من التاريخ

قصة طالوت والقائد الصالح


﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا قَالُوَاْ أنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ وَقَالَ لَهُمْ نِبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾


القصة
عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام: إن بني إسرائيل بعد موسى عملوا بالمعاصي وغيروا دين الله وعتوا عن أمر ربهم، وكان فيهم نبي يأمرهم وينهاهم فلم يطيعوه، فسلط الله عليهم جالوت وهو من القبط، فأذلهم وقتل رجالهم وأخرجهم من ديارهم وأخذ أموالهم واستعبد نساءهم، ففزعوا إلى نبيهم وقالوا: سل الله أن يبعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله، وكانت النبوة في بني إسرائيل في بيت، والملك والسلطان في بيت آخر، لم يجمع الله لهم النبوة والملك في بيت واحد، فمن ذلك قالوا: ﴿ابْعَثْ لَنَا مَلِكاً نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ﴾ فقال لهم نبيّهم ﴿قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ألَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا ألَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَقَدْ أخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأبْنَائِنَا﴾ وكان كما قال تعالى ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلاً مِنْهُمْ﴾، فقال لهم نبيهم: ﴿وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكًا﴾ فغضبوا من ذلك وقالوا: ﴿أنَّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِّنَ الْمَالِ﴾ وكانت النبوة في ولد لاوي، والملك في ولد يوسف، وكان طالوت من ولد ابن يامين أخي يوسف لأمه، لم يكن من بيت النبوة ولا من بيت المملكة، فقال لهم نبيهم: ﴿إِنَّ اللّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ وكان أعظمهم جسما، وكان شجاعا قويا، وكان أعلمهم، إلا أنه كان فقيرا فعابوه بالفقر، فقالوا: فقال لهم نبيهم: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ وكان التابوت الذي أنزله الله على موسى فوضعته فيه أمه وألقته في اليم، فكان في بني إسرائيل يتبركون به، فلما حضر موسى الوفاة وضع فيه الألواح ودرعه وما كان عنده من آيات النبوة وأودعه يوشع وصيه، فلم يزل التابوت بينهم حتى استخفوا به، وكان الصبيان يلعبون به في الطرقات، فلم يزل بنو إسرائيل في عز وشرف ما دام التابوت عندهم، فلما عملوا بالمعاصي واستخفوا بالتابوت رفعه الله عنهم، فلما سألوا النبي وبعث الله إليهم طالوت ملكا يقاتل معهم رد الله عليهم التابوت، كما قال الله: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِّمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلآئِكَةُ﴾ والبقية: ذرية الأنبياء، وقوله: ﴿فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ فإن التابوت كان يوضع بين يدي العدو وبين المسلمين فتخرج منه ريح طيبة لها وجه كوجه الإنسان.


صفات القائد بين الاختيار الإلهي والاختيار البشري
تحكي لنا هذه القصة التي جرت مع بني إسرائيل عن تلك الصفات التي ينبغي أن يتمتع بها القائد، والتي تكون معياراً يؤهّله لأن يكون له أمر قيادة الناس إلى ما فيه صلاحهم وخيرهم، كما تحكي عن الصفات والموازين التي يراها الإنسان المادي معياراً لذلك وتبين خطأ تلك المعايير البشرية.


أ ـ المعايير الإلهية
ورد في هذه الآية ذكر صفتين من الصفات التي لا بد وأن تتوفر في الإنسان الذي يراد له أن يكون قائداً يسير الناس خلفه في المطالبة بحقوقهم والدفاع عن وجودهم وكيانهم، وهما:
أولا: العلم
إن الصفات التي تؤهّل الشخص للقيادة بتعاليم الإسلام لها علاقة بالصفات الشخصية التي يتمتع بها، وعلى رأسها العلم، وهي الصفة التي تؤهل الإنسان لأن يكون قائداً وأميراً على القوم.
وقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما ولت أمة قط أمرها رجلاً وفيهم أعلم منه إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالاً حتى يرجعوا إلى ما تركوا". ونحن نلاحظ أن الله تعالى وصف طالوت بأنه زاده بسطة في العلم، أي أنه كان يفضل عليهم بالعلم، لا أنه كان يساويهم.
ثانيا: صفات وقدرات جسميّة
لا يكفي في القائد أن يكون عالماً بل ينبغي أن يكون ذا صفات وقدرات جسمية تؤهّله للقيادة بحسب ما يفترضه هذا المقام، وما تقتضيه المهام الملقاة على عاتقه، وقد ورد عن الإمام علي عليه السلام: "يحتاج الإمام إلى قلب عقول، ولسان قؤول، وجنان على إقامة الحق صؤول".
فلا بد وأن يكون القائد قوي القلب يتمكن من اتخاذ قرارات حاسمة في بعض المواطن التي قد يتردد فيها الإنسان العادي.
كما ورد عن الإمام علي عليه السلام: إن أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم بأمر الله فيه، فإن شغب شاغب استعتب، فإن أبى قوتل.

