من الأمور الشائعة بين المسلمين ان النبي (ص) لم يكن يعرف القراءة والكتابة لقوله تعالى: ﴿وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلاَ تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لاَرْتَابَ المُبْطِلُونَ﴾(١)، حيث دلت على عدم معرفة النبي للقراءة والكتابة. ولأن الآيات القرآنية قد وصفت النبي (ص) بالأمي، قال تعالى ﴿الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ﴾(٢). وقال: ﴿فَآمِنُوا بِاللَهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِالله﴾(٣)، والأمي هو الذي بقي كما ولدته أمه، لا عهد له بعلم، ولا بقراءة، ولا كتابة.
ولكن يبدو أن الآيات المذكورات لا تكفي لإثبات أنه (ص) أمي لا يقرا ولا يكتب، لأن الآية الاولى إنما تدل على أنهم كانوا يعلمون أنه لم يتعلم القراءة والكتابة عند أحد قبل أن يبعث، وأنه لم يكن يقرأ كتباً، ولا كتب شيئاً منها، أو عنها، وهذا لا يمنع من أن يبعثه الله نبياً فيفاجئهم بعلوم الأولين والآخرين، وهو لم يطلع على كتب أحد، ويفاجئهم بأنه في نفس هذه اللحظة قد أصبح يعرف القراءة والكتابة بكل الألسن واللغات،
ولا شك أنه كان يقرأ حين البعثة، في سن الأربعين من عمره الشريف، فإن قوله تعالى له "إقرأ"، هو فعل أمر، وهو ظاهر في الوجوب، فهو أمر له بأن يقرأ، وحينئذ لا بد له أن يكون قارئاً، إذ لا يخلو هذا الأمر من إحدى حالتين: فإما أن يكون أمراً تكوينياً لا يختلف ولا يتخلف، فلا بد أن يصبح قارئاً، لأن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون، والحال الثاني أن يكون الأمر تكليفاً شرعياً، ويستحيل أن يكلفه الله تعالى بأمر لا يستطيع فعله، لأنه يكون من قبيل التكليف بما لا يطاق. وعلى الحالين، فإن قوله تعالى له (إقرأ) معناه أنه على الأقل كان يوم البعثة قارئاً.
وأما وصفه بالأمية واعتبارها وساماً له، فإنما هو بلحاظ أنه لم يتعلم عند أحد، فهو أمي بهذا الإعتبار، أو بلحاظ ما قبل البعثة، أما بعدها فلعل العكس هو الصحيح، أي أن استمرار الأمية هو الذي يعد نقصاً بنظر الناس. وقد استعمل العرب لفظة "أمي" لبيان الانتساب إلى أم القرى، وهي مكة. كما عن الإمام محمد الباقر أن المقصود بالأمي هو هذا المعنى، كما استعملوها أيضاً لمعنى آخَر، لا يلائم معنى عدم معرفة النبي (ص) القراءة والكتابة، مثل كونه منسوباً إلى أمة لم تنزّل عليها كتب سماوية، فقد كان مصطلح الأمية قد اطلقه اليهود على أمة العرب باعتبار أنها لم ينزل عليها كتاب، وقد أطلق الباري عز وجل هذا الإصطلاح على أمة العرب، كما اطلق على اليهود الإصطلاح الذي كان يطلقه عليهم العرب وهو أنهم"أهل الكتاب"
ومن الشواهد الدالة على أنه (ص) كان يقرأ: ما رواه الشعبي من أنه(ص) قد قرأ صحيفة لعيينة بن حصن، وأخبر بمعناها(٤). وعن أنس قال: قال (ص): رأيت ليلة أسري بي مكتوباً على باب الجنة: الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر(٥). فإن المتبادر هو أنه (ص) قد قرأ هذا المكتوب بنفسه، لا أنه قد علم بمضمونه من غيره.
