اليوم الثالث من محرم 61 هـ الجمعة:
وصل عمر بن سعد بن أبي وقاص، ومعه 4000 مقاتل ليضم الحر الرياحي بجنده إليه، ويصبح المجموع 5000 آلاف شخص، وكانت رسالة من الحر الرياحي قد وصلت إلى ابن زياد في اليوم الماضي يخبره فيها بأن الحسين نزل كربلاء، فأرسل ابن زياد، إلى الحسين رسالة يدعوه فيها إلى البيعة ليزيد بن معاوية والنزول على حكمه هو وحكم يزيد، بهذا النص "أما بعد يا حسين، فقد بلغني نزولك بكربلاء، وقد كتب إلي أمير المؤمنين يزيد بن معاوية ألّا أتوسد الوثير ولا أشبع من الخبز (الخمير)، أو ألحقك باللطيف الخبير أو ترجع إلى حكمي وحكم يزيد بن معاوية والسلام".
فلما ورد الكتاب قرأه الحسين ثم رمى به ثم قال: لا أفلح قوم آثروا مرضاة أنفسهم على مرضاة الخالق. فقال له الرسول: أبا عبد الله جواب الكتاب؟ قال: ما له عندي جواب لأنه قد حقت عليه كلمة العذاب، فحين أخبر الرسول ابن زياد ذلك، غضب من ذلك أشد الغضب.
ولقد كانت هذه الحركة من الإمام عليه السلام بالاستهانة بعبيد الله بن زياد أمضى من سنان يمزق قلبه، ذلك أن ابن زياد قد تعود من العبيد الذين هم حوله أن يسارعوا إلى إرادته بدون أن يأمرهم، فإذا بالحسين عليه السلام لا يراه مستحقاً حتى لجواب من سطرين، لقد هشم شخصيته كلوح زجاج تناثر على الأرض، ولا ريب أن هذه الحادثة وأمثالها من الدوافع الشخصية والنفسية كانت تحرك ابن زياد في هذه المرحلة وما بعدها بشكل أكبر من سائر الدوافع، وقد استغل شمر بن ذي الجوشن هذه الجهة عنده لكي يسجر تنور الغضب في داخله، لا على الحسين فحسب بل على عمر بن سعد الذي كان يريد أن يتخذ حلاً وسطاً يجعله لا يتورط في قتل الحسين من جهة ويؤمن له الذهاب سريعاً إلى بلاد الري رغبته ومنيته كما سنرى في الأيام التالية.
وفيما كانت أعداد المقاتلين تتوارد إلى كربلاء على دفعات، كما ذكر ذلك في الأعيان: "جاءه شمر في أربعة آلاف ثم اتبعه ابن زياد بيزيد بن ركاب الكلبي في ألفين والحصين بن تميم السكوني في أربعة آلاف وفلان المازني في ثلاثة آلاف ونصر ابن فلان في ألفين، فذلك عشرون ألف فارس تكملت عنده إلى ست ليال خلون من المحرم، وبعث كعب بن طلحة في ثلاثة آلاف وشبث بن ربعي الرياحي في ألف وحجار بن أبجر في ألف فذلك خمسة وعشرون ألفًا وما زال يرسل إليه بالعساكر حتى تكامل عنده ثلاثون ألفًا ما بين فارس وراجل، هكذا ذكره المفيد في الإرشاد وهو المروي عن الصادق".
على الطرف الآخر كانت هناك محاولات حثيثة من قبل عمر بن سعد لكي ينصرف عن خوض القتال إلى الاستمتاع بولاية الري، وزعم أنه يحب أن يعافيه الله من هذه المعركة، ولذلك فقد دبج كتابًا كِذابًا على لسان الحسين عليه السلام، وأرسله لابن زياد.
ونشطت سوق الدعايات، فبعد أن دعا الحسين عليه السلام عمر بن سعد للحديث معه بين الصفين وكان كارهًا لذلك لأنه علم أنه سيقوم بنصحه وتذكيره، لكن لم يجد بُدّاً من لقاء الإمام عليه السلام، ولعله بعد ذلك نقل صورة عن اللقاء لكل جماعة بحسب ما تهواه، ولذلك فإن ابن الأثير في الكامل، ينقل بعنوان "وتحدّث الناس أنّ الحسين قال لعمر بن سعد.. كذا وكذا" وبشكل أكثر صراحة قال: "وتحدّث الناس بذلك ولم يسمعوه" لا سيما عندما نقل هؤلاء الناس الذين لم يسمعوا!، أن الحسين عليه السلام خيرهم أن يقبلوا منه أحد ثلاث، أن يرجع إلى مكانه الأول أو أن يضع يده في يد يزيد فيرى في الحسين رأيه، أو أن يسير إلى ثغر من الثغور.
