..
وتشهد علينا بأنّ هذه الأمور قد حصلت فعلًا، هذا ما تقوله الآية: ﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾ "نسوه" من "النسيان" ﴿وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ العلم الإلهي والإحاطة الإلهية علم وإحاطة شهودية، وعلم ذاتي وليس علمًا أخذه الله تعالى من أحد، فربّ العالمين بذاته شاهدٌ على كلّ شيء، ويراه ويحيط به، ولهذا يقول تعالى في حادثة "الظِّهار" تلك: ﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ﴾ ويعلم كل ما يخطر في ذهن الإنسان، وهو تعالى حاضرٌ وشاهد...
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) [ المجادلة: 6]
(2) [ فصلت: 21]
(3) [ البروج: 9]
(4) [المجادلة: 1]
الشيخ فوزي آل سيف
السيد عباس نور الدين
الدكتور محمد حسين علي الصغير
عدنان الحاجي
حيدر حب الله
الشيخ حسين الخشن
السيد جعفر مرتضى
الشيخ عبد الله الجوادي الآملي
الشيخ محمد صنقور
السيد محمد حسين الطبطبائي
حسين حسن آل جامع
عبدالله طاهر المعيبد
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
الشيخ علي الجشي
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
فريد عبد الله النمر
جاسم الصحيح
حبيب المعاتيق
الشك وتدمير الحياة الزوجية
إنتاج العلم.. شرط بناء الحضارة أين نحن منه؟
﴿أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ﴾
أمسية شعريّة لابن المقرّب للشّاعرين العبادي والسّالم
مصادر تفسير القرآن الكريم (5)
أقوى تلسكوب في العالم لاستكشاف أسرار الكون
(مرايا شعريّة – مداد حرّ) أمسية شعريّة لنادي صوت المجاز
آل غزوي يوقّع في القديح كتابه الأوّل (مَن قتل مشاعرك)
﴿قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا﴾
الفرق بين القلب والرّوح والنّفس وحقيقة عالم الذّرّ