ومن الشواهد الدالة على أن النبي (ص) كان يقرأ ويكتب: ما رواه الشيخ الصدوق بسنده عن جعفر بن محمد الصوفي، عن أبي جعفر الجواد فيه: فقلت: يا ابن رسول الله، لم سمي النبي الأمي؟
فقال: ما يقول الناس؟
قلت: يزعمون: أنه إنما سمي الأمي؛ لأنه لم يحسن أن يكتب
فقال: كذبوا عليهم لعنة الله، أنّى ذلك، والله يقول في محكم كتابه: ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾(٦) م
فكيف كان يعلِّمهم ما لا يحسن؟. والله، لقد كان رسول الله (ص) يقرأ ويكتب باثنين وسبعين لساناً، أو قال: بثلاثة وسبعين لساناً، وإنما سمي الأمي، لأنه كان من أهل مكة. ومكة من أمهات القرى، وذلك قول الله عز وجل: ﴿لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا﴾»(٧) م
وعن الشعبي أنه قال: ما مات النبي (ص) حتى كتب (٨). ونقل السيوطي عن أبي الشيخ، من طريق مجالد، قال: حدثني عون بن عبد الله بن عتبة, عن أبيه قال: ما مات النبي (ص) حتى قرأ وكتب. فذكرت هذا الحديث للشعبي، فقال: صدق. سمعت أصحابنا يقولون ذلك (٩) م
وقد اشتهر في الصحاح وكتب التواريخ قوله (ص): إيتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً(١٠). م
وظاهر هذه الرواية: أنه (ص) قد مارس القراءة والكتابة فعلاً، سواء قبل بعثته (ص) أم بعدها. ولكن ذلك كان بصورة إعجازية، لكنه لم يكن يكتب بيده، بل كانت طريقته (ص) في كتابة رسائله وغيرها، أن يملي، والكاتب يكتب، والرواية عن البراء بن عازب في قصة الحديبية، حيث قال: «فأخذ رسول الله (ص)، وليس يحسن يكتب فكتب: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله الخ..»(١١). معارضة بروايات أخرى صرحت: بأن علياً قد امتثل أمر رسول الله (ص)، وكتب ما أمر به. أي أنه أمر علياً بالكتابة، فكتب، وما فعله رسول الله (ص) هو: أنه محا الكلمة السابقة فقط(١٢). وإنما فعل ذلك ولم يتصد لكتابة رسائله وغيرها فهو لأن هذا ما تقتضيه الدول والتصرفات الرسمية من إعتماد تسجيل الرسائل والمعاهدات عبر الديوان والكاتب، ولذلك لم يكن الخلفاء بعده يتصدون للكتابة بأنفسهم أيضاً، بل كانوا يملون على الكاتب.
١- سورة العنكبوت : ٤٨
٢- سورة الأعراف : ١٥٧
٣- سورة الأعراف : ١٥٨
٤- المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام : ج٨، ص٩٧
٥- سنن ابن ماجه : كتاب الصدقات، رقم ٢٤٣١
٦- علل الشرائع : ٥٣، معاني الأخبار : ٢٠
٧- سورة الشورى : ٧
٨- الجامع لأحكام القرآن : ج١٣، ص٣٥٢
٩- الدر المنثور : ج٣، ص١٣١
١٠- البحار : ج١٦، ص١٣٥
١١- صحيح البخاري : ج٣، ص٣٧
١٢- الارشاد : ج١، ص١٢٠
السيد عادل العلوي
السيد محمد باقر الحكيم
السيد محمد حسين الطهراني
عدنان الحاجي
الأستاذ عبد الوهاب حسين
الشيخ عبدالهادي الفضلي
السيد محمد حسين الطبطبائي
السيد محمد باقر الصدر
الشيخ فوزي آل سيف
الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
عبد الوهّاب أبو زيد
الشيخ علي الجشي
حسين حسن آل جامع
ناجي حرابة
فريد عبد الله النمر
جاسم بن محمد بن عساكر
أحمد الماجد
عبدالله طاهر المعيبد
ياسر آل غريب
زهراء الشوكان
العسيّف يوقّع روايته الجديدة (مذكّرات أمل) في سيهات
السيد كامل الحسن: غياب الهدفية في حياة الإنسان
العلم الإلهامي برؤية جديدة
الشيخ عبد الجليل البن سعد: المجتمع الرّشيد
هل خلق آدم للجنّة أم للأرض؟
معنى (الدعاء الملحون)
اختلاف آراء الفلاسفة المادّيّين في حقيقة المادّة
كتاب الدّين والضّمير، تهافت وردّ
عوامل احتمال الإصابة بالسّكتة الدّماغيّة الحادّة
صراع الإسلام مع العلمانية