ويصف الإمام علي عليه السلام مالك الأشتر في كتابه لأهل مصر لما ولاه مصر يقول:"أما بعد، فقد بعثت إليكم عبداً من عباد الله لا ينام أيام الخوف ولا ينكل عن الأعداء ساعات الروع، أشد على الكفار من حريق النار، وهو مالك بن الحارث أخو مذحج، فاسمعوا له وأطيعوا أمره في ما طابق الحق، فإنه سيف من سيوف الله لا كليل الظبة ولا نابي الضريبة. فإن أمركم أن تنفروا فانفروا، وإن أمركم أن تقيموا فأقيموا".


ب ـ المعايير البشرية
أولا: النسب والحسب
فإن الكثير من الناس يظن أنه إذا كان صاحب نسب بأن كان من سلالة كان لها الحكم والسلطة والإمرة والقيادة فان هذا يؤهّله لأن يكون أحقّ من غيره لهذا المنصب والمقام. كما احتجت قريش على أن الخلافة لا بد وأن تكون فيها لأنها أقرب إلى رسول الله، فهي افتخرت بنسبها مع أنّ النسب ليس معياراً لمقام الإمامة والقيادة.
ثانيا: سعة المال
يرى بعض الناس أنّ من لا يكون صاحب حسب ونسب فلا بد وأن يكون صاحب مال يجبر فيه ما ينقصه من الحسب والنسب، وهذا المنطق هو منطق أهل الشرك والضلال.
ومن هنا نجد أن الناس تميل إلى احترام صاحب المال لما يملكه من مال، وهذا الاحترام احترام مؤقت فإذا زال ما عنده من المال ترك الناس ذلك الاحترام، ولهذا لا يصح أن يكون امتلاك المال معياراً في القيادة، بل لا بد وأن تكون الصفة التي تجعل الشخص أهلاً للقيادة من الصفات التي لا تقبل الزوال كالعلم.


الابتلاء والاختبار الإلهي
هل يكفي إعلان الناس عن استعدادهم للقتال والجهاد لكي يمشي القائد بهم إلى الحرب والقتال؟ لا، بل لا بد له من أن يمتحنهم ليعرف منهم الطاعة والالتزام بأوامره ونواهيه وهذا ما حصل مع طالوت عليه السلام فقد أراد الله أن يختبر هؤلاء الذين أرادوا قتال عدوهم قبل أن يقع القتال، وفي هذا الاختبار تمكن القائد طالوت من معرفة من أخلص النية في الجهاد والقتال ممن مشى معه لمصالح آنية أو لأنه رأى الناس تمشي فمشى بمشيهم.
وهكذا تظهر أهمية الطاعة للقائد، وأنه ما لم تعلم الطاعة فإن على القائد أن لا يقدم على الحرب والقتال فإن ذلك قد يترتب عليه الهزيمة والخسران.
لقد كانت نتيجة هذا الاختبار أن لا تثبت سوى الفئة القليلة ولكن هذه الفئة القليلة تمتاز بأنها مؤمنة ومخلصة ولذلك فإن النصر سوف يكون حليفها بإذن الله تعالى.
وقد ورد عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: "يحق على الإمام أن يحكم بما أنزل الله وأن يؤدي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحق على الناس أن يسمعوا له ويطيعوا ويجيبوه إذا دعا".
ـــــــــــــ
جمعية المعارف الإسلامية الثقافية

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد