مشاهير مفسري الشيعة في القرن الخامس
لقد حل القرن الخامس، في حين استفحل أمر الفرق الإسلامية، وتشتت المذاهب الكلامية فيما يرجع إلى المبدأ والمعاد خصوصا في أسمائه وصفاته، وهم: بين مشبّه لله سبحانه بمخلوقه يثبت له يدًا ورجلًا ووجهًا وحركة وانتقالًا كالإنسان، ويكفر من ينكر ذلك، ويباهي بعقيدته، ويرفع عقيرته: بأنّا نثبت لله سبحانه ما أثبته لنفسه في الكتاب والسنة، وكأنهم لم يسمعوا قوله سبحانه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[1]، أو قوله عز من قائل: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ[2].
وبين معطل في فهم الأسماء والصفات فيفوض معانيها إلى الله سبحانه، ويرتدع عن تفسيرها على ضوء الكتاب والسنة والعقل، وكأن القرآن لم ينزل إلا للقراءة والكتابة، لا للفهم والدراية، وكأن الوحي لم ينقر أسماعهم: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا[3].
وبين مؤول للآيات حسب عقيدته وفكرته يخضعون كلام الله لآرائهم، وكأن النبي الأكرم (ص) لم يحذرهم عن تفسير القرآن بالرأي ولم يقل: من فسر القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار.
ففي هذه الظروف القاسية قام علماء الشيعة بتفسير القرآن تفسيرًا علميًّا غير مائلين لا إلى اليمين ولا إلى الشمال، غير عاضدين لهذه الفرق، مقتفين أثر الكتاب العزيز، مستلهمين من أثر الرسول، ومتدبرين في الآيات، فألفوا في هذا المجال موسوعات تفسيرية لم تزل تشع منذ تكونها إلى يومنا هذا، وإليك أسماءهم:
1ـ أبو الحسن الشريف الرضي: نقيب العلويين، محمد بن الحسين بن موسى المعروف بالسيد الرضي، ولد عام 359 ه وتوفي عام 406 ه، وهو صاحب الأثر الخالد: نهج البلاغة، الذي قام فيه بجمع خطب الإمام ورسائله وكلمه من هنا وهناك، وله حقائق التأويل في متشابه التنزيل وهو تفسيره الكبير التي يعبر عنه تارة بحقائق التأويل، وأخرى بالكتاب الكبير في متشابه القرآن، وعبر عنه النجاشي بحقائق التنزيل، وصاحب عمدة الطالب بكتاب المتشابه في القرآن.
ذكره ابن شهرآشوب في معالم العلماء، وقال: يتعذر وجود مثله، وقال النسابة العمري في المجدي: شاهدت له جزءًا مجلدًا من تفسير منسوب إليه في القرآن، مليح حسن، يكون بالقياس في كبر تفسير أبي جعفر الطبري أو أكبر.
وقال ابن خلكان: يتعذر وجود مثله، دل على توسعه في علم النحو، واللغة، وصنف كتابًا في مجازات القرآن فجاء نادرًا في بابه، ونقل الخطيب في تاريخ بغداد عن شيخه أحمد بن محمد، المتوفى 445 ه، أن الرضي صنف حول معاني القرآن ما يتعذر وجود مثله، فيذكر الآيات المشكلة أو المتشابهة، فيزيل إشكالها وغموضها، وكتابه هذا غير مجازات القرآن المنتشرة[4].
2ـ محمد بن محمد بن النعمان المفيد، وهو من مشاهير مفسري الشيعة في القرن الخامس، يقول النجاشي: شيخنا وأستاذنا فضله أشهر من أن يوصف في الفقه والكلام والرواية والثقة والعلم، ويقول الشيخ الطوسي – تلميذه الآخر -: يكنى أبا عبد الله المعروف بابن المعلم، من جملة متكلمي الإمامية انتهت إليه رئاسة الإمامية في وقته، وكان مقدمًا في العلم وصناعة الكلام، وكان فقيهًا متقدمًا فيه، حسن الخاطر، دقيق الفطنة، حاضر الجواب، توفي لليلتين خلتا من شهر رمضان، سنة 413 ه، وكان يوم وفاته يومًا عظيمًا لم ير أعظم منه، من كثرة الناس للصلاة عليه، وكثرة البكاء من المخالف والموافق.
