من التاريخ

الزيديـّة (1)


النشأة والتأسيس
الزيديّة مذهب منتسب إلى زيد الشهيد ابن الإمام زين العابدين عليّ ابن سيّد الشهداء الإمام الحسين ابن الإمام عليّ بن أبي طالب عليهم السلام ، ولد سنة 75هـ واستُشهد سنة 120هـ، وفي عام ولادته وشهادته أقوال أُخرى.
أخذ عن أبيه ثُمّ عن أخيه الإمام محمّد الباقر عليه السلام ، وكان الإمام الباقر عليه السلام ينظر إليه نظر أخ عطوف ويُثني عليه ويُطريه ويقول في حقّه: "هذا سيّد أهل بيته والطالب بأوتارهم"1.
كما كانت أواصر الحبّ والود تجمعه بالإمام الصادق عليه السلام ، فلمّا بلغ نعيه إلى المدينة أخذ الناس يفدون إلى الإمام ويعزّونه2.


هل دعا زيد إلى نفسه؟
هذا هو بيت القصيد في حياة زيد، فالزيديّة عامّة على أنّ زيداً دعا إلى إمامة نفسه، وأمّا الإماميّة فيعتقدون أنّه دعا إلى الرضى من العترة، فقد كان هو بصدد تمهيد السبيل للإمام المفترض الطاعة من بيت النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم.
نعم، تضافرت الروايات على بيعة جماعة كثيرة له، لكنْ بايعوه على الجهاد في سبيل الله تحت إمرته، لا على الإمامة بعد الظفر.
نعم، زعمت الزيديّة أنّه ادّعى الإمامة لنفسه، وكان الجهاد وسيلة لنيل ذلك الهدف، لكنّ كلمات زيد تخلو من أيّة إشارة إلى ذلك، بل كلّها تُعرب عن دعم الموقف الأوّل وأنّه قام للرضى من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم.
ولأجل ذلك تضافرت الروايات من طرقنا على أنّ زيداً ما دعا إلى نفسه وإنّما دعا إلى الرضى من آل محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وأنّه لو ظفر لوفى‏، ومعنى هذه الروايات أنّه كان يُمهِّد الطريق لولاية الإمام المنصوص عليه في كلام النبيّ والأئمّة الصادقين عليهم السلام.
1- قال الصادق عليه السلام : "إنّ زيداً كان مؤمناً وكان عارفاً وكان صدوقاً، أما لو ظفر لوفى‏، أما إنّه لو ملك عرف كيف يضعها"3.
2- وقال عليه السلام : "إنّ زيداً كان عالماً وكان صدوقاً، ولم يدعكم إلى نفسه، وإنّما دعاكم إلى الرضى من آل محمّد، ولو ظفر لوفى‏ بما دعاكم إليه، وإنّما خرج إلى سلطان مجتمع لينقضه"4.


اعترافه بإمامة الإمام الصادق عليه السلام
1- إنّ زيداً كان معترفاً بإمامة ابن أخيه الإمام جعفر الصادق عليه السلام بلا كلام، وكان يقول: "من أراد الجهاد فإليّ، ومن أراد العلم فإلى ابن أخي جعفر"5.
2- روى الصدوق في "الأمالي" عن عمرو بن خالد: قال زيد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب عليهم السلام : "في كلّ زمان رجل منّا أهل البيت يحتجّ الله به على خلقه، حجّة زماننا ابن أخي جعفربن محمّد، لا يضلّ من تبعه، ولا يهتدي من خالفه"6.
3- روى محمّد بن مسلم: دخلت على زيد بن عليّ وقلت: إنّ قوماً يزعمون أنّك صاحب هذا الأمر قال: "لا، ولكنّي من العترة، قلت: فلمن يكون هذا الأمر بعدكم؟ قال:"سبعة من الخلفاء، والمهديّ منهم".
قال محمّد بن مسلم: دخلت على الباقر محمّد بن عليّ عليه السلام فأخبرته بذلك، فقال: "صدق أخي زيد، سبيل هذا الأمر بعدي سبعة من الأوصياء والمهدي منهم"7، ثمّ بكى عليه السلام وقال: "وكأنّي به وقد صُلب في الكناسة. يا بن مسلم حدّثني أبي عن أبيه الحسين : قال: وضع رسول الله يده على كتفي، قال: يا حسين يخرج من صلبك رجل يُقال له زيد، يُقتل مظلوماً إذا كان يوم القيامة حُشر وأصحابه إلى الجنّة"8.


موقف أئمّة أهل البيت عليهم السلام من خروج زيد
إنّ موقف أئمّة أهل البيت عليهم السلام من خروج زيد كان إيجابيّاً، وكانوا يرون أنّ خروجه وجهاده جاء وفقاً للكتاب والسنّة، بمعنى أنّ الخروج حينذاك لم يكن تكليفاً إلزاميّاً على الإمام ولا على غيره، ولكنّه لو خرج مسلم لإزالة الطغاة عن منصّة الحكم، وتقويض الظلم والفساد من دون أنْ يدعو إلى نفسه كان على المسلمين عونه ونصرته، وإجابة دعوته.
وكان خروج زيد على هذا الخط الّذي رسمناه، وهذا ما يُستفاد من الروايات المستفيضة، وإليك بعضها:
1- لمّا بلغ قتل زيد إلى الإمام الصادق عليه السلام قال: "إنّا لله ‏وإنّا إليه راجعون، عند الله أحتسب عمّي، إنّه كان نعم العمّ. إنّ عمّي كان رجلًا لدنيانا وآخرتنا، مضى والله شهيداً كشهداء استشهدوا مع رسول الله وعليّ والحسين صلوات الله عليهم"9.
4- روى الصدوق عن عبد الله بن سيابة أنّه أتى رسول بسّام الصيرفيّ بكتاب فيه: أمّا بعد، فإنّ زيد بن عليّ قد خرج يوم الأربعاء غرّة صفر، ومكث الأربعاء والخميس وقتل يوم الجمعة، وقتل معه فلان وفلان، فدخلنا على الصادق عليه السلام فدفعنا إليه الكتاب، فقرأه وبكى، ثمّ قال: "إنّا لله وإنّا إليه راجعون. عند الله أحتسب عمّي، إنّه نعم العمّ، إنّ عمّي كان رجلًا لدنيانا وآخرتنا..." إلى آخر ما مرّ في الحديث الأوّل10.


*جمعية المعارف الإسلامية


1- صفاته سبحانه عين ذاته، خلافاً للأشاعرة.
2- إنّ الله سبحانه لا يُرى ولا يجوز عليه الرؤية.
3- العقل يُدرك حسن الأشياء وقبحها.
4- الله سبحانه مريد بإرادة حادثة.
5- إنّه سبحانه متكلّم بكلام، وكلامه سبحانه فعله: الحروف والأصوات.
6- أفعال العباد ليست مخلوقة لله ‏سبحانه.
7- التكليف بما لا يُطاق قبيح، خلافاً للمجبرة والأشاعرة.
8- المعاصي ليس بقضاء الله.
9- الإمامة تجب شرعاً لا عقلًا خلافاً للإماميّة.
10- النصّ على إمامة زيد والحسنين عند الأكثريّة.

تعليقات الزوار

الإسم
البريد الإلكتروني
عنوان التعليق
التعليق
رمز التأكيد