هذا بالرغم من أنه نقل ما روي عن عقبة بن سمعان أنّه قال: صحبت الحسين من المدينة إلى مكّة ومن مكّة إلى العراق ولم أفارقه حتى قتل، وسمعت جميع مخاطباته للناس إلى يوم مقتله، فواللَّه ما أعطاهم ما يتذاكر الناس أنّه يضع يده في يد يزيد، ولا أن يسيّروه إلى ثغر من ثغور المسلمين..
وأظن - والله العالم - أن عمر بن سعد أراد أن يصنع ما يشبه الرأي العام والضغط الشعبي من جهة المقاتلين لتغيير القرار السياسي بحتمية المعركة العسكرية، فمن جهة "سرّب" حلولاً مقترحة يمكن أن تلامس رغبة الكثير من المقاتلين الذين لا مصلحة واضحة لهم في القتال بل قد يفقدون حياتهم في المعركة، ومن جهة أخرى أرسل رسالة تصالحية لابن زياد في الكوفة هذا نصها "أمّا بعد فإنّ اللَّه أطفأ النائرة، وجمع الكلمة، وقد أعطاني الحسين أن يرجع إلى المكان الّذي أقبل منه أو أن نسيّره إلى أيّ ثغر من الثغور شئنًا، أو أن يأتي يزيد أمير المؤمنين فيضع يده في يده، وفي هذا لكم رضى وللأمّة صلاح".
وبالرغم من أن ابن الأثير ذكر في كتابه أنه: لمّا قرأ ابن زياد الكتاب قال: هذا كتاب رجل ناصح لأميره، مشفق على قومه، نعم قد قبلت. إلا أنني أستبعد جدّاً أن يقول قبلت وينهي الموضوع ولا أشك أن الأمر هو من إضافات الرواة أو المؤلف، ولا سيما مع وجود اتجاه عند بعض المؤرخين يحيل مسؤولية الجريمة عن الرأس الأصلي إلى الحاشية، فهم في موضوع يزيد ومسؤوليته يحيلونها إلى ابن زياد وأن يزيد لم يكن راضيًا، وفي موضوع ابن زياد يحيلونها إلى شمر بن ذي الجوشن وهكذا.
لذلك فإن صاحب الكامل، قال بعد هذا فوراً: "فقام إليه شمر بن ذي الجوشن فقال: أتقبل هذا منه وقد نزل بأرضك وإلى جنبك؟ واللَّه لئن رحل من بلادك ولم يضع يده في يدك ليكوننّ أولى بالقوّة والعزّة ولتكوننّ أولى بالضعف والعجز، فلا تعطه هذه المنزلة فإنّها من الوهن، ولكن لينزل على حكمك هو وأصحابه، فإن عاقبت كنت وليّ العقوبة، وإن عفوت كان ذلك لك، واللَّه لقد بلغني أن الحسين وعمر يتحدّثان عامّة اللّيل بين العسكرين".
على أن شخصية ابن زياد تخالف ما هو المذكور، فلم يكن أمر التهدئة والسعي وراء الحلول السياسية الناتجة عن المفاوضات في فكره أبدًا، ويدلك على هذا سعة وكيفية الاستعدادات لقتال الإمام الحسين، إذ إنه مع علمه بأنه حين وصل الحسين عليه السلام كربلاء لم يكن يزيد عدد معسكره يزيد - في أكثر الإحصاءات مبالغة - على ثلاثمائة شخص، ومع ذلك دفع له ابن زياد بمائة ضعف من المقاتلين (30000)، إن مثل هذا لا يفكر أبدًا في موضوع المصالحة ويقول على الفور قبلت. كذلك فإن طباعه النفسية لم تكن تسمح له بذلك فإن منطق (فإن قتل الحسين فأوطئ الخيل صدره وظهره) هو المتحكم به والدافع له، لذلك نعتقد أن ابن زياد لم يكن بحاجة كبيرة لتحريض شمر بن ذي الجوشن إياه على الحسم العسكري أو الإذلال عند التسليم، كما سبق في حوارهما.
حيدر حب الله
الشيخ محمد صنقور
السيد عبد الأعلى السبزواري
عدنان الحاجي
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ محمد جواد مغنية
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد مهدي شمس الدين
السيد منير الخباز القطيفي
السيد جعفر مرتضى
عبدالله طاهر المعيبد
حسين حسن آل جامع
الشيخ علي الجشي
حبيب المعاتيق
شفيق معتوق العبادي
جاسم بن محمد بن عساكر
رائد أنيس الجشي
ناجي حرابة
السيد رضا الهندي
عبد الوهّاب أبو زيد
كيف نستفيد من عاشوراء؟ (1)
{وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ}
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (2)
خطوة إلى الأمام تجاه وضع (نظرية كلّ شيء)
يوميّات الإمام الحسين (ع) في كربلاء (1)
هل أقدم الحسين (ع) على التّهلكة (2)
تلبيات مشرعة للرّمال والسّيوف
نحيب على تراب النّبوّة
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) (1)
نتائج ثورة عاشوراء وآثارها