وقال ابن كثير: توفي في سنة 413 ه، عالم الشيعة، وإمام الرافضة، صاحب التصانيف الكثيرة المعروف بالمفيد، وبابن المعلم أيضًا، البارع في الكلام والجدل والفقه، وكان يناظر أهل كل عقيدة بالجلالة والعظمة في الدولة البهية البويهية، وكان كثير الصدقات، عظيم الخشوع، كثير الصلاة والصوم، خشن اللباس، وكان عضد الدولة ربما زار الشيخ المفيد، وكان شيخًا ربعًا نحيفًا أسمر، عاش 76 سنة، وله أكثر من مائتي مصنف، وكان يوم وفاته مشهودًا وشيعه ثمانون ألفًا من الرافضة والمعتزلة، وقد سرد تلميذه النجاشي أسماء كتبه وفيها ما يمس بالموضوع:
1- كلام في دلائل القرآن، 2- البيان في تأليف القرآن، 3 – النصرة في فضل القرآن، 4- الكلام في حدوث القرآن، 5- البيان عن غلط قطرب في القرآن، 6- الرد على الجبائي في التفسير، ولأجل هذه الكتب الكثيرة حول القرآن فهو من أكبر المهتمين بالقرآن، وكيف لا يكون ذلك وقد تربى في مدرسته العلمان الكبيران المفسران: المرتضى والطوسي بل والشريف الرضي[5].
3ـ السيد المرتضى علم الهدى، أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى، يصفه النجاشي بقوله: حاز من العلوم ما لم يحزه أحد في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، كان متكلمًا شاعرًا أديبًا عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا، وهو من المكثرين في التأليف حول القرآن، أهمها الدرر والغرر، المطبوع عدة مرات.
ووصفه الشيخ في فهرسته بقوله: المرتضى متوحد في علوم كثيرة، مجمع على فضله، مقدم في العلوم، مثل علم الكلام والفقه وأصول الفقه، والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر، واللغة، وغير ذلك، له من التصانيف ومسائل البلدان شيء كثير مشتمل على ذلك فهرسه المعروف.
وقال في رجاله: إنه أكثر أهل زمانه أدبًا وفضلًا، متكلم، فقيه، جامع العلوم كلها، مد الله في عمره. إلى غير ذلك من كلمات الثناء من مشايخ العامة والخاصة التي يضيق بنا المجال لنقل معشارها، وقد ترجمه كثير من أصحاب المعاجم.
يقول الذهبي: كتاب غرر الفوائد ودرر القلائد، كتاب يشتمل على محاضرات أو أمالي أملاها الشريف المرتضى في ثمانين مجلسًا، تشتمل على بحوث في التفسير والحديث، والأدب، وهو كتاب ممتع، يدل على فضل كثير، وتوسع في الاطلاع على العلوم، وهو لا يحيط بتفسير القرآن كله، بل ببعض من آياته التي يدور أغلبها حول العقيدة.
إن من الجناية على العلم وأهله رمي السيد المرتضى بأنه يسعى في كتابه هذا للتوفيق بين آرائه الاعتزالية وآيات القرآن التي تتصادم معها، وهذا ما يقوله الذهبي، وهو شنشنة أعرفها من كل من لم يفرق بين مبادئ التشيع والاعتزال، فزعم أن اشتراكهما في بعض المبادئ كامتناع رؤية الله سبحانه، وحرية الإنسان في حياته، وسعادته وشقائه، بمعنى اتحادهما في جميع الأصول والمبادئ، ولم يقف على أن المعتزلة في بعض آرائهم وعقائدهم عيال على خطب الإمام أمير المؤمنين وكلماته، هذا والكتاب قد طبع مرات محققة[6].
4ـ محمد بن الحسن الطوسي، أبو جعفر، وهو من مشاهير مفسري الشيعة في القرن الخامس، جليل من أصحابنا، قال النجاشي: ثقة، عين من تلامذة شيخنا أبي عبد الله، وقال العلامة في الخلاصة: شيخ الإمامية ورئيس الطائفة، جليل القدر، عظيم المنزلة، ثقة، عين، صدوق، عارف بالأخبار والرجال والفقه والأصول والكلام والأدب، وجميع الفضائل تنتسب إليه، صنف في كل فنون الإسلام، وهو المهذب للعقائد في الأصول والفروع، والجامع لكمالات النفس في العلم والعمل، وكان تلميذ الشيخ المفيد، ولد في شهر رمضان سنة 385 ه، وقدم العراق في شهور سنة 408 ه، وتوفي ليلة الاثنين، الثاني والعشرين من المحرم سنة 460 ه بالمشهد المقدس الغروي، ودفن بداره.
وقد ترجمه أصحاب المعاجم من العامة والخاصة، وكفانا عن مؤونة البحث، ما ألفه حول حياته شيخ الباحثين شيخنا المجيز الطهراني الذي طبع في مقدمة كتاب التبيان، وأما كتاب التبيان، فيكفي فيه قول الطبرسي: إنه الكتاب الذي يقتبس منه ضياء الحق، ويلوح عليه رواء الصدق، قد تضمن من المعاني، الأسرار البديعة، واحتضن من الألفاظ اللغة الوسيعة، ولم يقنع بتدوينها دون تبيينها، ولا بتنميقها دون تحقيقها، وهو القدوة أستضيء بأنواره وأطأ مواقع آثاره[7].
وأما منهجه في التفسير فيظهر من قوله في مقدمته، يقول: سمعت جماعة من أصحابنا قديما وحديثا يرغبون في كتاب مقتصد، يجتمع على جميع فنون علم القرآن من القراءة… والجواب عن مطاعن الملحدين فيه، وأنواع المبطلين كالمجبرة والمشبهة والمجسمة وغيرهم، وذكر ما يختص أصحابنا به من الاستدلال بمواضع كثيرة منه على صحة مذاهبهم في أصول الديانات وفروعها.
ثم إن كتاب التبيان تداولته العلماء، وأخذوا في تحقيقه، فمنهم من اختصره كابن إدريس الحلي، المتوفى عام 598 ه، وأبي عبد الله محمد بن هارون، المتوفى عام 597 ه، كما أرخه الجزري في طبقات القراء.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الشورى، 11.
[2] الأنعام، 91.
[3] محمد، 24.
[4] النجاشي، الرجال، ج2، ص326 .
[5] النجاشي، الرجال، ج2، ص327، رقم 1068.
[6] النجاشي، الرجال، ج2، ص102، رقم 706.
[7] النجاشي، الرجال، ج2، ص332، رقم 1069.
حيدر حب الله
الشيخ جعفر السبحاني
الشيخ محمد علي التسخيري
الشيخ باقر القرشي
السيد محمد حسين الطهراني
السيد عبد الأعلى السبزواري
السيد جعفر مرتضى
الشيخ حسن المصطفوي
الشيخ محمد صنقور
الشيخ شفيق جرادي
عبدالله طاهر المعيبد
حسين حسن آل جامع
حبيب المعاتيق
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
أحمد الرويعي
حسين آل سهوان
أسمهان آل تراب
أحمد الماجد
علي النمر
النص القرآني: المكانة والدّور
مشاهير مفسري الشيعة في القرنين الخامس والسادس (1)
منهج أهل البيت (ع) في بناء الإنسان الكامل (1)
وصايا النبي (ص) التربوية إلى الإمام أمير المؤمنين (ع) (1)
(عصمة الرسول الأعظم في القرآن الكريم) كتاب جديد للسّيد ضياء الخباز
اختيار النبيّ (ص) لخديجة (ع)
المذاهب الأخلاقية
معنى أن الأئمة (ع) وجه الله
معنى لفظة (ألو) في القرآن الكريم
كيف استظلَّ يونس بشجرة اليقطين؟!